كلنا نعرف جيداً تنوع الموجود بين مكونات المجتمع العراقي وهذا مايميزهُ عن غيره من بلدان العالم حيث ثقافة التسامح والمحبة تسوده منذ عقود طويلة وممتدة عبر العصور على الرغم ماشهده هذا المجتمع من عواصف تغيير وحروب كثيرة انهكتهُ حتى باتت تمزقه وتفككه لكن سرعان مايستفيق ويلملم جراحهُ المبعثرة، بلد كالعراق معقد من حيث تركيبة المجتمع لكنه يعتبر مثال يُحتذى به في التعايش السلمي بين مكوناته ومع الاسف هذا التعايش والتنوع في التركيبة باتت مهددة بالتلاشي والاندثار فكيف لا وسياسة القمع التي مارستها الحكومات المتعاقبة بين افراد المجتمع الواحد ادت ما ال اليه اليوم من عراق ممزق متهالك 70 بالمئة يفكر بالهجرة مع اختفاء مكونات مهمة واصبحت مهمشة وليس لها صوت ووجود على هذه الارض ولاننسى الاختلافات العقائدية موجودة منذ الأزل، وللأسف نحن لا نكف نعيد سيناريو الصراع فيما بيننا بسبب هذه الاختلافات، فما الذي غيرته هذه الصراعات على امتداد الزمن؟ الدين و العبادة، مثله مثل الحب.. لا يمكنك أبدا وبأي شكل من الإشكال إجبار أي كان على اعتناقه أو تبديله أو حتى محاولة إقناعه، فالعلاقة بين العبد والمعبود علاقة حساسة ومعقدة، تخصهما هما فقط ولا يحق لأي طرف ثالث التدخل أو التحكم فيها، كما إنها نابعة من جوهر الإنسان فكرا وروحا وهو جوهر غير ثابت أبدا يعتمد على درجة تفتحه الذهني والروحي وقابلية تطوريها أو تحنيطها، فالإنسان كائن متغير، على أساسه ينبغي أن تكون الأحكام التي تنظم حياته متغيرة، فلا تصلح له شريعة جوهرها الثبات، لأن هذا يعني الحجر على الإنسان والحكم عليه بالجمود الأبدي. هنا ينبغي اللجوء لآليات أخرى لإدارة حياتنا بعيدا عن الدين والمعتقدات الفكرية والروحية حرصا على الحفاظ عليها والحيلولة دون إلغائها أو طمرها من قبل الجهة المهيمنة، لأن هذا سيؤدي – أكيدا – لمحاولة إذلال واستغلال الصبغة اللاسائدة واللامهيمنة ( الأقليّة) منهم. آلية التعايش السلمي تقوم على أساس فصل الدين عن السياسة والدولة لأن الأديان معتنق شخصي بين الإنسان وربه، وعلى منع التفريق بين شخص وآخر بسبب هذا المعتنق. بعيدا عن جميع التسميات والمصطلحات السياسية والفكرية الشائعة ودون وضعها ضمن أي إطار أو صبها بإناء مما يثير حساسية البعض أو حفيظتهم. على المستوي السياسي نطالب بحرية الاعتقاد وتحرير المعتقدات الدينية من تدخل الحكومات والأنظمة، وذلك بفصل الدولة عن أية معتقدات دينية أو غيبية، وحصر دور الدولة في الأمور المادية فقط. وإعطاء الحق لأي جهة بمزاولة عقائدها وشعائرها وتقاليدها بمنتهى الحرية مع ضرورة حفظ حق الآخر وعدم التعرض له، وعدم إجبار الكل على اعتناق وتبني معتقد أو دين أو تقليد معين لأسباب كانت. يجب أيضا الحفاظ على حق المشاركة بطاولة نقاش مفتوحة للجميع، وعدم حكرها على جهة معينة، أو محاولة خصي لسان الآخر وتحويله ببغاء ، لأننا بهذا نضطهده و يعد (إرهابا فكريا)، لكننا للأسف تربينا وبُنيت مجتمعاتنا على التكاسل التفكيري وسلب حق التعبير والتمثل بالطاعة حتى باتخاذ القرارات البسيطة منها قبل المصيرية.
مقالات اخرى للكاتب