على العراقيين التعامل الآن مع حرب الشوارع، قبل أن ينجزوا انتخابات تشريعية "سلسة" في 2014.. عليهم، أولاً، النجاة من حملة انتخابية بالكواتم والسكاكين، ليصلوا أحياءً إلى صندوق الاقتراع.
ومثلما كان ضحايا الاغتيال والمذابح الجماعية لعائلات على مخادعها، يعلنون بداية نهاية "الأمن الهش"، وجميع أوهامه، تتغير موازين قوى اللاعبين، وتتقلب رقعة الشطرنج مع كل إطلاقة، وعزاء.
لقد كان، دوماً، الحديث عن صلة "موجات" العنف الطائفي بالدوافع السياسية ومصالح اللاعبين، محل شكوك، ومغطى بغلاف من إعلانات عن القاعدة، والجماعات المسلحة.. بهذه الطريقة كان الجميع يهرب من التفاصيل لجعل العدو "حالة عامة"، والموت الذي يحل في الوقت الذي يريد، "قدراً" لا مناص منه.
هذه فرضية تكاد تكون حقيقة راسخة.. إنها، ورغم كل التكهنات المحيطة بها، الأقرب للتمثل والتصديق. هي تقضي بأن الحل السياسي عسكريٌ على الأرض، وأن القادة، أبناء الحوارات والجدل والنقاش، يقفون على أكف وأذرع "مسلحة".
الفصيل السياسي، الذي يكتب شعاره الانتخابي على الشاشة، فصيل مسلح يكسب رهانه بمجالس عزاء.
والحال، أن الحوار العراقي، منذ ان خلق لنفسه تسمية التوافق، والتناسب المركب المشوه في أحجام القوى، يفشل مراراً. ولم يجد أصحابه، في ساعات الشدة، سوى إشارة صغيرة لأمراء الشارع، تفجر كل شيء.
كل الصفقات تبرم بعد مزيد من الضحايا، والكل يعود إلى حل من دون دماء، حين تفوح رائحة كواليس الفصائل الموالية، وتتكشف، بتصفية حسابات مخيفة، أن الجميع يضرب الجميع بالسلاح نفسه.
وفي الأرض، لا يزال منطقياً القول ببساطة، إن عبور رجل من الشعلة إلى البياع، هذه الأيام، يشبه عبور أرض حرام. لهذا الأمن خدعة، وحبل دمى "الاستقرار" تصل إلى شعار سياسي يكتب بشفرة الموت.
ماذا يتطلب لوقف كل هذا. ربما اتفاق سلام بين الامراء. اتفاق تاريخي على الحياة، ليس مثالياً ليؤمن "بمصالح هذه الأرض"، وليس عاطفياً ليقول لنا إن الجميع يخاف على مستقبل الديمقراطية. بل أنه اتفاق بحاجة إلى لغة جديدة تستعمل ما يمكن من ضمانات المصالح التاريخية للجميع.
لكن العراقيين عاطفيون جداً، يحبون نهايات المعارك، وليس التفكير قبل خوضها. يرغبون في رؤية المختلف عدواً، قبل أن يعرفوا أنهم مختلفون وأعداء لغيرهم. العراقيون عاطفيون يشعرون بأن الاتفاق على سلام مشترك إهانة عظمى للحق الشخصي لذوات الطوائف، و"أحبار" الملل.
العراقيون ينتصرون من دون اتفاق يرمم الحقوق المسلوبة، ويؤمنون بان السلام يتطلب فائزاً في المعركة، وعدداً كبيراً من الضحايا.
ليس هناك أمل. ربما. وعلى الأرجح إننا سننتخب، ونبقى نفعل، بأصوات الضحايا، الذين جرت على جثثهم حملات انتخابية، قادها أمراء الحرب، ويفوز بها أولياؤهم.
وربما يكون من المفجع معرفة أن احزاب الزمن الانتقالي تدفع لفصيل مسلح يقود حملتها، وليس لمناظرة تلفزيونية تقاتل فيها البرامج والأفكار.
سنذهب إلى برلمان 2014 من دون أهم صفقة في السنوات العشر الماضية، سنذهب من اجل هدنة من العنف، ليس إلا.
مقالات اخرى للكاتب