في 28-11-2015 ، نظم "منتدى الحوار الثقافي في استكهولم " حوارية حول ( الهوية الوطنية العراقية ) وبحضور نخبة من المهتمين والمثقفين وأدارتها السيدتان وفاء فرج وميلاد خالد ، وشاركنا بتصورنا حول الموضوعة :
بدءاً لابد من التنويه للاهمية التي اولاها " منتدى الحوار الثقافي في ستكهولم " لموضوعة ( الهوية الوطنية العراقية ) و شعور المنتدى والقائمين عليه بالمسؤولية لمواصلة الحوار والنقاش للموضوعة لاهميتها وادراك لحجم التهميش التي تعرضت وتتعرض له ( الهوية الوطنية العراقية ) ، هدف الحوارية الوصول الى مقاربات وتصورات و وربما استعادة لما بتنا نفتقد من مشترك وجداني بات معطلا .
ظاهرة الانقسامات الطائفية والاثنية التي يعيشها الآن العراق هي تعبير عن أزمة ومشكلة غياب الفهم الصحيح للدين وللهوية الوطنية والقومية ، مسألة الهوية هي قضية سياسية - اقتصادية - ثقافية - اجتماعية - تأريخية رافقت مراحل تأسيس الدولة العراقية لحد اليوم ، وكان بنيان الدولة العراقية فيها مرتبك متصدع، اساسه هش، وعملية الترميم أن اجريت ربما هي حل رومانسي .
علينا ان نكون واقعيين فالهوية الوطنية صناعة بالغة التعقيد ترتبط بطبيعة النظام السياسي - الاقتصادي وتاثير الصراع الطائفي - العرقي . و تأسيسها من جديد لا يتم بالتمنيات او الرهان على ظروف واوضاع تستجد من خلال تغيير في العملية السياسية او من داخلها. ــ وهناك اطراف كثيرة داخلية - خارجية تغذي حالة الانقسام حسب مصالحها واغراضها وايضا هناك عجزسياسي - ثقافي يعيق انتاج هوية وطنية عراقية جامعة .
الذي اريد ان اؤكد عليه ان الارادة العامة العراقية صاحبة المصلحة في بناء واسس الدولة العراقية كانت دائما مغيبة وبالاخص في المفاصل التاريخية الكبرى للدولة العراقية ، لم يأخذ رأي الشعب فيها وهنا احاول تأشير ابرز المراحل التي كان لها الاثر بعدم تبلور هوية وطنية عراقية جامعة :-
1- الدولة العراقية ومنذ تأسيسها عام 1921 ولحد اليوم , لم تبنى أو تكون نتاج تعبير حر وطوعي لإرادة المواطنين العراقيين الذين يعيشون على الأرض العراقية وإنما وبشكل غالب هي نتاج قوة وتدخل خارجي وجاءت بالضد من أرادتهم الحقيقية . ودائما ما مارست السلطة القسر والظلم والعنف المنفلت والمنظم للسيطرة على مكونات الشعب وقواه.الاستعمار البريطاني ومصالحه واغراضه واحتواءاً لنتائج ثورة الشعب العراقي في 1920 التي طالبت بالاستقلال ، اسس لنظام ملكي ( ملك مستورد ) .
2- في عام 1958 اطيح بالنظام الملكي واقيمت الجمهورية العراقية ، يومها الغت الثورة امكانية استمرار الحياة الدستورية . كان يمكن لثورة 14 تموز وبوطنية القائمين بها والاحزاب والقوى الوطنية العراقية المساندة ، ان تنهض بالعراق وتؤسس مرحلة جديدة مستقرة تمنح المواطنين العراقيين حق المشاركة بالحكم والمساهمة ببناء دولة مدنية ديمقراطية ، لكن سرعان ما دب الخلاف بين اقطابها من العسكريين والاحزاب القومية والوطنية ، لتاتي بعدها مرحلة مهدت لمحاولات الانقلابات العسكرية لتتوج اخيرا بسلطة لحزب فاشي ( البعث ) 1968 جر العراق والعراقيين لحملات قمع واضطهاد و حروب داخلية وخارجية مهدت لاخطر مرحلة يمر بها العراق حاليا واقصد بها الحرب والغزو والاحتلال عام 2003 لتلغي والى الابد حسب اعتقادي امكانية النهوض بالوطنية العراقية او حتى امكانية التاسيس في مرحلة لاحقة لهوية وطنية عراقية ولاسباب لابد من ايرادها :
1- سقوط النظام الديكتاتوري في 2003، بواسطة الحرب والغزو والاحتلال، لم يوفر للمواطن العراقي حقوقه وحرياته الأساسية، لا بالعكس ترتب على وفق ذلك سقوط ما تبقى من الدولة ومؤسساتها المدنية والعسكرية، وفوضى أشاعها الاحتلال سهلت له أن يفرض مشروعه وشروطه لاعادة تأسيس الدولة الجديدة!!.
2- أضاف هذا التحول الجديد، واقعا أخر لمشهد أكثر تشوه وإيلاما سياسيا - اقتصاديا وامنيا، تصاعدت فيه أعداد الضحايا إضافة لما خلفته فاشية النظام السابق من كوارث إنسانية واجتماعية واقتصادية، نتيجة حروبه الداخلية والخارجية وأساليب القمع والاضطهاد التي رافقت مسيرة حكمه.
3- المشروع الامريكي اسس لنوع من ( الصعب الممتنع ) وقسم العملية السياسية ( دستوريا ) بين مكونات ( شيعة - سنة - اكراد ) واي خلل باحد اطرافها سيفقد العملية توازنها ، وهذ الخلل ربما يدفع الاطراف لصراع واقتتال دموي اكثر بشاعة من سنوات 2005-2007 وهنا سيكون الحشد وباقي الميلشيات المسلحة اكثر الاطراف التي تسعى للاستحواذ على السلطة ويتم التغيير حسب منظورها .
4-ا قرار الدستور العراقي بصيغته الحالية كان ولازال عامل تشظي اضافي ، ففي بنوده لم تتوضح شكل الدولة. هل هي دولة دينية أم مدنية ، لتظهر كونها لا دولة ، فهناك مناطق متنازع عليها ( المادة 140 ) في حدود الدولة العراقية ،وخلافات حدودية بين المحافظات. وهناك مسعى للمكون السني لاقامة اقليمه وحسب الدستور ، وايضا سعيهم وبمساعدة الولايات المتحدة لاقامة الاقليم من خلال تسليح وتدريب عناصر تكون رديفا للحشد الشعبي ( الشيعي ) . وهذه بعض اشكاليات وعوامل تضعف او حتى تنفي وجود هوية وطنية عراقية موحدة.
5- الاكراد اصبحت لهم دولة شبه مستقلة سياسيا وفق بنود الدستور والاطراف الكردية سعت وتسعى الى اضعاف المركز وبالتالي تفتيت الوحدة الوطنية واضعاف اي محاولات جادة للارتقاء بالوطنية العراقية وقد اعلن السيد مسعود البرزاني وباكثر من مناسبة ان الوضع سوف لا يعود الى ما قبل 10-06-2014 ، اي بعد احتلال الموصل وبلدات ومدن عراقية من قبل داعش الارهابي ، بحجة المناطق المتنازع عليها ؟؟
6- التغيير الديموغرافي في مناطق كركوك وديالي والموصل واجبار المسيحيين والآيزيدين والشبك على الهجرة والنزوح وعمليات ترغيب بالهجرة خارج العراق . واستيعاب النازحين من المكون التركماني ( الشيعي ) في محافظات الوسط والجنوب العراقي .
7-اغلب الكتل والاحزاب السياسية الحاكمة ( الدعوة ، المجلس ، التيار الصدري ، الحراك ، العراقية ، الحزب الاسلامي ، الفضيلة ، الاصلاح ، حدك ..... ) طائفية - عرقية وهيكليتها وبرامجها غير ديمقراطية والبعض منها تتخذ طابع عائلي ( الحكيم ، الصدر .... ) او مرجعية دينية ( الفضيلة ) .
8 - الميلشيات الطائفية - العرقية المسلحة و محاولات أضفاء الشرعية عليها كرديف للجيش العراقي .
9- المرجعية الدينية ودورها التوجيهي وتدخلها في الشأن السياسي ، وهو دور يزيح االطبيعية المدنية ( المفترضة ) للدولة العراقية . وهنا لابد من الاشارة لدراسة بكتاب ذات اهمية (مرجعيات الجماعات ، المرجعيات واثرها في تقرير توجهات الافراد ) للاستاذ الدكتور محمودشمال حسن ، تبين الاهمية والتأثير الذي تمثله المرجعية الدينية ( الشيعية ) في المجتمع العراقي وياتي تسلسل باقي المرجعيات حسب الاهمية ( المرجعية الدينية ، المرجعية العشائرية ، المرجعية الاثنية ، المرجعية الحزبية ، مرجعية النخبة الثقافية ) .
10- وجود داعش الارهابي في العراق واستمرار الحرب عليه عراقيا ودوليا .
11- تدخل دول الجوار العراقي بالشأن العراقي وبالاخص الايراني - السعودي - التركي .
هذه العوامل باعتقادي بالاضافة الى المعوقات الاقتصادية - الاجتماعية - الثقافية الكثيرة ، جعلت من الارتقاء بالوطنية العراقية وتعميق مبدأ المواطنة وارساء اسس الدولة المدنية ، باتت ضعيفة وهامشية ، بل منهزمة نسبيا امام خيارات الهويات الفرعية كالمكونات المذهبية والاثنية ( الشيعية - السنية - الكردية ) . فالذي لم يحدث خلال مائة عام لايمكن حدوثه خلال عقد من الآن ، واذا بقى الوضع الحالي دون تغيير ستبقى الدولة العراقية ، دولة فاشلة ، هامشية بلا هوية او تتألف من عدة دويلات / اقاليم طائفية - عرقية بهويات مختلفة . لكن هناك امل بحلول او خيارات يمكن معها استنهاض الارادة العامة العراقية وايجاد البيئة الجامعة لهوية وطنية عراقية من :
خلال إلغاء تركيبة هذه الدولة ليحل محلها دولة عراقية جديدة قائمة على اتحاد حر بين المواطنين العراقيين ، اتحاد ينطلق من حرية الإنسان في تقرير شكل حياته وعلاقته بالآخرين، ,ونوع وطبيعة الشراكة المبتغاة . من خلال وضع أسس لأطر وهياكل لدولة بمؤسسات منتخبة قائمة على التوازن بين القوى ومحصنة ضد قدرة احدها على تغيير التوازن بشكل قسري . أنني أدرك أن مثل هذا الخيار سوف لايقنع ولا يلقى القبول أو الاستجابة عند البعض .
و الخيار الثاني وهو الدعوة لإعادة النظر بمجمل العملية السياسية الحالية من خلال مؤتمر حوار وطني حقيقي تشارك فيه جميع الفعاليات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية من داخل ومن خارج البرلمان العراقي وكل صاحب مطالب وتوجه وطني، وهو خيار يمكن معه تجاوز معطيات ما تكرس ورسخ اعتباطيا بعد 2003 .وإعادة النظر بالدستور العراقي ليتلاءم ومعطيات دولة مدنية ديمقراطية . هكذا مؤتمر ان توفرت الثقة والنية والمصداقية للمشاركين فيه ، ربما يمكن معه تنظيم نموذج جديد للدولة العراقية مختلف عن سياقات العمل السابقة . دولة ضامنة للحقوق وحريات مواطنيها وقادرة على التصدي للإرهاب ودحره وتوفير العيش الكريم .
مقالات اخرى للكاتب