اطلعت على القانون الأميركي الذي عُرف اختصاراً باسم "جاستا"، بنسخته المترجمة، والذي أصدره الكونغرس الأمريكي في 4/1/2016م وهو يعدل قانون صدر في عام 1967 يعطي حصانة لبلدان من الملاحقة القضائية، وفي يوم 28/9/ 2016 صوت الكونغرس الأمريكي لمصلحة رفض نقض (فيتو) الرئيس أوباما، والغرض من القانون وحسبما جاء بأسبابه الموجبة، توفير أوسع نطاق ممكن للمتقاضين المدنيين تماشياً مع دستور الولايات المتحدة للحصول على تعويض من الأشخاص والجهات والدول الأجنبية التي قامت بتقديم دعم جوهري سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، لأفراد أو منظمات تعتبر مسؤولة عن أنشطة إرهابية ضد الولايات المتحدة، أي انه تشريع يسمح بالتقاضي برفع دعوى خاصة ضد الحكومات الأجنبية داخل المحاكم الأمريكية، على أساس ادعاءات تقول إن أفعال بعض الحكومات الأجنبية في الخارج قد جعلتهم مسؤولين عن إصابات سببها إرهاب وقع على الأراضي الأمريكية ومطالبتها بتعويضات.///
وأخطر ما في القانون هما المادتين الثالثة والخامسة والسادسة، والمادة الثالثة حملت الدول الأجنبية عن الإرهاب الذي يحدث في أمريكا، وأكدت بانه؛ لن تكون هناك دولة أجنبية محصنة أمام السلطات القضائية الأمريكية في أي قضية يتم فيها المطالبة بتعويضات مالية من دولة أجنبية نظير إصابات مادية تلحق بأفراد أو ممتلكات أو نتيجة لحالات وفاة تحدث داخل أمريكا وتنجم عن فعل إرهابي أو عمليات تقصيرية أو أفعال تصدر من الدول الأجنبية أو من أي مسؤول أو موظف أو وكيل بتلك الدولة أثناء فترة توليه منصبه بغض النظر إذا كانت العمليات الإرهابية تمت أم لا.///
ومنح القانون المحاكم الأمريكية حق وقف الدعوى ضد أي دولة أجنبية إذا ما شهد وزير الخارجية بأن الولايات المتحدة تشارك بنية حسنة مع الدولة الأجنبية المدعي عليها بغية التواصل إلى حلول للدعاوى المرفوعة على الدولة الأجنبية أو أي جهات أخرى مطلوب إيقاف الدعاوى المرفوعة بشأنها، وحدد القانون مدة إيقاف الدعوى بأن لا تزيد عن 180 يوماً، كما يحق للمدعي العام مطالبة المحكمة بتمديد فترة إيقاف الدعوى لمدة 180 يوماً إضافية.///
هذا ملخص وجيز عن القانون، وقبل ان ندرج بعض الملاحظات على القانون، نؤكد ان العراق يحتاج لهكذا قانون (رغم مخالفته لقواعد قانونية عديدة سنذكرها تباعا)، لان الشعب العراقي أكثر الشعوب العالم تضررا من العمليات الإرهابية وأكثر دولة تحطمت بنيتها التحتية وغالبها كان بسبب أمريكا وسياستها وعملائها، فلولا الاحتلال الأمريكي للعراق، وهو احتلال غير قانوني واستند على مبررات كاذبة، لما كان هناك داعش وخلافة مزعومة ومليشيات ضالعة بالأجرام؛ فنحتاج من مجلس النواب عاجلا لتشريع هكذا قانون لنستطيع من خلاله محاكمة من يقوم بالعمليات الإرهابية في العراق ومن يدعمها، فهل يفعلها البرلمان العراقي؟ ام سيقف موقف المتفرج؟ لان بعض أعضائه هم أدوات بيد أمريكا ودول إقليمية ولديهم عصابات ومليشيات وقوى سياسية تعمل لصالح بقاء الإرهاب في العراق.// أن ما جرى هو تصويت سياسي وابتزاز قضائي لا يليق بمؤسسة محترمة كالكونغرس الأمريكي، وبات القانون يعرف في الأوساط الأمريكية بقانون (11 سبتمبر)، ولنا على القانون عدة استدراكات نجملها وفق الوصف الاتي:::
أولا- من الناحية القانونية:::
الف-نصوص القانون تمثل توغلاً مرفوضاً في سيادة الدول، ومخالفة صريحة لميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي فيما يتعلق بمبدأ المساواة في السيادة بين الدول، ويعد انسلاخ عن جميع الأعراف الدولية.باء-قانون (جاستا) يعد سابقة خطيرة في القانون الدولي ويقوض مبدأ الحصانة السيادية ويرفعها، التي تحمي الدول (ودبلوماسييها) من الملاحقات القانونية وتمنع إقامة دعاوى قضائية ضدها.//جيم- المبدأ القانوني المعلوم دوليا، أن القوانين الجزائية الصادرة لا تطبق بأثر رجعي؛ لكن هذا القانون يطبق على أي عمل يرتكب بعد إجازته، وقبل اجازته، ليشمل ما أصاب الأشخاص أو الأعمال أو الأملاك في 11/9/2001م أو بعده.//دال- القانون افترض أن للمؤسسة التشريعية الأمريكية حقاً تشريعياً على العالم، واعتبر القضاء الأميركي هو مركز التحاكم في العالم، وأن تمثل أمامه الدول وكأنها أفراد، وهو الأمر الذي لم يرد مطلقا في تاريخ العلاقات الدولية، بما يجعله سابقة خطيرة، وإخلالاً جسيماً بالقواعد القانونية والمبادئ الأساسية الدولية.//
هاء-الجرائم التي يرتكبها أي مواطن لا تتعداه لدولته إلا إذا كان ممثلاً رسمياً لها.//
واو- القانون يقاضي الدول والافراد والهيئات؛ التي بعلمها أو غفلتها تدعم مادياً أو بالموارد بصورة مباشرة أو غير مباشرة أفراداً أو منظمات يقومون بأعمال إرهابية ضد مواطني الولايات المتحدة، أو أمنها القومي، أو سياستها الخارجية، أو اقتصادها؛ واعتبرتهم معتدون على الولايات المتحدة ما يجعلهم عرضة للمساءلة أمام القضاء الأمريكي على تلك الأعمال، أي ان القانون يحاسب الدول على أفعال مواطنيها حتى لو غادروها منذ عشرات السنين، ويحاسب الدول حتى لو كانت في غفلة؛ ويحاسب الدول حتى لو لم تتم العمليات الإرهابية، وهذا غير مألوف بكافة القوانين والابتزاز ماثل وشاخص.//
زاء-يفتح القانون الأميركي الجديد الباب أمام دول أخرى ومن بينها السعودية لاستصدار قوانين مماثلة، إذ باستطاعة هذه الدول اللجوء لمبدأ المعاملة بالمثل الذي يحكم العلاقات الدبلوماسية، من أجل الرد على هذا الإجراء، ومبدأ الحصانة السياسية يحمي المسؤولين الأميركيين كل يوم، ولا توجد دولة منخرطة في العالم أكثر من امريكا بالقواعد العسكرية، وعمليات الطائرات بدون طيار، والمهام الاستخباراتية وبرامج التدريب.
حاء- القانون يتيح الفرصة لرفع دعاوى ضد دول لم يتم تصنيفها بالإرهاب من قبل الحكومة الأمريكية كدولة راعية للإرهاب، ولم تقم بشكل مباشر بتنفيذ هجمات ضد الولايات المتحدة، مما سيضر بالمصالح الأمريكية.//طاء- القانون اصبح وكانه تشريع شعبوي لم يراعي العقلانية المطلوبة في شؤون متصلة بالقانون الدولي.//
ثانيا- من الناحية السياسية والدبلوماسية والأمنية:::
الف- يلحق القانون أضرارا بالمصالح الوطنية للولايات المتحدة على نطاق أوسع، ويعقد علاقاته مع أقرب شركائها، والقرار سيُربك دبلوماسيا علاقتها بالبلاد العربية والإسلامية الرافضة لـ (جاستا).///باء- القانون ابتزاز واضح وتحريض غير منطقي وغوغائي ضد دول عربية وتحديدا السعودية، والابتزاز فيه صريح على المستوى القانوني والسياسي، وتفكيك الضرر يتطلب عملا قانونيا دبلوماسيا مركزا ومشتركا.//جيم- بات القانون، يتناغم مع أيديولوجية القاعدة، وداعش، وأمثالهما وسوف يساعدها على تجنيد المؤيدين.//
دال- ستكون له تداعيات خطيرة على الأمن القومي الأميركي وتبعات اشد ضررا ستقع على عاتق مسؤولي الحكومة الأميركية الذين يؤدون واجبهم في الخارج نيابة عن بلدهم، ويؤدي إلى ملاحقات قضائية بحق مسؤولين أميركيين عن أفعال من طرف مجموعات أجنبية تتلقى مساعدات أو تدريبا أو تسيء استخدام معدات عسكرية من طرف الولايات المتحدة.//
هاء- سيكون القانون فرصة سانحة للإرهابيين والمتشددين لضرب الولايات المتحدة وتهديد أمنها؛ بداعي أنها تسعى لابتزاز الدول الاسلامية.//ثالثا- من الناحية الاقتصادية:::
سيدفع القرار الاستثمارات الأجنبية الموجودة في الولايات المتحدة الأمريكية (سواء السيادية أو الفردية) إلى الهروب إلى بيئات أخرى أكثر أماناً، وصاحبة سيادة آمنة؛ لأن القرار سيجعل الولايات المتحدة وشركاتها مستهدفة أكثر وأكثر من أي جهات أخرى ترغب في مقاضاتها بسبب أو لآخر.
وفي النهاية، كل العالم تعاطف مع الولايات المتحدة في وجه عدوان الحادي عشر من سبتمبر 2001م، ولكن سوء عمل الإدارة الأمريكية بدد ذلك التعاطف بحملات عسكرية انتقامية أتت بنتائج عكسية، والكونغرس الأمريكي يرتكب نفس الخطأ بتشريعه هذا القانون، والقاعدة، وداعش، من اوجدهما ظروف سياسية معينة، أمريكا لها الدور الأكبر فيها، لولاها لما تحقق لهم ما تحقق، فعلى الدبلوماسية العربية ان تجد الآلية التي تتلافي بها سلبيات هذا القرار وأضراره عليها، فعلينا ان نطالب بالمعاملة بالمثل بحيث يحق لنا ان نقاضي دولهم وافرادهم عن كل ما نعتبره اجراما في حقنا.
مقالات اخرى للكاتب