تحدثنا في الحلقات السابقة عن أدلة المؤيدين للتطبير وعن تاريخ ظهور التطبير وسنتحدث في هذه الحلقة عن أدلة الرافضين للتطبير-مع الاختلاف في درجات الرفض- فنقول:
إن أشهر الأدلة التي يمكن التعرف عليها من خلال إجابات الرافضين للتطبير وإلا فان الكتب التي الفت لرفض التطبير قليلة-وقليلة الانتشار- قياساً بالكتب التي الفت لتأييد التطبير، وأشهر هذه الأدلة هي:
1-الدليل الأول:إن التطبير عادة جاءتنا من أقوام واديان أخرى:
وقد تحدثنا في الحلقة السابقة عن ظهور التطبير وأثبتنا انه فعلاً جاء من أقوام واديان أخرى، ولكن السؤال هنا ما الضير في ذلك؟
من يرفضون التطبير يستندون إلى عدة جوانب عند حديثهم عن هذا الموضوع منها:
أ-انه قد ينطبق عنوان البدعة على التطبير، بل إن الكثير من الرافضين صرح بذلك فعلاً وعد التطبير من البدع.
ب-انه لو كان خيراً ما سبقونا إليه.
ج-إن هناك مشتركات بين الأديان والثقافات ولكن هذا لا يعني إمكانية الاقتباس من الآخرين دون توجيه شرعي.
د-إن هناك فرق بين الأمور التي تقتبس من الآخرين لأهميتها أو لفائدتها أو لعدم مضرتها وبين الأمور التي تقتبس من الآخرين وتُنسب لها الشرعية.....
هـ-إن هذه العادة لا تُعد أمراً مقبولاً حتى عند تلك الأديان والأقوام بل هي أمر شاذ وربما مرفوض وكما ذكرنا في مقالنا السابق إن الكنيسة على سبيل المثال حاربت ظاهرة التسوط وعدتها بدعة، فالاقتباس من الآخرين يجب أن يكون ضمن اطر صحيحة ليشمل بعض الايجابيات الموجودة لديهم لا أن يشمل حتى بدعهم!!!!!
2-الدليل الثاني:لم يكن التطبير موجوداً في عهد الأئمة(ع):
وهذا ما أثبتناه في الحلقة السابقة إذ قبل القرن العاشر الهجري لم يكن للتطبير وجود فعلي يُذكر، ولكن السؤال هنا وهل كل ما كان غير موجود في عهد الأئمة (ع) يُعد مرفوضاً؟
وقد ناقش بعضهم في إن المواكب بشكلها الحالي أيضاً لم تكن موجودة في عهد الأئمة (ع) فلماذا الحديث عن التطبير فقط؟!
والنقاش في هذا الموضوع لا نستطيع إيفاء حقه في هذا المختصر ولكن نقول باختصار:إن ذلك يعتمد على فهم البدعة بصورة دقيقة وانطباقها في حالة التطبير وعدم انطباقها في حالة المواكب وأشباهها،وكذلك على القول بان التطبير يختلف عن غيره إذ انه طريقة غير مألوفة وفيها الكثير من أذية النفس ، وكذلك فضلاً عن كونه غير موجود في عهد الأئمة (ع) فهو غير متعارف عليه عند علماء المذهب لا قديماً ولا حديثاً واقتصر فعله-في الأغلب- على العوام، وكذلك فان المواكب والأفعال الأخرى وردت بنص أو هي مصاديق لأمور واردة بنص ومتعارف عليها سابقاً أو هي تطوير شكلي لأمور مشروعة ضمن أسس وأساليب مألوفة في حين إن التطبير لا يمكن أن نقول عنه ذلك.
3-الدليل الثالث: التطبير فيه أذية للنفس:
وقد ذكر هذا الدليل اغلب الفقهاء حتى من عُد من مؤيدي التطبير منهم ولكن اغلبهم ترك تقدير الأذية على المكلف.
وقد ناقش بعضهم في إن مقدار الأذية في التطبير قابل للاحتمال-خاصة مع التمرن والاعتياد- بل عده بعضهم من الحجامة المفيدة-كما ذكرنا في مقال سابق-واستشهد البعض بعدم وجود حوادث مسجلة لوفيات أو إصابات معتد بها ، ومن نافلة القول أن نقول إن الاستناد إلى القراءة الشخصية في الموضوع غير مفيدة وإنما يتطلب الأمر وجود إحصائيات دقيقة ومراعاة آراء أهل الاختصاص-الأطباء-في ذلك لتقييم مقدار الأذى.
4-الدليل الرابع:الشعائر توقيفية:
فالقول بشعائرية التطبير قول بلا دليل من وجهة نظر الرافضين لشعائرية التطبير،فالقول بشعائرية فعل معين من عدمه يجب أن يستند إلى دليل شرعي لان الشعائر توقيفية.
5-الدليل الخامس:التطبير ليس من المواساة ولا من الجزع المسموح به:
فالرافضين للتطبير يرفضون القول بان التطبير من المواساة أو من الجزع الذي يدخله –أي التطبير- ضمن الشعائر وقد ورد ذلك في كلمات بعضهم بشكل صريح كما سننقل في الحلقة القادمة.
ويعتبرون التطبير لا يعبر بأي شكل من الأشكال عن مواساة أهل البيت عليهم السلام أو الجزع لمصابهم، بل هو يعطي تصورات سلبية للآخرين ويعبر عن مستوى فهم متدني لتلك المصائب والتفاعل معها.
6-الدليل السادس:التطبير فيه توهين للمذهب:
باعتبار انه يعطي تصور سلبي للآخرين عن المذهب ويُعد من الأمور المنفرة عن المذهب في نظر الكثيرين.
ونظرة بسيطة إلى مواقع الانترنيت مثلاً العربية والأجنبية أو كتابة تطبير بالعربية أو الانجليزية في محركات البحث ومشاهدة المواضيع والصور والتعليقات تصور واضح عن دور التطبير في إعطاء صورة سلبية عن المذهب.
7-الدليل السابع: التطبير مدعاة لاستهزاء وسخرية الآخرين:
وهو مرتبط بما ذكرناه في الدليل السابق وقد ناقش البعض هذا الدليل والدليل السابق بأن الآخرين يستهزئون بأمور أخرى في ديننا ويناقشونها فهل نتخلى عنها لأجل ذلك؟!
ويمكن الإجابة إن خلط التطبير بغيره من الأمور التي ثبت شرعيتها خلط مربك، فما ثبت بالدليل لا يمكن التنازل عنه بسبب استهزاء الآخرين أما ما كان موضع نقاش كالتطبير وسنتحدث عن هذه المفردة بتفصيل أكثر في الحلقة الأخيرة.
هذه أهم الأدلة ذكرناها باختصار وقد استفدناها من استقراء بعض أجوبة الاستفتاءات والمقالات التي تحدثت عن التطبير.
والحمد لله رب العالمين