يتسائل الكثيرون في هذه الايام العصيبة حول الجدوى من إيمانهم بالله الذي لا يتدخل لإيقاف الشر الذي يحيط بهم، أو يخمد النار التي احرقت الاخضر باليابس في المنطقة العربية،أو يحمي الأبرياء لا سيما الأطفال المسيحيين واليزيديين من مجرمين يقتلونهم او يسببون موتهم بإسمه (الله). يسألون عن السبل لإيصال دعواتهم أو طلباتهم وهمومهم واحزانهم إلى هذا الخالق الذي تمتد سلطته إلى أبعد حدود ممكن يتخيلها عقل الإنسان.
إن وجود الشر في هذا العالم كانت معضلة في التاريخ، وان كان الانسان وصل الى القناعة لم ولن يقف الشر من سريانه مهما طال الزمن، لان مصدره الاول هو الموقف الشخصي للانسان، الفكر الذاتي الذي يهتم بالانا السفلى، فالإنسان لم يعد اليوم يقتنع باطروحات الفلسفات او تفاسير رجال الدين واجتهاداتهم الضعيفة المتفككة التي اصبحت قريبة من قصص الاساطير، حتى بعض الفلاسفة الوجوديين يقولون خلقنا في هذا العالم المضطرب من غير إرادتنا، وفي النفس الوقت المؤسسات التي أنشأها الإنسان تريد سلب حريتنا واراتنا وخيارنا في طريقة التفكير والعيش.
انها مآساة حقيقة بحد ذاتها حينما ينظر الانسان الى اعمال اخية الانسان الاخر ويراها اكثر خطورته على وجوده من اي كائن اخر، فلو قدرنا كمية الجهد الذي تبذله البشرية من اجل حماية نفسها و حماية ممتلكاتها من سلب الاخرين، لاصابتنا الذهول ان لم نقل الجنون ، لو تنظر الى المبالغ التي تصرف في عملية تصنيع الاسلحة او شرائها من اجل حماية الذات، سواء كانت على مستوى افراد او جماعات او دول او اقوام او حتى المؤسسات لاندهشت وتعجبت. لا امتلك الاحصائيات ولم ابحث عنها عند (العم كوكل)، ولكنني اقدر هذه الطاقة بـ 50% من جهود الانسانية.
هذه الكمية الكبيرة من الجهود او الطاقة او المبالغ لا تصرف على توفير الحاجات الضرورية للانسان مثل الاكل والمسكن والصحة او التعليم وانما لحامية البلد في توفير الامن والسلم داخل البلد، الحماية داخليا من اللصوص والجريمة والاختلاس والسرقة من ابناء الوطن انفسهم مثل مصاريف ورواتب الشرطة والمرور والامن والاستخبارات والدفاع المدني والحرائق وغيرها والمحاكم، او لتوفير مراتب الجيش والجيش الاحتياط وحماية الحدود من الجيران وغيرها.
فلو كان الانسان مثل اغلبية بقية الحيوانات الاخرى لا يشكل خطر على وجود اخيه الانسان، ولو كان هناك جهاز خارجي يرافق كل انسان يسجل اخطائه المخالفة لقانون الدولة التي يعيش فيها، او للقانون الدولي المسجل المتفق عليه في لوائح الامم المتحدة ويذكره بها، لو كان للانسان ضمير مثل ايام الزمان يخاف من الله وعدالته في الاخرة لكان العالم اكثرالناس اكثر سعادة وتفاؤلا والمجتمع اكثر انسانيا، لان 50% من طاقته كانت تهدر الان ستصرف على توفير النواقص الموجودة، ويكون وضعه غير وضع الشرق الاوسط الذي اشبه اليوم بالغابة القوي يفترس بالضعيف .
نعم هذه الايام تعيش منطقة الشرق الاوسط على فوهة بركان بسبب التناقض الاخلاقي الذي تدعيه به الناس و لا تلتزم به سوى نسبة 20%، او بسبب الجهل او التخلف الثقافي او الخرف الديني الذي لا مثيل له الذي انتشر بين الناس على نقيض التقدم العلمي والمعرفي الذي شهده العالم. فالعالم يحترق امام انظار الدول والكتل الاقتصادية الكبيرة والمراجع الدينية المتنفذة، والناس والمسؤوليين المعنيين لا زالوا غير معنيين بالامر(2)، لا زالت اسنانهم ملطخة بدماء الابرياء واثارغريزتهم الجنسية الحيوانية لازالت متشعبة من عذارى اليزيديات!!.
لو كانت كل الطاقة البشرية والامكانيات المادية في الشرق الاوسط مسخرة من اجل اسعاد البشرية كانت كافية ان تشغل نصف البشرية وتعيشهم بسعادة وامان وكرامة، الغريب في الامر ان الانسان لا يستطيع ان لا يعيش بدون اخيه الانسان وفي نفس الوقت اخطر عدو له هو ذلك الانسان بل اقرب من مصطلح يمكن وصف تصرفاته (الافتراس باخيه الانسان).
سؤال محير يطرحه نفسه اذا كان الديانات السماوية التي تؤمن بها نصف البشرية، والديانات العالمية الخمسة الاولى التي تتدين بها حوال 80% من البشرية لا تروض الانسان ولا تجعله معتدلا، بل بعكس ذات نرى تصرفات عدوانية دائمية ليست على مستوى افراد فقط كي نقول انها حالة نفسية او تخلف عقلي وانما هي على مستوى كتل بشرية كبيرة من المتدينين بهذه بهذه الديانات (السماوية) (3). وان ذلك الصراع ليس لغرض التطور و تقديم خدمة الانسان او من اجل ازالة خطره، او القضاء على الجهل او المرض او الفقر، او لغرض جلب السلم والامان وبتالي تحقيق السعادة، وانما من اجل تحقيق فوائد للقوي على حساب الضعيف، و لتحقيق رغبات اصحاب القرار الذي في الاغلب تحقيق حماية الانا من الاخرين.
ان الله لا يجبر احدا كي يصلي او يسير حسب ارادته، الله لا يبحث عن الشر في قلب كل انسان ليقف رغباته ، لان ذلك مفهوم قدرية الذي اتت به الفلسفة الرواقية، ولا يتدخل في ارادة الشريرة او الفكر الشراني الذي يمتلكه الانسان. يجب ان نفكر بطريقة اعلى وارفع اليوم، الانسان الذي وصل الى ما وصله من المعرفة يجب ان يتصرف بمسؤولية اكبر من الماضي ( يؤمن كأنه لديه مسؤولية الله نفسه) لانه متميز بين المخلوقات بحكمته والا ستفنيه شروره، الانسان يجب ان يدرك انه مخلوق على صورة ومثال خالقه ، لان لديه القليل من العقل والحكمة، من الحكمة المطلقة التي يمتلكها الله نفسه. لكن الانسان خسر فرصته ، فقد الذاكرة كما يقول افلاطون( 4) حينما امتلك الحرية والامان والفرصة وضعف القانون، خسر اهم جوهرة ثمينة عنده التي هي الايمان بالقييم الانسانية، بالعدالة السماوية، بالقانون المدني والاخلاقي، خسر الضمير الذي يميزه عن الحيوان، خسر التواصل مع اخيه الانسان فلم يعد يفكر بحاجته اليه بدا يظن ان الاجهزة التكنولوجية تستطيع توفر له كل ما تحتاجه.
عند اي شخص يعيش في مثل هذه الحضارة، وهذه القيم، وهذه التناقضات الحية والمؤثرة في الواقع اكيد سيسأل اين دور الله، ولماذا الايمان به مادام لا يتدخل في حمايتنا او انقاذ اطفالنا الابرياء ، او بناتنا، او اذا كان حقا اله هذا الكون بهذه الدرجة من السذاجة (حاشاه)، يقول ذلك الشخص لن تعوزني رحمته!!.
شخصيا لي القناعة و الايمان من لديه الحكمة والرغبة في ان يفكر دائما لايجاد الحلول، ويصلي بعمق سيسمعه الله، سيدرك بطرق غامضة وغير طبيعة عن تدخل الله وارادته وستفتح الابواب الضرورية امامهم!، وسيجد الحل اللازم والمطلوب، وسيعيش مطمئن البال، بل يصبح مصلحا للناس في محيطه . ومن لا يصدق ليتفرج قصة هذا الرجل الذي يعيش بدون اطراف العليا والسفلى واصبح احد مشاهير العالم على الرابط التالي:
www.facebook.com/video.html?v=741603602542036&set=vb.360026064033127&type=2&theater
.............
1- هذا العنوان لم استمده من فكرة الكاتب الماركسي الروسي مكسيم غوركي الذي اشتهر في القرن الماضي الذين كان له كتاب بهذا عنوان (اين الله)، انما من الواقع المرير الذي رايته ولمسته وعشته داخليا، من الخراب الذي حل بالعراق و بالمنطقة و بالاخص المصيبة الكبيرة التي حلت بالمسيحيين واليزيديين وبقية الاقليات في مدينة الموصل و قصبات سهل نينوى الاخرى.
2-يبدو نبؤة المنجم الفرنسي المشهور نوسترداموس تكاد تصبح حقيقة وان الحرب العالمية الثالثة على وشك الوقوع.
3- مثل دول كبيرة او المؤسسات الكبيرة او كالاقطاب الدولية مثل النظام الرأسمالي الذي تمثله الكتلة الغربية والنظام الاشتراكي الذي كان متمثلا بكتلة الاتحاد السوفيات في السابقة.
4- افلاطون يظن ان النفس جزء من العالم المُثل (الالوهي) الخالد لهذا هو سرمدي، لكن النفس فقدت معرفتها حينما اتحدت بالجسد.
مقالات اخرى للكاتب