اعتقد أن العراقيين نساء ورجالا، شيوخا وأطفالا يستحقون الجنة ونعيمها، لسبب واحد لا غير لأنهم يتعرضون كل يوم للكذب والنفاق والخداع وعلى مدى سنوات طويلة، لكنهم صامدون ولم ينقرضوا، ولم يصابوا بالجنون او الاكتئاب، واعتقد ان العراقيين يتمتعون بقدرات خاصة تجعلهم برغم "ألاعيب الساسة" محتفظين بسلامتهم العقلية والنفسية.
شيء ما في جينات العراقيين يمنحهم مناعة ضد ما يسمعونه من خطب السياسيين وأحاديثهم، وما يبثونه من فيروسات، وهذا ليس مستغربا، فشعب صمد امام وصايا "القائد الضرورة " وظل محتفظا بحيويته، لن يعجز عن مواجهة مجموعة من السياسيين يتمتعون بحس كوميدي لا بأس به في كثير من الأحيان.
قبل شهر من هذا التاريخ بالتمام والكمال، وضمن فقرات السيرك السياسي الصاخب وقف النائب عن دولة القانون ياسين مجيد ليقول ان النجيفي لا يختلف عن الزرقاوي حيث ًقف في باحة البرلمان تحيط به الفضائيات من كل جانب ليعلن وبالحرف الواحد ان: "سحب الثقة عن النجيفي موضوع جدي من قبل الكتل السياسية الساعية لذلك، وهي ماضية في هذا الأمر ولا تراجع عنه لقناعتها بضرورة ذلك " ، ولم ينس مجيد آنذاك وهو يسير على الحبال ان يهتف بصوت عال:" ان هذا قرار الشعب".
ولأننا نعيش زمن الفعل و نقيضه فلا عجب حين نشاهد قدرة هؤلاء السياسيين على تغيير مواقفهم لمجرد ان المواقف الجديدة تصب في خدمة مصالحهم الشخصية حصرا، فبعد دعوة عشاء دسمه اقامها السيد عمار الحكيم جلس فيها النجيفي الى جانب المالكي تبادلوا خلالها الأحاجي والألغاز ويقال ان رئيس الوزراء فاجأ النجيفي بسؤال محير:" نبك نبكتنه احسن لو نبك نبكتكم، ضوكونة من نبك نبكتكم وانضوكم من نبك نبكتنه" ولان السؤال لا يتعلق بالوضع الأمني الذي اتهم فيه ائتلاف دولة القانون رئيس البرلمان بانه راعي الارهاب على حد قول الزعيمة حنان الفتلاوي ومن اجل ان يثبت النجيفي حسن نواياه فقد بادر "فخامته " بطرح لغز اكثر صعوبة ليختبر قدرة المالكي على حل الاحاجي حين طلب منه ان يردد وراءه: "حطبنا وحطب بيت الخطيب تخابطو مدري حطب بيت الخطيب خبط حطبنا مدري حطبنا خبط حطب بيت الخطيب " ولان الحطب انخبط، ولم نعد نعرف حطب المالكي من حطب النجيفي، ومن صاخب الغابة التي يسرح ويمزح فيها اللصوص والقتله ؟ وحتى لا نفقد موقعنا المتميز في سلم البؤس العالمي، فقد خرج علينا المالكي بـ"شحمه ولحمه" ليبتسم امام الكاميرات معلنا ان حل مسابقة حل الألغاز متواصلة وان الحكومة ستقر انتاج برنامج " عراق لغز " وسيحصل الفائز في حل لغز " ماذا يجري " على لقب مقرب من رئيس الوزراء حيث يحق له " استحمارنا" لسنوات قادمة .. ولأننا نعيش عصر " الحزورات " فقد اعلن المالكي ان اجتماعه بالنجيفي اجهظ المؤامرة الكونية ضدنا .. وان الابتسامة المشتركة أرهبت القاعدة وجعلتها تعود إلى جحورها مرعوبة مكسورة الجناح .. طبعا لم ينس ان يبشرنا ان المعركة انتهت و لم يستطع من خلالها المدعو خميس ان يخمش خشم حبش، ولا وحبش خمش خشم خميس .. ولايهم ان يكون شهر ايار الماضي الاكثر دموية في العراق .. وان تسيطر المليشيات على بغداد .. وان تخطف الناس في وضح النهار .. ماذا يعني مقتل الف مواطن خلال شهر فالبلاد ستنجب ابناء جدد يؤمنون ان رضا الله من رضا ولي الامر والنعمة الجالس على انفاس البلاد والعباد. للأسف يعتقد ساستنا المبجلون ان الديمقراطية وفرت لهم المناخ الملائم لإلقاء خطبهم المزيفه .. ونسوا ان الديمقراطية صعبة وتحتاج جهوداً شاقة ومضنية وعملاً بالليل والنهار، في زمن تخيم فيه الانتهازية والوصولية على غالبية المهتمين بالعمل السياسي.
المشكلة صعبة بالتأكيد ومعقدة، خصوصاً أننا نعيش "زمن الشطارة السياسية" وهو الزمن الذي يريد فيه معظم ساستنا ان يسحبوا البساط من أولياء الله الصالحين، فقدرة هؤلاء الساسة بارعة في شفاء المرضى وإراحة المهمومين ومناصرة المظلوم والمسكين. فقط التقطوا لهم صوره وهم يبتسمون .. ثم ضعوا المايكرفونات امامهم وسترون العجب!!
للأسف ينسى البعض أن التصدي للسياسة يعني أن تكون قادراً على صنع موقف والدفاع عنه، يعني أن تؤمن بأنه قد تأتيك ثقة الناس في لحظة لكي تقوم بدور حقيقي، لو لم تكن كذلك، فإنك تمارس الهذر، وإلا فليقل لي السيد النجيفي لماذا كان قبل اشهر يقوم بكل هذا الصخب، وما الذي جعله "يجمد" مشروع استجواب رئيس الوزراء ؟ وان يجيبنا ياسين مجيد كيف تحول النجيفي من شقيق للزرقاوي إلى احد بناة النهضة العراقية الحديثة .. هل يريدون منا أن تصدق ان كل مشاكلنا انتهت مادام رئيس البرلمان راضيا عن المالكي؟ وان رئيس الوزراء وافق ان يبتسم في وحه الكاميرات .. ولهذا فان وغياب الخدمات وهشاشة الأمن والاستبداد ونهب ثروات الشعب والمفسدين الذين اثخنوا شرايين الدولة بالجلطات، كل هذا اصبح من الماضي، وان الناس تعيش عصرها الزاهر بالخير والأمان، البعض لا يريد ان يدرك أن السياسة تقوم على الصدق والثقة والإخلاص.. ولهذا فالمطلوب من النجيفي والمالكي ومن معهم أن يرحمونا من ألعابهم الصغيرة .. خذوا فرصتكم كاملة في حل الألغاز، ولكن عليكم ان تعرفوا ان هذا الشعب ليس غنيمتكم.
مقالات اخرى للكاتب