لايختلف إثنان على أن الأحزاب السياسية في كوردستان بحاجة الى وقفة مراجعة عملية حقيقية وشجاعة, ودراسة عمق الأحداث للعبور نحو المستقبل، كونها المعنية بتصويب الامور, وإتخاذ القرارات المناسبة, سواء أرادت تعويض الخسائر السابقة أم رغبت في عدم إلحاق الشعب الكوردستاني المزيد من الخسائر. وإعادة النظر في برامجها وأديباتها, بالتركيز على التنازلات والضمانات والتطمينات المتبادلة فيما بينها. لان كوردستان سفينة على متنها الجميع, فإذا ما غرقت فالجميع تغرق, واذا عبرت الى بر الامام فالجميع ينجو.
السياسة في المرحلة الحالية، التي تعتبر مرحلة ما قبل إعلان الدولة، تحتاج الى مناورات ذكية وتحالفات وفقاً للمصالح والمتغيرات، والتحوّل في السياسة (كما هو معلوم) ليس موضوعاً شائكاً أو مستحيلاً، بل ممكن، لو جرت بعض التعديلات والتغييرات على العلاقات بين الأحزاب السياسية غير المتفاهمة أو المتخاصمة. تحركات تزيل الشكوك ويمكن أن تلمس فيها آفاق الحرص على تطبيع العلاقات لبحث ومناقشة الموضوعات الحيوية الهادفة التي تهم الجميع.
هذه المرحلة تعتبر مثالية لإختبار المواقف والهواجس والنوايا عند الأحزاب القومية والإسلامية والشخصيات الوطنية، وستنتج عنها، إما صياغة رؤية مبدئية نضالية وطنية جديدة مستندة على أرضية الإستقلال والإستقرار، أو تفرز رؤية أخرى تستند في شكلها ومضمونها على النفاق والمراهقة السياسية وعدم الخبرة والدراية والمعرفة، والخيانة للثوابت القومية والوطنية والاستسلام الى الآخرين، وهذا الأمر لا يمر مرور الكرام، بل سينتج بدوره سجالاً ينذر بكارثة بسبب تداخل المتناقضات والمبررات والمسميات والأوصاف المعروفة..
المسألة الرئيسية التي ينبغي أن تكون حاضرة الآن ليست السلطات الكوردستانية، ولا القوى السياسية التي تحكم في الوقت الحالي، وربما في الوقت القريب، بل إيقاف نكبة العلاقات السلبية بين الأحزاب الكوردستانية وإعادة الاعتبار للحضور الكوردي، وبالذات في وقت باتت فيه الحوارات الكوردية – الكوردية التي هي على الأبواب تشير الى النوايا الحسنة، وتبشر بإذابة جبل الجليد الذي تراكم بين بعض الأطراف، وإقتراب تحقيق التفاهمات وحل الخلافات بين المختلفين والمتخاصمين على أساس العودة الى اللحمة والإنسجام وتسامي الفرقاء فوق صراعاتهم، والتركيز على تصفير المشكلات عبر تسريع اللقاءات الصريحة والواضحة، والمراجعات العميقة لطبيعة التطورات السريعة في المنطقة وإستبعاد ذكر أسباب المشكلات والجهات المبادرة بها والمفتعلة لها، أو اللعب بورقة المفاوض المنتصر الذي يفرض شروطه على طاولة التفاوض، أو الخاسر الذي يقبل بالشروط، كما تستوجب المرحلة، الإبتعاد قدر الإمكان عن صراع الأراء الشخصية والارادات والصراعات الحزبية وجميع عوامل التوتر وازدواجية القناعات والأوصاف، من أجل إشاعة روح التسامح، وصياغة إستراتيجية موحدة تنظم علاقاتنا البينية من جهة، والعمل الجماعي من أجل تمتين وتطوير العلاقات مع الدول والشعوب المجاورة من خلال إختصار الطريق والزمن في تحركاتنا نحوهم وفي بناء المرتزات الأساسية لكياننا، من جهة أخرى، وهذه التوجهات تتطلب اللياقة والبراعة والحنكة والحكمة الدبلوماسية التي تبعث برسائل إطمئنان الى تلك الحكومات والى الكورد الموجودين هناك، لأن المصالح المهمة التي تربطنا مع الشعوب المجاورة تبدأ بتسهيلات السفر والتجارة والصناعة والزراعة والري والطب والسياحة وتنتهي في مشاركاتهم في الأعمار والبناء والنظر للأمور بواقعية لتطلعاتنا المشروعة في إعلان الإستقلال.
مقالات اخرى للكاتب