ليس من العجب أن يسعى "العماد" جاهداً كي ينسى أو يتناسى أسباب بلوغه قصر بعبدا وهو يطوي ايامه الأخيرة في متكأً على مسند الرئاسة اللبنانية، وكل ما جاء في خطاب القسم الذي ألقاه وأقسم به يوم دخوله القصر الرئاسي بتاريخ 25 مايو 2008 وسط حضور عربي وأقليمي وأجنبي عبر تأكيده على ذهبية ثلاثية "الجيش والشعب والمقاومة" وأهميتها الملحة لضمان أمن واستقرار واستقلال لبنان وتحرير أراضيه .
ففي يوم التولي أكد الرئيس "ميشال سليمان" وخلال خطبة غراء قائلا: "إن نشوء المقاومة كان حاجة في ظل تفكك الدولة واستمرارها كان في التفاف الشعب حولها وفي احتضان الدولة كياناً وجيشاً لها ونجاحها في اخراج المحتل يعود الى بسالة رجالها وعظمة شهدائها.. إلا أن بقاء مزارع شبعا تحت الاحتلال ومواصلة العدو لتهديداته وخروقاته لسيادة لبنان يحتم علينا ستراتيجية دفاعية تحمي الوطن (معادلة الجيش والشعب والمقاومة)"؛ فهل يا ترى أن ذلك الخطاب كان خشبياً ايضاً كما يدعي الآن ؟.
فما حدا مما بدا يا فخامة الرئيس وأنت تودع قصر بعبدا حتى تندفع لتتهجم كل هذا الهجوم ومنذ ستة أشهر على المعادلة التي كسبت للبنان العزة والكرامة والأمن والاستقرار وتحرير الأرض وتكيل لها الاتهامات والسباب بعد أن كانت هذه الثلاثية الذهبية ضمن ثلاثة بيانات وزارية على عهد رئاستك حتى يومنا هذا؟ حتى وفي هذه الظروف البالغة الخطورة والحساسية على لبنان والمنطقة تطرح ثلاثية "الارض والشعب القيم المشتركة"، متجاهلاً من أن "المقاومة" هي من أهم ركائز الثوابت والقيم الوطنية للبنان وشعبه وحكومته ولولاها لما كان للبنان قيمةً ولا وجوداً ولا دولةً، لأنهم كانوا يستضعفونه ويمررون المشاريع من خلاله فيما وجود المقاومة أضحى سد منيع أمام مشاريع التسوية والمؤامرة على حساب لبنان.
لن نأخذ على العماد سليمان ما قاله في مؤتمر “ارضي غد واعد” فهو ايضاً له الحرية أن يقول ما يشاء ولكن لا بد من تذكير سيادته على أنه تم التأكيد على المقاومة وضرورتها حتى تحرير كامل التراب اللبناني عبر اتفاقيات الطائف والدوحة والبيانات الوزارية طيلة العقود الثلاث الماضية، فيما يسميها اليوم ب"المعادلة الخشبية"!! .
كما لا يمكن أن يكون لهذا التصعيد من قبل رئيس الجمهورية ضد المقاومة في وقت التصعيد ضدها من قبل المجموعات التكفيرية والارهابية ومن يدعمها ويمولها ويسلحها لبنانياً واقليمياً وعربياً وغربياً واسرائيلياً تفسيراً سوى انها ورقة انتساب أو استدراج عروض أو أقصى محاولاته للحصول بوعد "للتمديد" كما وعدوه الفرنسيون والسعوديون والخليجيون لذلك، أو ربما تلبية لما عبّر عنه الملك السعودي "عبد الله بن عبد العزيز" بعبارته التي قالها للرئيس سليمان: فليمنع الجيش حزب الله من القتال في سوريا!! وذلك خلال زيارة الأخير للرياض بتاريخ (11/11/2013) جاء دورها الآن .
ستة أشهر عجاف خلت على الساحة اللبنانية المتأزمة بتشكيل الحكومة التي للعماد دور أساسي في تعطيلها، والرأي العام اللبناني يقف على مساعِ حاكم بعبدا نحو تبديد الجهود الكبيرة والشريفة والمعطاة للمقاومين الشرفاء من أبناء لبنان في التصدي للعدو الصهيوني على مدى أكثر من ثلاثين عاماً وتحريرهم للاراضي اللبنانية المحتلة من عدو خافته وخسرت أمامه أقوى الجيوش العربية عبر عدة حروب وأطلقت عليه تسمية "الجيش الذي لا يقهر"، فيما دفعته المقاومة بقلة عددها وعمق أيمانها وقاعدتها الشعبية نحو الهروب من بلاد الأرز في جنح الليل الدامس حاملاً على أكتافه المذلة والخذلان والفشل والانكسار والهزيمة والخوف .
المقاومة مدار افتخار واعتزاز واقتدار ليس لبنان فحسب بل لجميع العرب والمسلمين ووعود المليارات السعودية الثلاث للعماد لن تتمكن من الاساءة اليها أو الخدش فيها وعلى كل من يسعى لذلك أن يقرأ جيداً كل حرف من حروف الكلمات التي رسمت الجمل وسطرت العبارة التي أجاب بها حزب الله على التعبيرات التي جاءت في خطاب العماد "سليمان" حول "المعادلات الخشبية" بالقول: "مع احترامنا الأكيد لمقام رئاسة الجمهورية وما يمثل فإن الخطاب الذي سمعناه يجعلنا نعتقد بأن قصر بعبدا بات يحتاج في ما تبقى من العهد الحالي الى عناية خاصة لأن ساكنه أصبح لا يميز بين الذهب والخشب".
تغيير لهجة "فخامته" ونبرته جاءت خلال الاشهر الأخيرة بعد أن وثق تحالفه مع النظام السعودي وسعى الى اللعب على الحبال من دون مهارة تُذكر بعدما اعتنق خطاب (14 ) آذار بالكامل، فاستأسدَ وركب حصان مطهّم رافعاً سيفاً خشبيّاً يهدّد فيه الناس ويطلق التصريحات والاصطلاحات الملونة الواحدة تلو الاخرى وكان مصطلح "الوصاية" قد جاء قبل "المعادلة الخشبية"، وذلك في إشارة منه لحقبة النفوذ السوري في لبنان ناسياً كل النسيان من إنه نتاج فاقع لحقبة الوصاية تلك، بعد ان لعبت الاستخبارات السوريّة بشخص "غازي كنعان" دوراً كبيراً في تسريع ترفيعه وتنصيبه قبل إقران له قائداً للجيش؛ وما كان ليصل الى ذلك ولا حتى الى الرئاسة اللبنانية من دون الوصاية تلك الراعية له؟.
وإصرار "العماد" على إدراج "اعلان بعبدا" الذي ينص على تحييد لبنان عن المحاور الاقليمية، وكأن لبنان غير محكوم عليه بما يدور في محيطه العربي والدولي وانه جزيرة عائمة لوحدها وان أمنها وأستقرارها واقتصادها مستقل ولا دخل له بما يدور من حوله؛ في البيان الوزاري إما انها رسالة يقول لمن دفعه نحو ذلك الاعلان بانني قد فعلت ما في وسعي فعله أم أنه أراد بذلك أن يسجل مثل هذا الامر في تاريخه السياسي وهو قاب قوسين أو أدنى من الخروج من قصر بعبداً؛ فاذا كان الخيار الثاني فهذا أسوأ ما اختاره "العماد" لنفسه ولتاريخه السياسي والعسكري وسيبقى التاريخ والاجيال القادمة تذكره بسوء وليس بخير .
لقد دفع فريق 14 آذار وداعميه السعودي والقطري والفرنسي الرئيس سليمان ومع كل الاسف نحو هذا التناحر والتشاجر العبثي مع المقاومة وحزب الله وهو يطوي ايامه وساعاته الأخيرة في القصر الرئاسي ليسد عليه ثغرة التمديد أو جعله بطلا قومياً كما كان غالبية رؤوساء لبنان الذين سبقوه في السيادة وسيخرج من مهمته فارغ اليدين والتوثيق السياسي الذي ربما كان سيمهد له في مكان ما مستقبلاً؛ بعدما أرادوا له أن يكون كبش فداء لانهاء المقاومة التي لا يمكن للبنان ولا دول المنطقة أن تكون أو تعيش دونها ولا للحظة واحدة في ظل السياسة التوسعية العدوانية الاسرائيلية .
ونصيحة للعماد لا بد من القول أنه لا بيان وزاري دون أن يدرج فيه بند صريح وشفاف حول المقاومة وهذا أمر مسلم لا جدال ولا مساومة فيه كما قال الرئيس بري، وإلا سوف لن تكون للبنان حكومة ولن تنال وزارته الثقة من نواب الشعب بتاتاً كون أن البيان الوزاري هو صورة عما ستكون عليه الحكومة اللبنانية القادمة وما ستفعله مستقبلاً وآنذاك سيكون البيان الأصدق والمطابق للواقع على الأرض لأن قوة لبنان كامنة في "المقاومة" وقوتها وشعبها والجيش الذي يقف الى جانبها؛ وإلا فان الحكومة الجديدة لن ترى النور وسيبقى الخيار نحو "حكومة تصريف أعمال" اذا ما أصر الرئيس وفريق (14) آذار على ثلاثيتهم "الخشبية" القائمة على وعود سعودية قيمتها ثلاثة مليارات دولار هي حبر على ورق كما هي الوعود الاميركية المشابه لتقوية الجيش اللبناني .
مقالات اخرى للكاتب