سؤال مؤلم يطرحه الكثيرون: "لماذا العراق متراجع دائما فيما هو يملك من الثروات ما لا يحصى؟". والاجابة عليه تطول لتعدد الاسباب وتشعب العوامل الداخلة فيه. كنت أتابع احتفالات دولة الامارات العربية المتحدة بالعيد الوطني. شعرت بأنه احتفال حقيقي وليس استعراضاً مفروضا من السلطة كما في الجمهوريات "الثورية" التي قادت المنطقة الى الخراب والدمار، والتي قالت إنها تحررت من الاستعمار لكنها أوقعت شعوبها في عبودية الفقر والتخلف والجهل، وهي أرضية خصبة لمزيد من الدمار والتشتت والتطاحن في حال سقوط هذه الانظمة.
في علم السياسة فإن عناصر قوة الدولة هي المساحة والثروات وعدد السكان والاطلالة البحرية وقرب العاصمة من الحدود وغيرها. التجارب أثبتت للدارسين أن كل هذه العناصر قد تتوفر لكن الدولة تبقى ضعيفة وفقيرة وقابلة للانتهاك والسبب هو طبيعة السلطة السياسية التي تدير شؤون البلاد. من هنا أضافوا عنصرا جديدا هو"طبيعة السلطة السياسية"، فالسلطة غيرالصالحة قد تهدر كل هذه العناصر بحماقتها وتهوّرها وتجعل بلدانها في أسوأ حال، وشعوبها محطمة. هذا هو حال العراق على مدى عقود من التدمير. بالمقابل فان السلطة السياسية الكفوءة والمخلصة والعاقلة بإمكانها ان تعوّض ما ينقص بلدانها من عناصر القوة من خلال إدارة حكيمة للوضع الداخلي وللعلاقات الخارجية، فتجنب بلدانها ويلات الصراعات الداخلية والخارجية، وتحفظ لمواطنيها عيشا كريما رغيدا. أما إذا اجتمعت حكمة الحاكم مع الثروة وعناصر القوة الاخرى فسيكون البلد في أحسن حال.
من أسوأ آثار الانظمة المتهورة والدكتاتورية هو التدمير الذي تمارسه بحق مواطنيها. الثروات المهدورة في النهب والحروب والجوع الذي تعرض له العراقيون بفعل ذلك على مدى عقود أنتج إنسانا مدمّراً على أغلب الصعد. وهنا فإن الاصلاح لا يمكن أن يبدأ إلاّ من الانسان نفسه. الفساد المستشري اليوم لا يقتصر على فئة او شريحة، ومن العبث محاولة تعليقه على شماعة شخص أو جهة. إنه فساد النفوس عامة، إلاّ من رحم ربي. الفاسد اليوم هو من تتوفر له فرصة ممارسة الفساد. المنتقدون للفساد والصارخون ضده، في الغالب صادقون، لكن المحك الاساس هو عندما تتوفر لهم فرصة الوصول الى المال العام مثلا، أو عندما يتاح لهم ان يحصلوا على راتب دون أداء عمل، أو فرصة الحصول على رشوة. عندها من يرفض التورط سيكون هو النزيه الحقيقي، فكم من الصارخين ضد الفساد اليوم سيتورع عن التورط به لو توفرت له الظروف المناسبة؟.
نحتاج الى إعادة بناء ضمائرنا ووعينا وعقولنا. وإلّا لا قيامة ولا خلاص.
مقالات اخرى للكاتب