السياسة الإعلامية في التاريخ
كيف حدث هذا الاختلاف في التاريخ ..؟ وهل يصدق الشيعة إن السبب الأول في هذه الكتابات هو معاوية بن أبي سفيان , ومن قبله الذين منعوا كتابة الحديث النبوي الشريف , الذين قالوا حسبنا كتاب الله , وتمزقت الأمة من تلك السياسة ..( )..وما هي خلاصة خطة معاوية:
استهدف معاوية من انقلابه أساساً أمرين اثنين::
الأمر الأول: دمج موقع الإمامة الدينية في موقع الحاكمية ليصبح حاكما له سلطة تشريعية كالتي برز بها عمر في خلافته حين كان ينهى عن كثير من سنن النبي{ص} فيطاع ، ثم أراد معاوية أن يضمن استمرار الخلافة بهذه الصفة لولده يزيد وذريته.
الأمر الثاني: محو الذكر الطيب والموقع الهدايتي الخاص الذي منحه الله ورسوله لعلي ولأهل بيته المعصومين (عليهم السلام) من بعده , بغضا وحقدا ولكونه يتعارض مع هدفه الأول.
وكانت أمامه ثلاث عقبات لتحقيق ذلك وهي:
1. وجود الحسن {ع} ..وقد برزته سنوات الصلح مصلحا رسالياً بمستوى جده النبي{ص} بما أعاد لذاكرة المسلمين من تشابه بين صلحه وصلح الحديبية من جهات عديدة مر ذكرها. وبما أخبر النبي من حدث الصلح، وبما ظهر من مكنون أخلاق الحسن{ع} وسيرته من خلال معاشرته للناس في موسم الحج للسنوات العشر ماشيا وفي غير موسم الحج وقبل ذلك بما انتشر من أحاديث النبي{ص} فيه وفي أخيه الحسين(عليهما السلام). هذا مضافا إلى إن احد بنود الصلح ينص على إن الأمر للحسن {ع} بعد موت معاوية فإن حدث بالحسن {ع} فإن الأمر للحسين {ع} وليس لمعاوية أن يعهد لأحد من بعده.وهذه عمل عليها معاوية كثيرا بالقتل والرشوة والتهديد وغيرها ...
2. الكوفة بوصفها مركز شيعة علي {ع} بوصفها مركز الثقل في أهل العقد والحل الذين بايعوا الحسن {ع} بيعة مشروعة قامت على إيمانهم بالنص .
3. انتشار الأحاديث النبوية في فضل علي وأهل بيته {ع}الأحاديث هي العمود الفقري للعقيدة الإسلامية , لا بد أن يغيرها معاوية لصالحه, هناك أحاديث نبوية , تذم معاوية وبني أمية هنا لعب معاوية دورا خطيرا في رسم الإعلام الإسلامي , لأنه في الشام مركز شيعته فضلا عن مناطق أخرى , ومن جانب آخر انتشار أخبار سيرة النبي {ص} وسيرة أمير المؤمنين {ع} الشخصية . كانت سيرتهما في الحكم والحروب والسلام والقضاء والعطاء والعدالة الاجتماعية ,سيرة واحدة ونور واحد (علي مني وأنا منه) وعلي عليه السلام يقول : (أنا من رسول الله كالضوء من الضوء وكالذراع من العضد) يقابلها انتشار سيرة الخلفاء الثلاثة في الحكم , منها (متعتان على عهد رسول الله وأنا احرمهما).فكانت إجراءات معاوية التي اتخذها لتحقيق هدفه الآتي الذكر كما يلي:
الإجراء الأول: التخلص من الحسن (عليه السلام) بدس السم إليه عن طريق زوجته جعده بنت الأشعث , وكذلك التخلص من بعض الشخصيات التي تشكل عقبة كعبد الرحمن بن خالد بن الوليد في الشام وسعد بن أبي وقاص في المدينة.
الإجراء الثاني: لعن علي{ع} وسبه على منابر المسلمين بعد صلاة الجمعة، لتربية الناشئة عليه.
الإجراء الثالث: تغيير نظام التعبئة من الأسباع إلى الأرباع، وتغيير الكثافة السكانية الشيعية بتسيير خمسين ألف من أهل الكوفة والبصرة بعيالهم إلى خراسان وإشغالهم بالغزو.
الإجراء الرابع: قتل حجر وأصحابه بتلفيق التهم عليهم بأنهم خلعوا معاوية وخرجوا على واليه في الكوفة زياد بن أبيه ..
الإجراء الخامس: تصفية الشيعة في الكوفة من خلال عرض الناس على البراءة من علي{ع} ولعنه وقتل من يأبى ذلك وإسقاط اسم المتهم بحب علي وأبناءه عليهم السلام من ديوان العطاء، واعتماد الحمراء وهم الفرس , ليكونوا شرطة بدلا من أهل القبائل.
الإجراء السادس: المنع من نشر أحاديث النبي {ص} في فضل علي وأهل بيته (عليهم السلام)، وكل حديث فيه ذم لبني أمية، وحث الطامعين في الدنيا في الكذب على النبي {ص} ووضع أحاديث تمدح بني أمية وغيرهم وتطعن في علي وأهل بيته (عليهم السلام)، وكذلك وضع أحاديث تنزل من شخصية الرسول لتجعله بمستوى الإنسان الذي تصدر منه الأخطاء الفاضحة.
الإجراء السابع: أطلاق صفة خليفة الله (الخاصة بالمعصومين من الأنبياء وأوصيائهم) على الحاكم الأموي،وعلى الطلقاء . ووضع الأحاديث الكاذبة في السكوت على الظلم والجور، وتحريف الوصية الخاصة بالأوصياء واستبدالها بولاية العهد وإلغاء دور الكتاب والسنة في تشخيص من له حق الحكم، ومصادرة دور الأمة في ممارسة البيعة لمن نص عليه الكتاب والسنة.
الإجراء الثامن: تولية العهد لولده يزيد المعروف بفسقه وفجوره واخذ البيعة من الأمة له قهرا .
ما هي ردة الفعل على معاوية .؟
ليس من المعقول أن تمر هذه الأعمال على الأمة مرور الكرام .. وليس من المعقول ان تمر دون ان تنشق الأمة, ويتحول المسلمون إلى أعداء يقتل ويكفر بعضهم بعضا ..
فترة حكم معاوية عشرين سنة، كانت السنوات العشر الأولى منها في حياة الإمام الحسن{ع} كان معاوية فيها مجبورا على العودة بأهل الشام إلى جسم الأمة والتقيد بالشروط التي اشترطها للحسن{ع} ، وبسبب ذلك لم يروِّع معاوية أي شيعي في السنوات الأولى ,كان يكرم وجوه الشيعة ويتحمل صراحتهم ويظهر التودد والترحم على علي {ع} في المجالس العامة كما في قصة ضرار وغيره، وليس من شك انه كان يستبطن غير ذلك.{ }...
أما السنوات التالية , خاصة بعد وفاة الحسن{ع} ، سنوات نقض الشروط وتعطيل الحدود وقتل الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وتدرج بخطة مدروسة للتغيير الكامل , نَفَّذَ مقدماتها في السنوات العشر الأولى التي كانت تستهدف تثبيت دعائم السلطة وملاحقة الخوارج وتعبئة الجو العام باتجاه الفتوح.ثم اشتغل على الداخل بعد تهيئة الأسباب .. كان الناس على أصناف أربعة إزاء إعلان السب لعلي {ع} (بوصفه رأس الحربة في الانقلاب)...
الصنف الأول: الخوارج، هؤلاء كانوا مسرورين من ذلك، لأنهم ممن يعلن البراءة من علي{ع}وقاتلوه , إلا أنهم يرون معاوية، امتدادا لعثمان الذي يتبرأون منه كما يتبرأون من علي {ع} ,ويرون مواصلة الخروج على معاوية , وبقيت مواقفهم علنية ضده , وقد توالى خروجهم عليه منذ بداية الصلح ولم ينقطع.
الصنف الثاني: قريش وأنصارها، وتتوزع قريش على محورين هما:
1. بنو أمية وكلهم موتور من علي{ع8} مبغض له.لمواقفه الصلبة في نصرة النبي {ص} ..
2. عبد الله بن الزبير وشيعته، وهو معروف ببغضه عليا {ع} كان ضمن جيش أم المؤمنين في معركة الجمل ، وقد تناول عليا وتنقصه في فترة حكمه للحجاز.
الصنف الثالث: الحسين {ع} وبنو هاشم , مركزهم المدينة، وشيعة علي الذين تربوا على يديه أمثال حجر وعمر وبن الحمق وحبيب بن مظاهر وغيرهم، ومركزهم الكوفة، وهذا الصنف يدرك تخطيط معاوية بعمق ويعمل على إحباطه بحكمة ويقدم من أجل ذلك أغلى التضحيات.
الصنف الرابع: من عرف فضل علي{ع} ووجوب محبته وحرمة بغضه من خلال أحاديث النبي {ص} التي انتشرت، ولكنه لم يكن راسخا في موالاته، وأكثر هذا الصنف من عامة الناس ورعاعهم، وأغلبهم يتأثر بالجو العام وينعق مع الناعق المتسلط فيه، وبشكل عام فان أفاضل هذا الصنف من الصحابة والتابعين لم يكونوا يفطنون إلى الأبعاد الكاملة لخطة معاوية وظنوا أن إعلان السب لعلي هو فورة سرعان ما تهدأ. والاستقراء السياسي للفترة الأولى من السلطة الأموية كانت مركزة على الإمام علي {ع} وأبناءه النجباء عليهم السلام .. لم يغادر معاوية كل كبيرة وصغيرة في توطيد سلطانه، مستسهلا دونها كل صعب، فكان من الهين عنده في ذلك كله ان يعيد مجد قريش الذي يعتبره انتهك بسبب محمد {ص} وسببه الإسلام , وسببه علي وأبناءه عليهم السلام . ومن اجل ذلك عمل على محاربة دين محمد {ص} من خلال تغيير اغلب المفاهيم التي تتعلق بالمجتمع الجاهلي القرشي , ولما لم يكن قادرا على محاربة الرسول {ص} , وانه مات ولم يتمكن منه , فان عادة العرب أن تعصب الدماء والأموال والثارات , في رأس الأمثل فالأمثل من القبيلة المطلوبة , لذا تحمل علي وأبناءه الكرام عليهم السلام وزر ردة الفعل القرشية , وتاريخهم يشهد بذلك , فلم يستثني معاوية ومن بعده من الاموين ممن تبع رأي محمد{ص} في أهل بيته.
فقتل الناس على الظن , وسفك دماء الشيعة المتمسكين بولاية علي بن أبي طالب {ع} في أقطار حكومته، وفي جميع مناطق نفوذه، واستباح أموالهم وأعراضهم، وقطع أصولهم بقتل ذراريهم وأطفالهم، ولم يستثن النساء، فشنت حرب شعواء كلفت الإسلام والمسلمين دماءَ وأموالا وأعراضا ... وموقفا عدائيا بينهم استمرت آثارها إلى اليوم .. مذاهبهم كانت جريمة الشيعة , في عرف الاموين إنهم متمسكون بسنة نبيهم بما يشير إلى آل بيته {ع} ..( ).
وقد اطلعت على بعض الأحاديث الواردة في كتب السنة عن بني أمية . تلك الأحاديث التي تحذر الأمة من هذه الفئة وتكشف الدور الخطير الذي يهدد مستقبل الأمة والدين الذي سوف يلعبونه في ساحة الفكر الإسلامي . . هذه الأحاديث قد وضعت في دائرة الشك والتضعيف من قبل علماء الحديث..!! لأنها تدين السلطة الأموية ومؤسسها , وهؤلاء الكتاب يدينون بنفس العقيدة الأموية التي خطها معاوية .. فقالوا بما يخالف الواقع .. وهذا تسويف وتزوير للحقائق التاريخية التي هي أساس محورنا , وما يلفت النظر هنا هو تلك الأحاديث التي صححوها في بني أمية والتي تشير إلى أن لهم فضلا ومكانة ودورا بارزا في نصرة الإسلام .واصبحت عقيدتهم التي يؤمنون بها دون الاراء التي جاءت عن اهل البيت {ع} ..
من الأحاديث التي وردت في ذم بني أمية قول الرسول{ص} " هلكة أمتي على يدي غلمة من قريش " ( ). وفي راوية أخرى : " أن فساد أمتي على يدي غلمة سفهاء من قريش ( ).
وقال أبو هريرة : لو شئت أن أقول بني فلان وبني فلان لفعلت, وعشرات الاحاديث والروايات التي حذر رسول الله {ص} امته منها , وحدد الجهة المسؤولة عن تزييف الاخبار فيها , ذكرهم بالاسم الصريح ..
وهناك عدة أحاديث وردت في لعن الحكم بن العاص وأولاده ...وقال أبو هريرة : حفظت وعاءين عن رسول الله {ص} وعاء بثثته ووعاء لو بثثته لقطع هذا البلعوم ( ).وفي ترجمة الحكم بن العاص الأموي عم عثمان بن عفان يقول ابن حجر : نفاه النبي {ص} إلى الطائف وأعاده عثمان إلى المدينة في خلافته . ونقل عن النبي {ص} انه دعا عليه ولم يثبت ذلك ضمن - كلام ابن حجر – الذي يعتبر من مؤرخيهم ..!!
وروي أن الصحابة دخلوا على رسول الله {ص} سمعوه يلعن الحكم بن العاص . فقالوا يا رسول الله ما له : قال : دخل على شق الجدار وأنا مع زوجتي فلانة فكلح في وجهه . فقالوا أفلا نلعنه نحن ؟ قال : لا ، كأني أنظر إلى بنيه يصعدون منبري وينزلونه . قالوا يا رسول الله ألا نأخذهم . قال : لا ونفاه رسول الله ( ) .
وروى الطبراني : كان الحكم يجلس عند النبي{ص} فإذا تكلم اختلج فبصر به النبي{ص}فقال : كن كذلك فما زال يختلج حتى مات ...قال ابن حجر في هذا الحديث : في إسناده نظر . وأخرجه البيهقي من هذا الوجه وفيه ضرار بن صرد وهو منسوب للرفض . {{ هنا يتبين أهمية الموضوع الذي نتناوله في كيفية رد الحديث على النبي – ص- بذاته ..! فكيف لو كانت القضية موجهة إلى شيعة علي وأبناءه عليهم السلام أجمعين ..؟ وكيف لو كانت موجهة إلى تاريخ كربلاء وثورة أبي الضيم الحسين بن علي {ع} ... ويذكر ابن حجر في مكان أخر في نفس المصدر الحديث التالي ..روى ابن حجر عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه : قال كنا مع النبي {ص} فرأى الحكم بن العاص . فقال " : ويل لأمتي مما في صلب هذا " ,وروي عن عائشة أنها قالت لمروان : أما أنت يا مروان فأشهد أن رسول الله {ص} لعن أباك وأنت في صلبه ( ).
ولا نريد الإطالة في هذه النقطة التي تؤكد أن السلطة الأموية رغم تحفظ كتابها , والذين يميلون أليها , في تزويق صورة المجموعة القرشية ومواقفها , إلا إن التاريخ نقل ألينا ما تطمئن به نفوسنا , إنهم المسؤولون عن هذا الضياع والصراع والتمزق ..
حقيقة الاموين والمؤلفة قلوبهم
كان أبو سفيان وولده معاوية يعاملان معاملة المؤلفة قلوبهم حتى عهد عمر الذي ألغى نصيب المؤلفة قلوبهم وولى معاوية على الشام ... فمن هم المؤلفة قلوبهم ..؟
المؤلفة قلوبهم أقسام ما بين كفار ومسلمين:
قسم الأول :من يرجى بعطيته إسلامه أو إسلام قومه وعشيرته ... كابي سفيان التاجر الذي تعرضت تجارته الفكرية للفناء بسبب رسالة السماء , وصفوان بن أمية الذي وهب النبي {ص} له الأمان يوم فتح مكة. لم يسلم وجادل النبي {ص} ثم تم الاتفاق معه , فأمهله أربعة أشهر لينظر في أمره بطلبه، ولما وقعت معركة حنين , كان غائبًا فحضر وشهد مع المسلمين غزوة حنين قبل أن يسلم، وكان النبي{ ص} استعار سلاحه منه لما خرج إلى حنين، وقد أعطاه النبي{ص} إبلاً كثيرة محملة كانت في واد، فقال: هذا عطاء من لا يخشى الفقر.
وروى مسلم والترمذي من طريق سعيد بن المسيب عنه , لما قبض المال قال: (والله لقد أعطاني النبي{ص} وإنه لأبغض الناس إلي، فما زال يعطيني حتى إنه لأحب الناس إلي ..! ( ) ..
وفي هذا القسم ما رواه أحمد بإسناد صحيح عن أنس: أن رسول الله{ص} لم يكن يسأل شيئًا على الإسلام إلا أعطاه،( أي انه يبذل كل شيْ في سبيل الإسلام بما فيه المال ) قال: فأتاه رجل فسأله، فأمر له بشياه كثيرة، بين جبلين من شياه الصدقة." أغنام " قال: فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلموا، فإن محمدًا يعطى عطاء من لا يخشى الفاقة ..( )
القسم الثاني :..من يخشى شره ويرجى بإعطائه كف شره وشر غيره معه، كما جاء عن ابن عباس أن قومًا كانوا يأتون النبي{ص} فإن أعطاهم من الصدقات مدحوا الإسلام وقالوا: هذا دين حسن، وإن منعهم ذموا وعابوا..( ) ..
القسم الثالث : من دخل حديثًا في الإسلام، فيعطى إعانة له على الثبات على دينه الجديد . الإسلام. سئل الزهري عن "المؤلفة قلوبهم" فقال: من أسلم من يهودي أو نصراني. قيل: وإن كان غنيًا؟ قال: وإن كان غنيًا.. ( )
السبب أن الداخل حديثًا في الإسلام قد هجر دينه القديم، وضحى بما له عند أبويه وأسرته، وكثيرًا ما يحارب من عشيرته، ويهدد في رزقه، ولا شك أن هذا الذي باع نفسه وترك دنياه لله تعالى جدير بالتشجيع والتثبيت والمعونة.
القسم الرابع : طبقة الجار وأصحاب المال والنفوذ .. منهم من يعتبرون أنفسهم من سادات مكة والعرب , ولكنهم انتقلوا تحت أي ضرف إلى الإسلام ... في نفس الوقت , لهم نظراء من الكفار, فيشعر في داخل نفسه بالذل والمهانة لأنه ترك دين آبائه وأجداده ..فكان رسول الله {ص} يعرف ما في قلوبهم من حب للمال , فأعطاهم يأمل تغيير نفوسهم بالمال , فكان أبو سفيان وحاشيته ضمن هؤلاء التجار بالدين والدنيا . ( ) .
نستدل من هذه الآراء , إن المؤلفة قلوبهم ..اغلبهم زعماء في قومهم , أو ضعفاء الإيمان من المسلمين، مطاعون في أقوامهم، ويرجى بإعطائهم تثبيتهم، وقوة إيمانهم ومناصحتهم في الجهاد وغيره، كالذين أعطاهم النبي{ص} العطايا الوافرة من غنائم هوازن، وهم طلقاء مكة الذين أسلموا، فكان منهم المنافق...!! ، ومنهم ضعيف الإيمان، ومنهم قوم من المسلمين في الثغور وحدود بلاد الأعداء، يعطون لما يرجى من دفاعهم عمن وراءهم من المسلمين إذا هاجمهم العدو.
ومنهم قوم من المسلمين تحتاجهم الدولة الإسلامية الفتية لجباية الزكاة , ممن لا يعطيها إلا بنفوذهم وتأثيرهم إلا أن يقاتلوا، فيختار بتأليفهم وقيامهم بهذه المساعدة للحكومة أخف الضررين، وأرجح المصلحتين، وهذا سبب جزئي قاصر قليل الحدوث ..( ).
وكل هذه الأنواع تدخل تحت عموم لفظ "المؤلفة قلوبهم" سواء أكانوا كفارًا أم مسلمين.قال الإمام الشافعي: المؤلفة قلوبهم من دخل في الإسلام، ولا يعطى من الصدقة مشرك يتألف على الإسلام، فإن قال قائل: أعطى النبي {ص} عام حنين بعض المشركين من المؤلفة، فتلك العطايا من الفيء، ومن مال النبي{ص} خاصة. واستدل الشافعي بأن الله تعالى جعل صدقات المسلمين مردودة فيهم كما سمى، لا على من خالف دينهم ( ). ويشير إلى حديث معاذ وما في معناه: "تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم".
ونقل الرازي عن الواحدي قال: إن الله أغنى المسلمين عن تألف قلوب المشركين، فإن رأى الإمام أن يؤلف قلوب قوم لبعض المصالح التي يعود نفعها على المسلمين إذا كانوا مسلمين جاز، إذ لا يجوز صرف شيء من زكوات الأموال إلى المشركين، فأما المؤلفة قلوبهم من المشركين فإنما يعطون من مال الفيء لا من الصدقات.( ).
وعقب الرازي قائلاً: إن قول الواحدي: "إن الله أغنى المسلمين عن تألف قلوب المشركين" بناء على أنه ربما يوهم أنه عليه الصلاة والسلام دفع قسمًا من الزكاة إليهم، لكننا بينا أن هذا لم يحصل البتة، وأيضًا فليس في الآية ما يدل على كون المؤلفة مشركين، بل قال: (المؤلفة قلوبهم) .. وهذا عام في المسلم وغيره. أ هـ.
أقول: وإذا كانت كلمة "المؤلفة قلوبهم" تشمل الكافر والمسلم، ففيها دليل على جواز تأليف الكافر وإعطائه من الزكاة. وإنما تمنع اختصاصه بذلك.
وقد جاء عن قتادة أن المؤلفة قلوبهم أناس من الأعراب ومن غيرهم كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتألفهم بالعطية كي يؤمنوا.( ) .
وقد ذكرنا حديث أنس في الرجل الذي أعطاه النبي -صلى الله عليه وسلم- من شاء الصدقة ما جعله يرجع إلى قومه قائلاً: أسلموا فإن محمدًا يعطى عطاء من لا يخشى الفاقة. والظاهر أنه لم يكن مسلمًا قبل ذلك. وهؤلاء كان ايمانهم مقرونا بما يدخل في جيوبهم , لانهم قوم تعودوا على المال والربح ولا سبيل لاستقلالية العقل في اختيار العقيدة , لذلك تراهم يقفون وراء من يدفع لهم مالا ..
ولا عجب أن يعطى كافر من صدقات المسلمين تأليفًا لقلبه على الإسلام. أو تمكينًا له في صدره، فإن هذا -كما ذكر القرطبي- ضرب من الجهاد. فالمشركون ثلاثة أصناف: صنف يرجع عن كفره بإقامة البرهان. وصنف بالقهر والسنان. وصنف بالعطاء والإحسان. والإمام الناظر للمسلمين يستعمل مع كل صنف ما يراه سببًا لنجاته وتخليصه من الكفر( ) .
هذه الشرائح الاجتماعية لا يمكن ان نقرنها بالمهاجرين والانصار , الذين تركوا حطام الدنيا , وباعوا اموالهم ودمائهم ومدنهم في سبيل الله , لذلك أراد الكتاب الأمويون ان يحسنوا صورتهم في عيون الناس , او ليبينوا حقية اخرى كاذبة مزورة في التاريخ .. فوضعوا احاديث عن النبي {ص} انه قالها عن الاموين , ولما كانت هناك نسبة ضخمة من الاحاديث , تدين بني امية , فوضعوا أحاديث تمدح أهل الشام وبنو امية , وبعضهم تجاسروا ومدحوا بني أمية , ونسبوها إلى رسول الله {ص} ... واليك جملة من تلك الأحاديث , التي وردت في مدح بني أمية ...
على رأسها الأحاديث التي تمدح الشام وأهلها وهي مقر بني أمية ومركز حكمهم باعتبار ان لها فضل على العقيدة الإسلامية وهم على رأس تلك الجهود ..( )..وروي عن عثمان أنه قال : لو أن بيدي مفاتيح الجنة لأعطيتها بني أمية حتى يدخلوا من عند آخرهم ( 15 ) .
ويحاول كتاب السنن اختلاق الفضائل لمعاوية وأبيه ورفع مكانتهم وتنقية صورتهم على لسان الرسول{ص} يروي مسلم في صحيحه ,أن أبا سفيان قال للنبي {ص} يا نبي الله ثلاث أعطنيهن . قال نعم . قال عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجها لك . قال نعم . قال ومعاوية تجعله كاتبا بين يديك . قال نعم . قال وتؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين . قال نعم ( ).
ومثل هذه الرواية إنما تثير في النفس تساؤلات كثيرة في مقدمتها :
1. هل الفضائل تستجدى وتطلب أم تمنح من الرسول ؟ . باعتبار ان للشخص منقبة معينة ..؟
وما هي الفضيلة التي ينص عليها هذا الحديث لأبي سفيان ؟ .
2- هل من الخلق أن يتحدث أبو سفيان مع الرسول بهذا الأسلوب عارضا ابنته عليه بصورة توحي وكأن للنساء مدخلا لقلبه ؟ . ثم كيف يجيبه الرسول على مطالبه بهذه البساطة ؟ .
3-وكيف لمثل أبي سفيان أن يطلب أمرة المسلمين في القتال وهو محاط بالشك والكراهية من المؤمنين هو وولده ؟ .وللمسلمين دماء كثيرة في رقبته .. إن مثل هذا الحديث يحمل مغالطة تاريخية خطيرة وهي أن الثابت من خلال كتب القوم أن الرسول{ص}تزوج أم حبيبة قبل الهجرة .
وهذه إشارة قوية على وضع هذا الحديث وكونه من اختراع السياسة ( 17 ) . .
يروي مسلم أن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر فقالوا : والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها . فقال أبو بكر أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم . فأتى النبي فأخبره . فقال يا أبا بكر لعلك أغضبتهم لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك { }.ورواية أخرى تؤكد ان هذا الرجل غير جدير بخطاب النبي {ص} بهذا الأسلوب الرخيص , الذي يبين ان النبي{ص} ينساق وراء النساء , تاركا أوامر ربه تعالى في القول والموقف .. وهو الذي لا ينطق عن الهوى ..وهي الحقيقة المرة التي صورت النبي {ص} بصورة جعلت الغربيين يتطاولون على شخصه بين فترة وأخرى , وهذه من آثارهم الباقية لحد الآن , جاء من التصور السابق , رغم أن أبا سفيان لم يكن بصاحب مكانة حميدة بين صحابة رسول الله{ص} ولم يكن موضع احترام أحد إلا أذناب قريش من أهل القبلية والمنافقين ... والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو :
لماذا دافع أبو بكر عن أبي سفيان ؟ . هل كان يجهل وضع هذا الرجل وتاريخه ؟ .
وهل كان أبو سفيان ما يزال شيخ قريش وسيدها ؟ .إن رد الرسول {ص} على أبي بكر لهو أكبر دلالة على أن موقف هؤلاء الصحابة من أبي سفيان هو الموقف الشرعي وأن أبا بكر تجاوز هذا الموقف وانحرف عنه . . وجعل البخاري لمعاوية بابا أسماه باب ذكر معاوية ليس فيه شئ يحسب لمعاوية . فهو لا يحوي سوى رواية على لسان ابن عباس تشهد له بالصحبة تارة وبالفقه تارة أخرى , وكانت غايته أن يوصل فكرة مغايرة لحقيقة هذا الرجل المنحرف ..( ).
ونقل عن إسحاق بن راهويه قوله : لم يصح في معاوية شئ .وقد ورد في فضائل معاوية أحاديث كثيرة لكن ليس فيها ما يصح من طريق الإسناد وبذلك جزم إسحاق بن راهويه والنسائي وغيرهما إن هذه الاحاديث غير مسنده ( ) .
رواية رائعة عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : سألت أبي ما تقول في علي ومعاوية ؟ فأطرق ثم قال : اعلم أن عليا كان كثير الأعداء ففتش أعداؤه له عيبا فلم يجدوا ,فعمدوا إلى رجل قد حاربه - معاوية - فأطروه - رفعوه - كيدا منهم لعلي . . وعلق ابن حجر على هذه الرواية بقوله : فأشار بهذا إلى ما اختلقوه لمعاوية من الفضائل مما لا أصل له ( ).
ومن مهازل التاريخ الإسلامي الموضوع من قبل وعاظ السلاطين ما يرويه مسلم أن رسول الله{ص} أرسل ابن عباس وهو صبي في طلب معاوية . قال فجئت فقلت هو يأكل . ثم قال لي اذهب وادع لي معاوية . قال فجئت فقلت هو يأكل . فقال : لا أشبع الله بطنه( ).
وقد فسر بعضهم هذا الحديث لصالح معاوية واعتبر أن دعاء الرسول على معاوية يعني صحة الجسم بحيث تبقى شهيته مفتوحة على الدوام للطعام . كما وضع مسلم هذه الرواية تحت باب أسماه باب من لعنه الرسول أو سبه أو دعا عليه وليس هو أهلا لذلك كان له زكاة وأجرا ورحمة ,
ولقد كانت هذه الرواية هي السبب المباشر في مصرع النسائي المحدث على يد أنصار معاوية بالشام حين طلبوا منه أن يكتب كتابا في معاوية وأبى فقتلوه ( ) .
ويبدو من هذا الطرح أن هناك محاولات بائسة من فقهاء يدينون بالولاء لبني أمية من أجل رفع مكانة هذه العائلة وإضفاء المشروعية على خطها وممارساتها . . وكانت هذه الروايات بالإضافة إلى هذه التفسيرات الدافع الأساسي الذي دفعني إلى الشك في جميع الروايات المتعلقة بالفضائل والعمل على بحثها وضبطها بميزان القرآن والعقل مما أوصلني إلى هذه النتائج ..
يضاف لها عدم قناعتي في أغلب ما ورد في التراث الحسيني { واعني ما تعلق فيه ) من روايات أراد واضعوها سواء من السنة أو من الشيعة أما أن يحط من قيمة الثورة الحسينية ويجعلها اقرب إلى الأسطورة , برغم إنها شقت طريقها وأثبتت منهجها في المع صورة في التاريخ, أو أن يرمي الكاتب النتائج الهمجية على شيعة أهل العراق خاصة , وشيعة أهل البيت عامة , إنهم مذنبون مقصرون , يمتازون بالخيانة والتقلب والخوف والخنوع .او ان يعطي بعض الشخصيات أدواراَ لا يقبلها العقل وينسبها إلى أبطال كربلاء ..
مقالات اخرى للكاتب