هذا هو ديدن المتجبرين دوماً . غباؤهم يدل عليهم ولا فرق هنا بين إنتماءاتهم الفكرية او قناعاتهم السياسية او الدينية . أغبياء في حساباتهم سواءً إصطفوا مع أولئك الذين يتبجحون بالديمقراطية والعدالة والحكم حسب الدستور ، أو مع هؤلاء من منظري الإسلام السياسي سواءً إنتموا إلى ما يسمونه الإسلام المعتدل او المؤسساتي ، كما يرغب العثمانيون الجدد ان يطلقوه على تجربتهم في الدولة الإسلامية الحديثة . أو من منظري هذا الإسلام السياسي ممن يريدون إقتفاء آثار الأموات الذين يسمونهم السلف الصالح والذين يناجونهم طوال اللحى ويتوسلون إليهم ليحكموا هذه الأمة من قبورهم ، إذ ان أحياؤها تدور في متاهات القرن الحادي والعشرين التي لا يستوعبها غباؤها .
إنهم أغبياء مهما إختلفت درجات تعليمهم وتباينت أطوال لحاهم وتعددت احجام عماءمهم. حتى أولئك الذين بدوا للناس بلباس غير لباسهم ، ما هم إلا أغبياء يحسبون انهم بذلك يستطيعون إخفاء ما تلبست به قلوبهم من تخلف لا يخفيه لباس التمدن الذي لجأوا إليه.
إنهم أغبياء لأنهم غير قادرين على التعلم حتى من تجارب أقرانهم في الغباء الذين وقعوا فيي نفس المآزق وواجهوها بنفس الأساليب التي اثبت الواقع فشلها لدى كل منهم ، إلا ان المآزق التي تتكرر تُواجَه بنفس تلك الأساليب الفاشلة وكأن التاريخ لم يقل كلمته فيها. ولكن من حقهم ان يتصرفوا مثل هذا التصرف لأنهم لا يفقهون التاريخ ولا علم لهم بمسيرته التي تتطلب البصر والبصيرة وهم في فراغ من الإثنين .
وأصنام هذا الغباء في تاريخنا الحديث كثيرون وتشير إليهم أحداث التغيير التي حدثت في تونس وليبيا ومصر واليمن وما يجري الآن في سوريا والبحرين وما سيجري قريباً في إيران والسودان والأردن والمغرب وعلى ارض الطامة الكبرى آل سعود وآل ثاني وكل الآلات التي هي آلات طيعة فعلاً لحارسي عروشهم ومالئي كروشهم .
وقد دخل على الخط الآن غبي غير عربي ، ونحمد الله ونشكره على دخوله على هذا الخط حتى لا يقال بان مثل هذا الغباء سيبقى ماركة مسجلة للعرب فقط . وبطل الغباء الجديد هذا هو السلطان العثماني أردوغان . ولكن ما هو سر هذا الغباء ؟
إن سر هذا الغباء هو إشتراك ابطاله جميعاً بالموقف من الإحتجاجات الجماهيرية التي تنال عروشهم . فجميعهم ، وهذا ما يفعله السلطان العثماني اليوم ايضاً ، وسموا هذه الإحتجاجات الجماهيرية باشنع الأوصاف إبتدأت بالعمالة للأجنبي الذي يحركها من خارج حدود الوطن . وتكاد تكون هوية هذا الأجنبي واحدة في كل مكان سيان أكانت هذه الهبات الجماهيرية في الجماهيرية العربية لليبية الإشتراكية الديمقراطية االعظمى او في تونس أو في جمهورية مصر العربية او في اليمن أو في غيرها ، فهي لا تتعدى الهوية الصهيونية حيناً أو الصهيونية والإستعمار حيناً آخر ، وكأن الأمهات في الشعوب التي يتحكم بها أغبياؤها لم تلد أناساً يميزون بين الغث والسمين وبين الحاكم الصالح والطالح وبين الحق والباطل وبين العدالة والظلم ، فتظل مستكينة ما شاء لها الدهر ليظل حكامها يمرحون ويسرحون في قصورهم الفارهة ويتمادون في حياة البذخ والفسق والمجون ما شاء لهم القدر ليتوارثها بعدئذ الأبناء عن الآباء وليذهب المحكومون إلى حيث يشاؤون .إذن فشماعة الأجنبي هذه التي لم تنقذ الحكام من سقوطهم يوظفها اليوم ، وبكل غباء يتجاهل نتائجها لدى الآخرين ، السلطان العثماني ضد الجماهير التي خرجت إلى شوارع أنقرة واسطنبول وأزمير وغيرها من المدن والتي ستتسع مدن تواجدها في الأيام القادمة ، لتطور إحتجاجها من رفض توسع بناء الفنادق الضخمة على حساب البيئة إلى رفض لأوردغان وحزبه الذي يسير بالمجتمع التركي نحو أسلمة الدولة التي يحكمها حزب الحرية والعدالة الإسلامي التوجه .
وكما تصرف سابقوه من فصيلة الأغبياء يتصرف السلطان اوردغان بنفس ذلك التصرف الأهوج حينما يُصعِد من خطاباته التهديدية ضد المتظاهرين والتي يدعمها بالقوة العسكرية التي تنزل إلى الشوارع بما تحمله من اسلحة القمع التي تستعملها فعلاً ليسقط الضحايا من قتلى وجرحى والتي لا تؤدي سوى إلى التصعيد من جانب المتظاهرين ايضاً ، وهكذا يظل المجتمع يدور في حلقة مفرغة لا تُعرف نهايتها وقد تؤدي إلى الحرب الأهلية التي يكون الخاسر الأساسي فيها الوطن وأهله . كل ذلك يجري لأن الغباء المتشبعة به عقول وأدمغة هؤلاء السياسيين مثل اردوغان لا يفقهون النتائج التي مر بها امثالهم من الحاكمبن حينما لجأوا إلى مثل هذا الأسلوب في التعامل مع المتظاهرين .
وقد يلجأ أردوغان ايضاً : كما فعلها زملاؤه الأغبياء من قبله ، إلى الإيعاز إلى أنصاره بالخروج في مظاهرات مضادة يمكن ان يكون البلطجية قوامها الأساسي ليشيعوا الفساد والعنف ومنطق القوة على الشوارع والمدن التي ستعمها المظاهرات المطالبة برحيل اردوغان وحزبه وكل إجراءاته القمعية واساليب حكمه المتخلفة .
أو قد يلجأ أردوغان ، كسابقيه من الحكام الأغبياء ، إلى إجراء بعض الإصلاحات الهامشية التي يتصورها عقله الظامر بأنها تقود إلى الطريق الذي سيخفف من حدة الهيجان الشعبي ضده وضد حزبه الإسلامي الحاكم ، فيثبت بذلك بأنه لم يستوعب فعلاً حتى التاريخ القريب جداً ناهيك عن إستيعابه لحركة تاريخ الثورات الشعبية على النطاق الأممي . هذه الثورات التي قادتها الجماهير التي تصورها الطغاة بانها عديمة الحول والقوة تجاه جبروتهم وتجاه قوة آلتهم القمعية .
لقد اثبت التاريخ القريب والبعيد بأن مثل هذه الأساليب التي يتخذها الحكام الجبابرة واحزابهم التي يستندون إليها ، حتى وإن كانت لها قاعدة شعبية اليوم ، لا يمكن ان تؤدي إلى إستمرارية هذه القاعدة الشعبية غداً والتي ستنهار على رؤوس هؤلاء الحكام يوماً ما وإن هذا اليوم غير مستبعد الحدوث بتاتاً حتى ولو أوعز فقهاء السلاطين إلى سلاطينهم بأنهم ينعمون بالعناية الإلهية.
مقالات اخرى للكاتب