نصت المادة 7 من الباب الأول من الدستور العراقي الدائم على (( أولا: يحظر كل كيانٍ أو نهجٍ يتبنى العنصرية أو الإرهاب أو التكفير أو التطهير الطائفي، أو يحرض أو يمهد أو يمجد أو يروج أو يبرر له، وبخاصة البعث الصدامي في العراق ورموزه، وتحت أي مسمىً كان، ولا يجوز أن يكون ذلك ضمن التعددية السياسية في العراق، وينظم ذلك بقانون. ثانياً : ـ تلتزم الدولة بمحاربة الإرهاب بجميع أشكاله، وتعمل على حماية أراضيها من أن تكون مقراً أو ممراً أو ساحةً لنشاطه)).
فيما نصت المادة 135 من الفصل الثاني على ((أولاً :ـ تواصل الهيئة الوطنية العليا لإجتثاث البعث أعمالها بوصفها هيئةً مستقلة، بالتنسيق مع السلطة القضائية والأجهزة التنفيذية في إطار القوانين المنظمة لعملها، وترتبط بمجلس النواب))
وهما نصان صريحان لا يحتملان التأويل بحظر أي نشاط لحزب البعث أو لغيره من التنظيمات والأحزاب التي تحمل أفكارا شوفينية وعنصرية، وتحرض على العنف الطائفي، وأي نص يتعارض معهما لا يمكن لأي سلطة من السلطات الثلاث التعامل معه.
ألغيت الهيئة الوطنية لإجتثاث البعث ، وحلت محلها هيئة المسألة والعدالة؛ و قرارات هذه الأخيرة إنتقائية، فشملت بقرارتها الأبرياء ومن لا يلتزم خط الحكومة ويؤدي فروض الطاعة لولي الأمر، وتستثني أولئك الذين يدينون بالولاء لولي نعمتهم الجديد
تحضر الحكومة لإصدار قانون جديد أطلقت عليه أسم ( قانون تجريم حزب البعث) وأي متتبع عندما يضع القوانين أنفة الذكر مع بعضها البعض يجد أنها تصب في مصب واحد، وهو حظر أفكار حزب البعث من الطرح في الشارع العراقي، بلاحظ أن القانون الجديد فيه خرق واضح للدستور، حيث أن المادة 2 من الباب الأول " المبادئ الأساسية" نصت على ((ب ـ لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع مبادئ الديمقراطية. ج ـ لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذا الدستور))
في الوقت الذي تنص المادة الرابعة ـ ثالثا ـ من القانون المزمع عرضه على مجلس النواب على ((حظر أي نشاط سياسي أو فكري من شأنه التشجيع أو الترويج أو التمجيد لفكر حزب البعث أو التشجيع على الإنتماء إليه)) وهو ما يتعارض وأحكام الدستور، ولا نعرف كيف يستقيم هذا النص مع النص الدستوري الذي أوردناه سابقا
من يقرأ فكر حزب البعث لا يرى فيه شيئا يستوجب حظره، كونها من باب الأفكار التي تلهب مشاعر القومية والدين لدى الناس، فأستغل قادته هذه الفكرة للترويج لأفكارهم، ثم من يقول أن حزب البعث طبق على أرض الواقع ما وعد به جمهوره الذي آمن بأفكاره؟
الوحدة التي رفعها كأول شعاراته وضعها تحت قدميه عندما إحتل الكويت وعاث بها فسادا وترويعا، والحرية التي وعد بها الشعب العربي من المحيط الى الخليج، أصبحت سجنا لأفكار القائد الضرورة " والكثير يتذكر القائد الملهم وهو يطل علينا بطلتعه البهية على شاشات تلفزيون القناة 9 و7 لساعات عديدة لنستمع الى خطبه النارية، ودائما يذكر أباءنا كيف كانوا يرسلون أولادهم الى المدارس حفاة"، أما الإشتراكية، كانت حكرا لأولاده وإخوانه وأولاد عمومته وأقاربه من الدرجة العاشرة!! وبقية الشعب ينتظرون الفتات التي يتفضل بها هؤلاء عليهم
إن حزب البعث وأفكاره هي التي جرت الويلات على الأمة العربية، وزادت من الفرقة التي زرعها الإستعمار البريطاني والفرنسي والإيطالي بين العرب أنفسهم، وأوجدت هذا التفاوت بين أبناء المجتمع الواحد. ليس بيننا من يكره أن يكون الناس يدا واحدة، فديننا الحنيف يحض على الوحدة، وسبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز ((وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)) آل عمران 103، والقرآن الكريم يحض على الحرية ((أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)) يونس 99، أما الإشتراكية، (( قبل البعثة المحمدية كان سكان شبه الجزيرة العربية يعانون من التفاوت الطبقي الكبير، حيث قلة من الناس تستحوذ على خيرات كثيرة وأغلبية فقيرة، والتفتت العشائري والصراع المسلح الدائم من اجل البقاء والاستئثار بالثروات وسبل العيش. وعلى حد تعبير القرآن الكريم كان العرب على شفا حفرة من النار فأنقذهم تعالى منها (راجع الآية 103 من سورة آل عمران). أما بعد البعثة المحمدية المباركة، تحول العرب من أمة فقيرة متشرذمة وخاضعة لنفوذ الإمبراطوريات أو الأمم المجاورة إلى أمة موحدة قوية متحررة من النفوذ الأجنبي.
إن المشكلة الأساسية بيننا وبين حزب البعث، تتمثل في الجرائم التي إرتكبها بحقنا، وهدره لثروات العراق طيلة مدة حكمه التي جاوزت 30 عاما على الحروب، وهدر الطاقات المادية والبشرية التي كانت موجودة وهاجرت الى بلاد الله الواسعة (الأف من الأطباء والمهندسين والعلماء والكفاءات العلمية في مختلف المجالات هاجرت بسبب تعسف النظام البعثي) وزج البلد في حروب لا طائل منها، والتغني ليلا ونهارا بالقائد الأوحد، وهدره لمليارات من الدولارات بمقدورها تنمية الإقتصاد الوطني، وتحسين الوضع البيئي (كان بإمكان صدام حسين، إنشاء حزام أخضر في المنطقة الغربية من العراق، لتحسين المناخ ويدفع عن الكثير من أبناء المنطقة الغربية الأتربة والرمال بدلا من معاناة 4 من 10 أشخاص لأعراض الربو في تلك المناطق، والإصابة بأمراض أخرى، عدا عن تجفيفه لأهوار الجنوب) وعمليات التطهير التي مارسها ضد الأكراد وعمليات الأنفال التي أودت بالأف من أبناء شعبنا الكوردي.
يتضح من هذا أن نظام القمع الصدامي لم يكن عادلا مع شعبه إلا في شيء واحد، لقد كان عادلا في توزيع ظلمه على أبناء شعبه
لسنا بحاجة لسن قانون جديد، من الممكن أن يسيء أحد تطبيقه، بالإضافة الى الإنتقائية في تطبيقه على خصوم الحكومة، مثلما هو حاصل الأن في تطبيق قانون " إجتثاث البعث" إنه ليس أكثر من دعاية إنتخابية لمن يروج له، قد ترتد عليه سلبا في الإنتخابات البرلمانية القادمة.