قال الحجاج بن يوسف الثقفي لواليه على أصفهان : لقد اخترتك لمدينة حجرها كحل , وذبابها زنبور عسل , وعشبها زعفراني رائع الجمال .
يقول أهل إيران : ( أصفهان نصف جيهان أكر تبريز نبا شت ) . وتعني أصفهان نصف العالم ما لم توجد تبريز وهم هنا لا يكذبون ولا يبتعدون عن الحق فأصفهان مدينة الحضارة ومدينة الجمال وهي تحتفظ ببريقها وروعتها بطريقة ملفتة للنظر رغم حكم رجال الدين الجامد الذي يُحرم كل شيء ويُكفر الجمال والحضارة باعتبارها أصنام ورموز كفرية ليست من الدين في شيء ولكن أصفهان وعطرها باقٍ بطريقة رائعة رغم كل شيء فهي تمتلك أكثر من 6000 معلم حضاري .
الذي لفت انتباهي عند زيارتي للمدينة هو حجم الإبداع الهندسي والفن الرائع الذي يحيط بالمدينة من كل صوب , بل تصورت أن الفن والعمارة والهندسة صفة يتميز بها أهل أصفهان عن غيرهم . لذلك أتمنى على القارئ أن يتحملني ويتحمل أرائي التي قد تصيب أو قد تخطيء ولكنها على العموم وجهة نظر قد تبدو لكَ سيدي القارئ مختلفة عن اعتقاداتك السابقة وهي جديرة بالتفحص والاهتمام فخذ منها ما تشاء واترك ما تشاء . ولأني احد المهتمين بالفلسفة الماسونية ورموزها بنفس درجة اهتمامي بالعمارة والفن الهندسي اعرض لكم سادتي القراء ما تلمسته من صور ماسونية رائعة واضحة أثناء زيارتي لأصفهان الإيرانية تلك المدينة التي يخترقها نهر ( دزينده ) الذي تم إنشاء جسر ( سي وسه بل ) فوقه والتي تعني بالعربية ( جسر الثلاثة والثلاثون قنطرة ) والذي يطلق عليه أيضا جسر الله والذي تم بناءه في عام 1010 هجرية أو 1602 ميلادي في عصر الشاه عباس الصفوي رائد فن العمارة والحضارة في بلاد فارس , جسر الثلاث والثلاثين قنطرة ( si_ yo _ se ( يعتبر من ابرز المعالم الأثرية في أصفهان ( وهو واحد من 11 جسرا في مدينة أصفهان ) والذي تم تصميمه لمنع فيضان نهر دزينده وذلك عبر احتساب كمية المياه منذ أوائل كانون الأول من كل عام ولمدة 197 يوما حتى انتهاء ذوبان الثلوج في الجبال المحيطة واحتساب كمية مياه البحر لمدة 168 يوما قبل هذا التاريخ حيث وصل المصمم إلى استنتاج أساسي لمنع الفيضان واستغلال المياه بان يقسم مجرى النهر إلى ثلاثة وثلاثون سهما تساوي قيمة السهم المائية خمسة أجزاء زمنية من اليوم مما يضمن أن لا تغمر المياه الجسر . ولك سيدي القارئ أن تتصور العظمة والعلمية التي تمتع بها بناءو ذلك الزمان ولك أن تتصور الرمز الرائع للبنائين الأحرار فالدرجات الماسونية 33 درجة والفلسفة الماسونية تقول انه لتمام الاستواء والحكمة تتطلب 33 درجة أو مرحلة وان الحياة كما النهر وان الناس درجات من الأولى للثالثة والثلاثين , كما إن هناك صالة لتقديم الشاي ( استراحة ) تتوسط عوامات الجسر بالإمكان الوصول إليها من الضفة الجنوبية للجسر .
أما المَعَلم الثاني والمثير والذي نتلمس فيه رمزا ماسونيا موغلا في القدم تعتمده المحافل المختلفة في أرجاء المعمورة هو ( منارة جمجم ) أو المنارة المتحركة ( منارتين متقابلتين تتماثلان في الشكل والحجم ) والتي بُنيت في نفس الفترة وتتميز بأنه إذا قام شخص بالصعود
إلى احدهما وهز المنارة فإن الأخرى تتحرك وتهتز بنفس الدرجة , وهي هنا تشبه العمودين التي نلاحظها في أي محفل ماسوني المتماثلة في الطول والحجم والتي لكل منهما تسمية خاصة ومصمم بطريقة خاصة ومرتبط مع الآخر بطريقة رمزية لا يعرفها إلا أصحاب الدرجات العليا من الماسون , ويعزي الباحثون تحرك إحدى المنارتين عند تحريك الأخرى إلى ظاهرة ( دوبلر ) في علم الفيزياء فوجود تشابه في النمط المعماري الخاص بهاتين المنارتين جعلهما تتأثر ببعضهما البعض , فهل كان الإيرانيون بارعون في البناء والعمارة والفيزياء أم أنهم تعلموها من الماسون الأوائل كما يقول الأستاذ جوزف أبو زهرة القطب الأعظم لمحفل شرق كنعان في مقالة منشورة له على موقع المحفل الالكتروني : ( أما الماسون الذين انتقلوا إلى سوريا وأقاموا فيها , فقد شيدوا البنايات الفخمة وأتسع صيتهم حتى بلغ مسامع العائلة الساسانية في بلاد فارس فانتدبت منهم فئة لبناء المعاقل والمعابد والتماثيل على نمط جديد ناتج من امتزاج النمط الروماني واليوناني والبيزنطي ) . الملفت للانتباه أن المصمم والمنفذ لكل أعاجيب أصفهان هو الشيخ البهائي واسمه بهاء الدين محمد بن عز الدين حسين بن عبد الصمد ولد سنة 953 هجرية في مدينة بعلبك ( والتي تمثل أصل أصول حضارة البنائين الأحرار في العالم ومنطقة الشرق الأوسط والتي تحتوي أسرار البناء والبنائين من حيرام أبي المؤسس الأول لفكر الماسونية ولحد الآن ) , كما لا يفوتني أن أذكر انه الحكومة الإيرانية كرمت الشيخ البهائي بجعل يوم مولده الموافق 23 نيسان من كل عام يوما للمهندس المعماري الوطني .
الجدير بالذكر أن هناك منارات أخرى في أصفهان تضاهي هذه المنارتين وهما على سبيل المثال منارات مسجد أشترجان على بعد 40 كم غرب أصفهان والتي تعرض معظمها للدمار بسبب الإهمال .
والأعجوبة الهندسية الأخرى في أصفهان هي مسجد شاه عباس الصفوي الذي يمتلك واجهة بارتفاع 48 متر وبألوان زاهية وزخرفة أنيقة وترتفع فوقها مئذنتان إلى علو 52 متر , وللمسجد ثلاث باحات للصلاة , الأعجوبة الموجودة في المسجد تكمن تحت قبته العالية والتي تسمى قبة الصدى وقد صممت بحيث إن صوت المؤذن يتضاعف إلى 7 أضعاف من خلال تردد الصوت على زوايا الحوائط , بالإضافة إلى أن الصوت يتردد إلى 7 مرات في حال وقوف الشخص في نقطة محددة تحت القبة وهي النقطة المقابلة لذروتها , ولك أن تتصور أهمية الرقم 7 في الفلسفة الماسونية فالفضائل سبعة وأعمار المياه سبعة وقوانين النبي نوح سبعة والطواف حول الكعبة سبعة وأيام الأسبوع سبعة والشمعدان بأذرعه سبعة الذي يضاء لجهة الشرق .
الأعجوبة الأخرى الرائعة الجديرة بالذكر في مدينة أصفهان هي قصر علي قابو ( الباب العالي ) والتي تبدو من الخارج بشكل طابقين وما أن تدخل فيها حتى تكتشف أنها من سبعة طوابق ( عدنا إلى الرقم سبعة ورمزيته ) , جدران القصر مزينة بلوحات أنيقة وجميلة تعطي صورة صادقة ومعبرة عن الفن الفارسي ومعظم الرسومات تعكس صورة الحب بأبهى وأروع شكل ( العقائد الماسونية تعتمد الحب الحر كمنهج والمساواة كدستور ) , يتميز المدخل الرئيسي للقصر بزواياه ( يمين ويسار المدخل ) العاكستين للصدى حيث يمكن سماع همس الشخص في إحدى الزاويتين من شخص يقف في الزاوية الأخرى رغم المسافة بينهما ( الأعمدة
الماسونية الواحد مكمل للأخر تقابل أعمدة مدخل القصر وزواياه ) , أما أغرب وأجمل ما في القصر فهو الطابق السابع وتحديدا غرفة الموسيقى التي صممها المهندس البهائي معتمدا على مبدأ الصدى حيث حفر تجاويف في الحوائط من الجص بأشكال وأحجام وأعماق مختلفة وانحناءات في الخطوط وانفراجات في الزوايا وفق مبدأ انعكاس الصوت فكان الموسيقيون يدخلون إلى الغرفة ويعزفون الإلحان التي يفضلها شاه عباس ويخرجون ويقفلون الباب ورائهم وعندما يأتي الشاه بعد ساعات مصطحبا نساءه وعياله ويفتح الباب ويجلس حتى تبدأ الحان الموسيقيين بالظهور حيث يعيدها الصدى ويستمر الطرب والانشراح ولا تسكت الموسيقى والأغاني حتى تغلق الباب مرة أخرى وهذه أعجوبة في البناء مجهولة آلية عملها لحد الآن صممها وأنجزها بَناءٌ حُر ( أنطق الحجر بإزميله حيث قال أنطق يا حجر فنطق الحجر بأبهى وأعذب الأصوات ) .
المعالم الحضارية في أصفهان كثيرة ومليئة بالرمزية ومنها ( قصر الأربعون عمودا ( جهلستون) , الحمام العام في أصفهان الذي تسخن مياهه شمعة صغيرة استمرت بالعمل طوال 400 سنة ولولا فضول بعثة التنقيب الانكليزية لكانت موجودة لحد اللحظة , وغيرها الكثير ........) ولكننا اكتفينا بهذا القدر لتغطية الموضوع وعدم الإطالة .
مقالات اخرى للكاتب