الإنسان كغيره من المخلوقات يتدرج في مراحل الحياة العمرية بإرادته أم غصبا عليه طفولة وشباب ثم شيخوخة مراحل حياتية طبيعية جدا يمر منها كل إنسان رجل كان أم امرأة . فالطفولة تعني ضعف و عناية ممن هم أكبر منا سنا "الأبوين " وكذلك هي بداية التعرف على كل الأشياء من حولنا من خلال البيت والمدرسة ثم يبدأ الاحتكاك بالعالم الخارجي شيئا فشيئا بعد ذلك تأتي مرحلة الشباب و هي أهم مرحلة في حياة الإنسان فهي القوة والنضج الفكري ومعرفة العالم الخارجي و إبداء الرأي و تحمل مسئولية اختيار الأشياء المتعلقة بحياتنا المعاشية والمستقبلية في الدراسة والعمل .
فمرحلة الشباب كلها اندفاع وعطاء وطموح و محاربة المستحيل لتحقيق الذات للمضي قدما نحو مستقبل جيد لكن بعد هذه المرحلة الخصبة المشرقة و التواقة لتحقيق الأحلام و النجاح على أرض الواقع تأتي مرحلة أخرى لا نختارها بإرادتنا نحن ولكنها تأتي تلقائيا حسب قانون الحياة ألا وهي مرحلة ما بعد الشباب ممكن أن نسميها مرحلة الشيخوخة و هي كذلك ، و هي مرحلة نحس فيها بالضعف و العجز نوعا ما و بتقدم السن كأن يناديك أحدهم " يا شيخ " أو يا حاج " احتراما لسنك و شيبتك كما في هذه المرحلة الحاسمة و الطبيعية يحال المرء إلى التقاعد و ما أدراك ما التقاعد و ما يحس به الشخص من تهميش و استغناء عن خدماته حتى و لو كان قادرا على العطاء ، القانون يشمله ويشمل غيره ممن هم في سن التقاعد . يقول أحد المتقاعدين بعد أن تعب من النوم والجلوس بالمقاهي و لعب الشطرنج و فك الكلمات المتقاطعة يقول بألم ( بعد أن كنت شعلة من العطاء و النشاط والإنتاج كرهت نفسي لكوني أ حس بأنني عالة على منهم حولي و كرهت كل من يسألني عن حالتي بعد التقاعد ، فأقول التقاعد اسمه الحقيقي "مت قاعد "و يعني بها "مت و أنت قاعد " و يعقب قائلا من يعارض هذه التسمية فليسألني لماذا قلت هذا ،قلته لأنني كنت إذا حضرت أقدر و إذا غبت أنتظر، أما الآن أصبحت محال على المعاش حتى في حياتي اليومية كأن يقول أحدهم لا تزعجوه رجل كبير فهذه الكلمة بحد ذاتها كفيلة بانزعاجي و بتحسيسي بالضعف و التهميش و العجز. لا يأخي المتقاعد وأختي المتقاعدة أنت تتعب نفسك بهذا الإحساس و الشعور المحبط فلماذا ترهق نفسك بهذه الأفكار المزعجة التي تؤرقك و تشوش فكرك فأنت قضيت زهرة شبابك في العمل و خدمة مجتمعك فأديت الواجب و جاء الوقت لتستريح وتترك مكانك لغيرك كما استلمته أنت من قبل من رجل محال على التقاعد ( المعاش) ، جاء الوقت لتهدأ بعد شعلة من الحركة و العطاء لتسافر بدون مراعاة و احتساب الوقت و لتحج إلى بيت الله الحرام بكل طمأنينة و هدوء و لتنعم بالتواجد مع أبنائك و بناتك وأحفادك و تتمتع بوقتك و تظفر بابتسامة صادقة من أهلك و ذويك بعد عمل سنين و نظرة ود جميلة اعتراف بما قدمته لهم من عطاء غير مشروط ، أخي المتقاعد قانون الكون جميل ينطبق على جميع المخلوقات و الشاطر هو الذي يتمتع بكل مرحلة و يتقبلها برحابة صدر لأنه لكل مرحلة ايجابيتها وسلبياتها فلنتمتع بالايجابيات و لنترك السلبيات لأننا لا نجني من ورائها إلا الضجر و الانزعاج ، إذن لنأخذ موضوع التقاعد برحابة صدر مثله مثل أي قرار في الحياة لأن المتقاعد أدى الرسالة بالعمل سنين من عمره و حان الوقت لكي ينعم بالهدوء وراحة البال .
مقالات اخرى للكاتب