ماذا لو أن مؤشرات من قبيل إغلاق سفارة واشنطن في العراق، وحركة ملاحية غير مسبوقة من مطار بغداد إلى الخارج، وتطويق المنطقة الخضراء، وتغييرات في قيادة الأمن، تشير إلى أن النظام في العراق، أقل من أن يخافه متظاهرون شباب في ساحة التحرير؟
وبينما ينشغل الجميع في تحليل المعلومات الأمنية، وتجميع قطع صورة الفاجعة العراقية، يسقط الاستقرار الهش كأي كذبة، ويتحول الأمن إلى كابوس قاتل. كان مريعاً أن يقارن المرء رد فعل مكتب المالكي العسكري بعد واقعة أبو غريب، وما فعله حين تظاهر عشرات الشباب للمطالبة بالأمن. كان "التحرير" مليئاً بالأشاوس. أراهم، وأتذكر سيل المعلومات التي صوّرت الطوق الأمني الذي سقط في أقل من ساعة أمام جدار سجن بغداد.
لكن، في بحر 48 ساعة، تداول العراقيون أنباءً وقصصاً عن انهيار العراق. ثمة سرد هائل وموجع عن الكارثة:
الميليشيات تخطط لإعادة سيطرتها على بغداد. تتقطع المدن من جديد، وترسم المربعات السكانية على رسم طائفي. أما المالكي فيحصل على فرصة ذهبية، ويعلن حالة الطوارئ. يعطل الدستور، ويطبق الاحكام العرفية. أما تنظيم "القاعدة" فيخطط، بعد غزوة أبو غريب وتحرير رجاله، إلى إسقاط بغداد بموجة مخيفة من التفجيرات.
وبين هذا وذاك، ثمة احتمالات عن قرار حكومي بإلغاء رخص جميع الأحزاب العراقية. وأن تتكفل سوات باعتقال الصحفيين والناشطين المدنيين، وأخيراً إغلاق البرلمان بالشمع الأحمر، وتحويل مجلس القضاء إلى محكمة خاصة لـ"الثورة" العراقية الجديدة.
هكذا يعلن العراقيون، دائماً، فقدان الأمل بالنظام. هم لا يعرفون كيف هو النظام. كيف شكله ولونه. وهل يمكن لهم الشعور بأن للنظام تأثيرا في حياتهم. هم يملكون مبررات لا تحصى في خيبتهم هذه. وفي المقابل يمكن لهم أن يصنعوا أنظمة أصغر تتحكم في حياتهم؛ العشيرة والمرجعية الدينية أكثر سطوة وأهمية من النظام.. اللانظام.
لكن بعض ما يصنعه العراقيون من سرد بشأن سقوط أمنهم الاجتماعي ليس من فراغ. بعض من حكايات الناس عن التدهور تتمثل في كل مكان. وهنا بمقدور أي منا السؤال: هذا حصاد 10 سنوات من الكذب والفساد؟ أليس كذلك؟
هذا اللانظام، وحالة الفجيعة المتحفزة المنتظرة دوماً، خلاصة ما كنا جميعاً نجتره أدباً سياسياً فاشلاً في "العملية" السياسية. قل إنها "عملية" سطو. عملية نصب واحتيال.
لم يحدث في عشر سنوات أي شيء. تخيل إنك في اللحظة الصفرية ذاتها، وأي تقدم سياسي وأمني يقود إلى "درجة سالب".
كان وقتاً متاحاً ليقوم الجميع بتصفية التاريخ. والكارثة الآن: تصفية التاريخ العراقي تحتاج، لسبب أو لآخر، إلى دورة عنف جديدة.
"ساعة صفر جديدة تكفي للتخلص من المأزق العراقي الراهن".. وجهة نظر من قلب اللانظام...
مقالات اخرى للكاتب