عندما كان طلابا في الكلية الطبية في ثمانينات القرن الماضي كان لدينا طالبا يعيش قصص الحب من طرف واحد دوما عندما تبتسم له احدى الطالبات للمجاملة او اثناء النقاش في الدروس العملية فيبدا يحفظ اغاني ام كلثوم وميادة الحناوي ونجاة الصغيرة وكان يحب ان يسمع جيرانه صوت المسجل كاسيت وقتها فكنا دائما نطالبه بتخفيض الصوت وكنت دائما اهديه سماعات خاصة للاذن حتى يستمع للاغاني لوحده تخفيفا لحدة المشاكل بين الطالب وجيرانه من طلبة القسم الداخلي الذين يؤثرون الهدؤ من اجل القرأة والدرخ...
في احدى الاماسي كنت عائدا من جولتي المسائية في اربيل حول القلعة وكان عشائي وقتها كص لحم بقري عراقي خالص مائة بالمائة طيب المذاق مع الطرشي المغمس بالعنبة وطماطة الكوير الفاقعة الحمرة في مطعم قرب سينما سيروان المهملة حاليا قرب القلعة فناداني رافد تعال خوش جاي يفوتك بعرس امك ماشاربه مهيل وأداعة امرؤ القيس وقيس ابن الملوح وجدك انكيدوا يفوتك.... فاستجبت لطلبه وبدا يقص لي قصة حبه لاحدى زميلاتنا وانا اعرفها جيدا هي بعيدا عن الحب وايامه لانها طالبة مجدة ومتفرغة لتحقيق حلم والداتها الارملة التي عكفت على تربيتها بعد استشهاد والدها في حرب 1967حزيران عندما قاتل الجيش العراقي على الجبهة الاردنية والسورية وهي رافقتني في احدى المرات في رحلة من اربيل لبغداد بعجلات النيسان لنقل المسافرين المكيفة المريحة التابعة للمجلس التنفيذي لاقليم كردستان وقتها عندما كنا نسترق الخميس والجمعة للنزول لرؤية بغداد واهالينا وقصت لي قصة كفاح والدتها واحلامها في التفوق حتى تستطيع رد جميل امها لها وتعويضها عن صبرها المهم وانا استلذ بالشاي اللذيذ الذي يصدق مقولتي ان العشاق وحدهم هم يجيدون عمل الشاي اللذيذ اخبرني بانها في درس التشريح وهم يشرحون القلب من قبل استاذنا صاحب النكته واللطائف الجميلة الدكتور السباعي وهو يشرح لهم غرف القلب والصمامات قال لهم ان القلب يختزن ذاكرة غير مرئية للعشق وقتها هي ضحكت في وجه صديقي المتيم الولهان فاصابته بمقتل وجعلته يحلم مع اغنية نجاة الصغيرة ساكن قصادي بقصص غرامية ولقطات تخيلية وجعلته يهتم بمظهره واناقته وحفظه للاغاني وقصائد العشاق... وبعد ان طلبت منه كوبا ثانيا من الشاي قلت له ياصديقي وهل صارحتها بمشاعرك واحلامك.. اطرق خجلا وقال اصبت بالجبن والخجل والخوف من الرفض وتطير احلامي مع ادراج الرياح او تنفجر بالونة احلامي المحملة بالاشواق والاماني واعيش صدمة الصد والفشل... قلت له الحب لايعرف الجبناء والخائفين وان العشق هو ديدن الشجعان فكن ياصديقي شجاعا فارسا مغوارا واطرق طلبك بصيغة جميلة وواضحة لها فهي تليق باي فارس واي رجل لجمال اخلاقها ونبل تعاملها ولطف مظهرها... واستئذنت منه لاذهب لاكمل مراجعتي لدروسي وتركته يعيش استحضارات اللحظة المرتقبة للمصارحة وهو يعيش دوامة تحبني لو لا ماتحبني.....تقبلني.....ترفضني...
المهم في اليوم التالي وفي طريقنا للكلية حيث كنا نسير مشيا على الاقدام للكلية لقربها من القسم الداخلي الواقع في تيراوة على الشارع الستيني ونحن نتمشى على الشارع الستيني ونشاهد جامع مسكوفتي سبي (الجامع الابيض) ورجال الكرد يلعبون من صباح الله الباكر الدومينو والطاولي والصكلة قال لي انه يوم المواجهة نعم انه يوم المواجهة .....
ودلفنا الى قاعة الدرس النظري وبعدها الى الدروس العملية واتفقنا ان نلتقي في النادي الساعة الواحدة ظهرا وقت استراحتنا قبل الدروس العملية المسائية.... في النادي افتقدت صديقي ونسيت اخباره لانشغالي بمراجعة المحاضرات وتصليحها وبعض القصص مع زملائنا الاخرين.... وعند القلعة التقيت بصديقي شاحبا حزيننا وهو جالس في مقهى حجي صابر في محلة عرب القريبة من القلعة فدنوت منه وقلت ما اخبار عاشقنا الولهان.... قال لي معاتبا كلها منك كلها صوج مشورتك المستعجلة لقد فلشت احلامي وفجرت بالوني ووشحت حياتي بالسواد والحزن فقد صدتني صدا جميلا واخجلتني والزمتني الحجة...
قلت له كيف يا ولهاننا الجميل....
قال قالت لي هل ارضعتك امك ام رضعت حليب النيدو او الكيكوز.... ضحكت انا وقلت له وماذا قلت لها....
قال قلت لها لا نعم ان امي ارضعتني حليب البلاركون ...
فقال من حسن المصادفة ان امها ارضعتها من نفس الحليب......
فلقد اجابتني بثقة ونبرة صوت حنين يا اخي نحن اخوين في الرضاعة فلا يصح بيننا العشق...
قلت له وانا اصفق بكلتا كفي بقوة ورواد القهوة كلها تلتفت الى تصفيقي حتى الطرشان والخرسان (الصم البكم ) الذين يتخذون زاوية من زوايا المقهى.......
قلت له حقا انتم اخوين بالرضاعة وهذا سيحملك واجبا اضافيا ان تهتم بها اكثر كأخ وزميل وزهو اعلى مرتبة من العشق .....
صديقي بقى يلعن اليوم الذي ارضعته امه حليب البلاركون دوننا من باقي ماركات الحليب وهو الان من اطباء الصحة العامة والناشطين جدا حول المناداة بضرورة الرضاعة الطبيعية التي حرمته من قصة حبه الاول واجهضتها في مكانها...
رباط السالفة لعد شبيهم الشركاء في الوطن اذا ماغزر بيهم ماي دجلة والفرات على اقل تقدير هم اخون بالرضاعة الاصطناعية وهاي هم مسؤولية تجعل لهم واجبات وحقوق بالاخوة للحفاظ على وحدة الوطن.
مقالات اخرى للكاتب