وجود الهيئات المستقلة في كيان الدولة العراقية يحمل اثرا ايجابيا في مضمون اختصاصها القانوني والانساني والاقتصادي والقيمي؛ فمفوضية النزاهة والبنك المركزي العراقي وديوان الرقابة المالية والمفوضية العليا لحقوق الانسان وهيئة المسائلة والعدالة والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات وهيئة الاعلام والاتصالات ودواوين الاوقاف وغيرها مما سيرى النور قريبا مثل مجلس الخدمة الاتحادي والهيئة العامة لشؤون المحافظات غير المنتظمة باقليم والهيئة العامة لمراقبة الواردات الاتحادية وغيرها الكثير من الهيئات؛ التي وضع اسسها الدستور العراقي لعام ٢٠٠٥ ضمن احكام الفصل الرابع الخاص بالهيئات المستقلة.
لكن بعد مرور عشر سنوات واكثر؛ على ظهور هذه الهيئات ومنحها الصفة الدستورية ، يوضع الكثير من علامات الاستفهام حول عملها واثره على الدولة والمجتمع ، وبالشكل التالي:
- انتشار الفساد واستفحاله في مؤسسات الدولة والقطاع العام وعجز الهيئة ذات الاختصاص او تراخيها عن تقديم الاشخاص الحقيقيين المسؤولين عن ذلك.
- تقلب العملة المحلية امام الدولار ولاكثر من مرة ، وفشل السياسة النقدية في تحقيق الاستقرار الاقتصادي وتوفير اجواء الاستثمار الآمن ، بل وفشلها مؤخرا في توفير رواتب الموظفين.
- تدهور في حقوق الانسان ورصد ذلك من قبل المؤسسات والمنظمات الدولية ببيانات رسمية دون امكانية الهيئة ذات العلاقة من الرد على تلك المزاعم او توثيق تلك الانتهاكات.
- سيادة التخبط في عمل الاعلام نتيجة قرارات متكررة بمنع مرة وسماح اخرى لقنوات فضائية محلية وعربية بالعمل داخل البلاد ، بما اضر بحرية الرأي والتعبير المكفولة دستوريا ، واضر بسمعة العراق الدولية.
السؤال: لماذا تفشل الهيئات المستقلة في اداء ادوارها المرسومة والمختلفة؟ هل بسبب التنازل عن استقلاليتها لاجندات حزبية مثلا ام تأثرها بضغوط سياسية خارجية؟ وهل كانت استقلاليتها الدستورية حافزا لها لمقاومة التدخلات السياسية ام ان الساسة والسياسيين وضعوا بصمتهم عليها منذ لحظات التأسيس الاولى؟ وهل ايجاد هيئات مستقلة جديدة سيكون ذا اثر ومردود ايجابي في الاختصاصات المتنوعة ام انها ستلحق بركب سابقاتها؟
ان الاتجاه الى اعادة النظر بعمل الهيئات المستقلة اصبح يستلزم اليوم: ابعاد اداراتها عن الوكالات اولا؛ اخضاعها للرقابة البرلمانية ثانيا؛ كف التدخلات السياسية في قرارتها ثالثا؛ والزامها بشكل محدد يحول دون توسعها وترهلها رابعا؛ بما قد يعيد كفة التوازن والاستقلال في عملها التي وضعها اصلا المشرع الدستوري.
اما من يتصور بوجود هيئات مستقلة في اجواء محاصصتها والخلافات السياسية حول قراراتها والتسابق بين الكتل البرلمانية للاستئثار بصناعة القرار فيها على حساب الاخر.. فهو مخطيء تماما ، لان عمل الهيئات بتحيز بعيد عن الاستقلالية سيؤدي حتما الى استنزاف موارد البلد والاضرار بالعملية السياسية والدستورية وتحويل تلك الهيئات في المدى القريب الى دكاكين سياسية... لا رابح منها ولا وفيها.
مقالات اخرى للكاتب