مقدمة
==========
لاشك ان الاجهزة الاستخبارية من اكثر الاجهزة المتشككة في العالم , لذا تجد نفسها في حالة حرب مستمرة , ومن هنا فهي تعتمد في مقياس نجاحها على مقدار المعلومات التي تمتلكها عن كل مايثير شكوكها .
لقد غيرت التكنلوجيا الكثير من المفاهيم واساليب الحياة , فلم يعد هنالك معنى لمنع التصوير امام القصر الجمهوري , مادام هنالك اقمار صناعية تستطيع ان تلتقط صورة القصر واقبيته من ارتفاعات شاهقة وبدقة عالية , وبات ارسال رسالة عبر الاثير من دون ورقة ولاحبر امر بالغ السهولة خلال ثوان قليلة لايتمكن اي جهاز استخباري من مجاراته والتجسس عليه بابريق بخار لفتح ضرف رسالة ورقية .
ومع التطور التكنولوجي الهائل الذي بات سمة العصر وتضاعف النشاط الانساني والحكومي في مجال المحادثات والتخزين الالكتروني واستخدام الاثير , زادت التحديات الاستخبارية, وباتت الحاجة ماسة في دوائر الاستخبارات الى خلاصة التقدم التقني في العالم , لان العمل المخابراتي هو عمل الاستشعار المتقدم لاية دولة , فلابد ان تكون قمة التقنيات بمتناول يديه دوماً . ==============
تخلف اعقبه تخلف
==============
بطبيعة الامر فان احد اهم مجالات الاستخبارات الفنية هي الحرب الالكترونية , وهو من اكبر وادق مصاديقها , وللتدليل على التخلف الفني الاستخباري الذي ورثناه من نظام صدام هو مانشرته مجلة (American scientist)، حيث تقول: لقد كانت مفاجأة نجاح حرب المعلومات خلال حرب الخليج الثانية التي جربت فيها أمريكا وحلفاؤها تقنيات متطورة ومذهلة أول مرة، وكانت مذهلة حتى لأولئك العلماء الذين كانوا يرصدون ويراقبون انجازاتهم العلمية، فخلال تلك الحرب ادركت قيادة قوات التحالف المزايا العظيمة والنتائج الملموسة لخوض حرب تعرف انت خلالها كل شيء عن عدوك من مصادر الاستطلاع البصري والالكتروني والحاسبات الذكية، وهو جاهل عما يدور حوله ويدبر ضده، اذ كانت طائرات التحالف تكشف انطلاق الصواريخ العراقية منذ اشعال محركاتها وتعطي الانذار لبطاريات الصواريخ المضادة، وتزود المقاتلات القاصفة بالمعلومات الدقيقة من منصات الاطلاق لتدميرها.
أما على الارض فقد كانت الجيوش تتحرك على جبهات عريضة تأسيساً على معلومات الحاسبات الالكترونية الواردة الى غرفة العمليات، بينما العراقي المعروف بقدراته القتالية العالية متخندق في مواقع لا يحس ولا يدري عن تحركاتهم حتى عندما قامت أكثر من ألف طائرة عمودية بنقل آلاف الجنود ومئات الآليات الى داخل الاراضي العراقية لم تعلم القوات العراقية المنسحبة بالالتفاف الذي نفذ بسرعة وسرية تامة.
لقد قال صدام في احد لقاءاته الشهيره مع احد المراسلين الاجانب بعد احتلال الكويت : ان الامريكان يكذبون كثيرا ويقولون لديهم طائرة ( يقصد طائرة الشبح ) لا يمكن مشاهدتها في الجو ,وكان يتسائل كيف لا يمكن مشاهدة اي جسم طائره بالعين؟ الامر الذي اثار استغراب المراسل من قله معلومات الرئيس العراقي فقال له : ليس المقصود العين البشرية انهم يقصدون انه لايمكن مشاهدتها على صفحات الرادار ....!! ,
وبعد سقوط نظام صدام (الذي تبين انه كان يعتمد على اساليب بالية وبدائية في مجال الاستخبارات الفنية) , دخلت التكنلوجيا بشكل سريع وواسع الى المجتمع العراقي لاسيما في مجال الاتصالات دون ان تفكر الحكومات المتلاحقة بالكوابح والمصدات الكفيلة بالاحتواء والسيطرة على هذا الكم الهائل من الاتصالات الذي هو بلا شك سلاح ذو حدين .
وقد اعتمدت اجهزتنا الاستخبارية على الدعم الفني الجاهز والمقنن المقدم من القوات الامريكية دون التفكير للوصول الى امتلاك هذه التكنلوجيا واستخدامها بشكل مستقل ,وبعد خروج الاحتلال والتدفق الهائل المستمر في انواع وسائل الاتصال تبين العجز وتوضحت المشكلة ولكن دون جدوى حتى الان .
وبدلاً من توجه الحكومة الى كسب التكنلوجيا وتزويد الاجهزة الاستخبارية باحدث انواع المنظومات الحديثة من خلال برنامج مدروس وضمن خطة تطوير عامة وشاملة,لاسيما مع نزوع الارهاب في العراق الى استهداف العاصمة ومراكز المدن , فان الحلول الحكومية كانت متخلفة بالكتل الكونكريتية والحراس على المساجد والمدارس والجسور والدوائر , ولم تلتفت اجهزتنا الاستخبارية الى الحلول التكنلوجية التي كان بالامكان توافرها بعدد من المليارات تستطيع معها ان تمنع الجريمة الارهابية وتحد من نشاطها بواسطة الكاميرات الذكية واجهزة التعقب وخرق اتصالات الارهابيين تقنياً .فوجود 14 مليون شريحة اتصال و4 ملايين اشتراك انترنيت وحصول العراق على الرتبة الثالثة عربياً لاستخدام مواقع التواصل بالاضافة لمليون ونصف خط ارضي تعني عالما واسعا وبحرا من شبكات التواصل التي يجب مراقبتها وتتبعها والبحث فيها , باساليب تكنلوجية تستوعب هذا الكم , اذ لايمكن ان تبقى اتصالاتنا بلا بوابات مراقبة بين داخل وخارج العراق.
وللاسف لازالت الاجهزة الاستخبارية تستعين بشركات الاتصالات نفسها لمعرفة وتشخيص اسم وعنوان صاحب الاتصال اومكان اتصاله, بل اننا عجزنا عن قطع الاتصال في مكان محدود ومحصور ومسيطر عليه ( السجون ) وهي عمليه بسيطه وسهله وغير مكلفة.
فإلى الان نحن نفتقد الى كاميرات المراقبة و الكاميرات الذكية و اجهزة التنصت والتشويش واجهزه الاختراق والتحصين ومنظومات مراقبة مدخلات ومخرجات اجهزة الاتصالات والانترنت واجهزة تحديد المواقع و الاستمكان و التشفير و التسجيل و التصوير وكشف المتفجرات و الصور الرقمية و قطع الاتصال والرادار والطائرات بدون طيار .
وبلاشك , فان العمل الاستخباري والامني مع وجود هذا النقص التكنولوجي الهائل , يكون عملاً في منتهى الصعوبة والبدائية والتردي , ولاينفع معه وصول عدد منتسبي اجهزة الاستخبارات الى قرابة ال 75 ألف منتسب.ان عدد منتسبي جهاز ال CIA لايتعدى ال 14 الف منتسب وهو يعمل بالتجسس على كل دول العالم , وهو معيار لتأثير استخدام الجهد الاستخباري الفني وتعويضه للجهد البشري , فلو كان هذا الجهاز لايعتمد التكنلوجيا لكان العدد 500الف منتسب ويزيد , كلما تقدمت التكنلوجيا تقلص الاعتماد على العنصر البشري وتقلص تجنيد المصادر واقتصر على المراكز المهمة فقط.
فالدول الكبرى اصبحت لا تحتاج مصادر في الدول والجيوش الاخرى لانها تستخدم التكنلوجيا بالمراقبة والاطلاع على معلومات الجيوش والدول والمؤسسات الاستخبارية, وتبرز الحاجة للمصادر فقط قرب القادة الارهابيين , لان التنظيمات الارهابية في سلم القيادة لا تستخدم التكنلوجيا وتحذر منها , عدا بعض الاستثناءات البارزة ,كما هو الحال في قصه اسامة بن لادن فهو لا يستخدم التكنلوجيا ولكن خطأ واحد من سائقه الكويتي ادى الى ان ترصده التكنلوحيا ويقتل وكذلك الحال في قتل الزرقاوي وابو عمر البغدادي. =============
الارهاب والتكنلوجيا
=============
لقد تمرست التنظيمات الارهابية في مجال التكنلوجيا الاستخبارية وتنبهت الى خطورتها عليها في ذات الوقت .
فقد اهتمت داعش باستقدام متطوعين هكرز وممن لديهم هوايات في مجال الاتصالات , واستخدمت تقنيات التواصل الاجتماعي في التجنيد , كما نبهت افرادها الى طرق استمكانهم بواسطة اجهزة الاتصال الخاصة بهم , فكانت تسيطر على اتصالات افرادها وعلى استخدامهم للانترنت , ونكاد نجزم انها قد افادت من عناصرها المتخصصين لاختراق معلوماتنا الاستخبارية والحكومية , ووصل الامر بداعش الى الحكم بالاعدام في حال تأكدها من اي اتصال بين احد افرادها والعدو , وهي مفارقة مؤلمة ان تحرص تنظيمات ارهابية عصابية على امنها , فيما لاتتم محاسبة مسؤولين وجدت الدولة مايثبت اتصالاتهم بعزت الدوري والزرقاوي .
==============
ملاحظات هيكلية
==============
وهنالك اسلوبان في العالم للعمل الفني الاستخباري , فبعض الدول تنشيء جهاز استخباري فني تخصصي يكون بخدمة كافة الدوائر الاستخبارية والامنية كما هو الحال بوكالة الامن القومي في امريكا , بينما تعمد اغلب الدول على توزيع التقنيات الاستخبارية حسب حاجة الاجهزه الاستخبارية وتنشيء في كل جهاز استخباري قسماً فنياً مهمته تقتصر على الدعم التقني الفني للجهاز المعني .
وفي الحالتين تتلخص اعمال القسم الفني او الجهاز الاستخباري الفني الشامل بكافة اعمال المراقبة والتنصت واستراق السمع والتشويش والطائرات بدون طيار وطائرات الانذار المبكر واعتراض الاشارات .. ومراقبة الانترنيت و الاتصالات و الاقمار الصناعية و الترددات و انواع البث , وكذا القيام بادوار هجومية ودفاعية الغرض منها استخلاص المعلومات وتزويد اجهزة الاستخبارات بأية خدمات فنية مطلوبة, وهذا مانعنيه بالاستخبارات الفنية او التقنية او استخبارات الاشارة .
ويفترض بالاستخبارات الفنية ان تحوي على الاقسام التالية كي تقوم بعملها , والاقسام هي :
1- الاستخبارات الاستشعارية (او قياسية )وهي تختص بالرادارات
2- استخبارات الاشارة, وهي تختص بالانترنيت والبث التلفزيوني والاذاعي والتنصت .
3- الاستخبارات الالكترونية وهي مختصة بالاقمار الصناعية
4- الاستخبارات الرقمية وهي تختص بالصور الجوية والجغرافية والكاميرات
5- الاستخبارات الاعتراضية وهي تختص بالتخريب والتشويش وقطع الاتصالات
6- استخبارات النظم وهي تختص بخرق الحواسيب والهكرز
ولاتقف الاستخبارات الفنية عند هذا الحد , اذ تتعداه حتماً الى كافة الجوانب الاحصائية ودراسة المخاطر وتاسيس مراكز لجمع البيانات وقراءة الاحتمالات والفرضيات والمخاطر وايضا تم ادخال الاستنتاجات الى الحواسيب ناهيك عن استخدام برامجيات محددة تقوم بدور التحليل الاستخباري للمعلومات والتقارير.
وبلا شك فان العمل الفني التقني الاستخباري ينقسم بطبيعة الحال الى عمل دفاعي ووقائي وهجومي , فهو هجومي بمراقبة العدو واختراقه وكشف خططه والتشويش عليه , وهو دفاعي بمنع العدو من التجسس التكنلوجي ومنع خرق نظمنا التقنية والحد من حركته والايقاع به , وهو وقائي في امكانية السيطرة على الاتصالات ومواقع الانترنت . =========
خلاصة
=========
الاستخبارات الفنية هي معيار التطور في الاجهزة الامنية , وتمتاز التكنلوجيا بصفات نفتقدها في كل اجهزتنا الحكومية , فهي لا تكذب ولا ترتشي ولا تنام ولا تساوم ولا تفرق ولا تتكاسل ولا تكون طائفية.. فهي السلاح الافضل الذي كان يجب ان نتسلح به امام الارهاب , والعراق كان ولايزال بحاجة الى 5 مليار دولار (بضمنها العمولات والرشاوي!!!) ليمتلك منظومة كبيرة وناجحة في مجالي الامن والاستخبار والتي يفتقد لها بالكامل , ولكن للاسف صرفنا انهار من الدماء لمئات الوف العراقيين خسرنا حياتهم وطاقاتهم , وكانت كلفة مراسم دفنهم كافية لحماية مدن العراق من الاعمال الارهابية .
فسمة العالم هي التكنلوجيا , ومن المعيب ان تدخل التقنيات في كافة مجالات الترفيه , فيما لاتزال الاجهزة التي تحقن دماء الابرياء بدائية ومتخلفة , فيما لازلنا نداري نقص التقنيات لدينا بزيادة اعداد افراد اجهزتنا الاستخبارية التي وصلت (مكتبياً ) الى قرابة خمسة اضعاف افراد ال CIA, والله الموفق
مقالات اخرى للكاتب