في ضوء اللقاء الأخير الذي جمع السيد وزير المالية هوشيار زيباري والمدراء العامين لمصرفي الرافدين والرشيد ، وتوجيهاته بإعتماد النظام المصرفي الشامل ، فقد سعى مصرف الرافدين من خلال إدارته العليا ومديره العام الأستاذ باسم الحسني للبحث في خطط ستراتيجية لإعتماد تطبيق النظام المصرفي الشامل ، والذي راحت أغلب المصارف المتقدمة عالميا تعتمده في عملها المصرفي، لمساعدة بلدانها على تجاوز أزماتها المالية، ولتطوير قطاعات بلدانها الاقتصادية مديات أفضل قوة وقدرة على مواجهة تقلبات الاقتصاد .
ويهدف مصرف الرافدين من خلال إتباعه النظام المصرفي الشامل الى مجاراة التطورات التقنية وعمليات الصيرفة المتعددة الأوجه في عمل وأنشطة هذا المصرف الذي يختزن تجربة مصرفية متعمقة عبر عقود من الزمن كانت محل ثقة الكثيرين ، من جهة ولتجاوز الازمة المالية للعراق في ظل الضائقة الاقتصادية الناجمة عن تدهور أسعار النفط ، كونه المورد الوحيد للبلد حاليا ومتطلبات الموازنة في هذا الظرف العصيب.
ويؤكد خبراء المصارف ان النظام المصرفي الشامل الذي راحت بنوك غربية تعتمده لتطوير أنشطة الاقتصاد الوطني يهدف الى " تنويع مصادر التمويل وتعبئة أكبر قدر ممكن من المدخرات من خدمات متنوعة ومتجددة ، تلك التي تستند إلى رصيد مصرفي بحيث نجدها تجمع ما بين وظائف البنوك التجارية التقليدية ووظائف البنوك المتخصصة وبنوك الإستثمار وتوسيع الأعمال التجارية"
ويوضح بعض خبراء الإقتصاد والصيرفة أن البنوك التجارية والبنوك المتخصصة تسعى الى تنوير مصادر الحصول على الأموال والإيرادات أو مواد البنوك التي تأتي من قطاعات متعددة عن طريق تنمية الموارد المالية للمصارف وتطوير أنشطتها بما يتوائم ومتطلبات التقلبات الاقتصادية وبخاصة في اوقات الازمات الاقتصادية لمساعدة البلد على التغلب على أزماته المالية.
ومن المتعارف عليه أن فكرة البنوك الشاملة ظهرت في ألمانيا في القرن التاسع عشر ، عندما انتقلت من نمط النظام التقليدي السائد في التمويل المصرفي ، الى تمويل الاستثمار طويل الآجل في القطاع الصناعي وراحت تتبنى سياسة إنشاء المشروعات الإنتاجية وتقدم التمويل اللازم لها ، كما سعت الكثير من دول العالم لإعتماد تلك الآليات المصرفية في بنوكها ومصارفها الآن ، وان اختلف التطبيق من دولة إلى أخرى حسب نمط الجهاز المصرفي القائم.
ومن اهم أسباب لجوء المصارف الألمانية لإعتماد النشاط المصرفي الشامل هو عدم وجود سوف رأس مال متطور بقدر كاف ، وكانت البنوك هي البديل لهذا السوق في تمويل المشروعات واستندت تنمية الصناعات في المانيا إلى البنوك وأصبح التمثيل الصناعي طويل ومتوسط الأجل من معالم الصرافة الألمانية حتى وقتنا الحاضر .
ويعرف آخرون النظام المصرفي الشامل بأنه المؤسسات المالية التي تقوم بأعمال الوساطة واتجاه الائتمان والتي تلعب دور منظم في تأسيس المشروعات وإدارتها وبصفة عامة يمكن القول أنها البنوك التي لم تعد تتقيد بالتخصص المحدود الذي قيد العمل المصرفي في كثير من الدول بل أصبحت تمد نشاطها إلى كل الأقاليم والمناطق وتحصل على الأموال من مصدر متعددة وتوجهها إلى مختلف النشاطات لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية .
ومنذ السبعينات بدأت فكرة العمل المصرفي الشامل في الانتشار والتوسيع لتضافر عدة عوامل منها الاتجاه لإزالة الحواجز بين أنشطة البنوك ، وهناك العديد من الأشكال والأنواع للبنوك الشاملة ، ففي انكلترا وكندا مثلا يكون لها حصص ملكية محدودة بتغطية اكتتاب الأوراق المالية والتامين من خلال شركات فرعية مستقلة وبهذا يسمح للبنوك بالقيام بأنشطة القطاع المالي من خلال هيكل من الشركات القابضة البنكية. أما في اليابان وكوريا فتوجد الأنظمة المصرفية " ذات البنك الرئيسي " وفي هذا النمط يسمح للبنوك بالإفراط في أنشطة الخدمات المالية مثل : ضمان الأوراق المالية ويطبق هذا النموذج في معظم الدول الأسيوية المطلة على المحيط الهادي رغم محدوديته في اليابان وهناك البنوك الشاملة تماما حيث تتميز بوجود درجة اكبر من التكامل بين الخدمات المالية في نطاق البنك الشامل حيث يتولى قسم في البنك أداء أنشطة ضمان الأوراق المالية كما تمارس رقابة اكبر على المنشأة ، وحصص ملكية بنكية كبيرة في المنشآت وعضوية البنوك في مجالس إدارة الشركات ومن أمثلتها الأنظمة السويسرية والألمانية .
من هذا يتبين مدى الأهمية التي يجري العمل لإعتمادها في خطط مصرف الرافدين العريق في انشطته المصرفية لكي يتم اعتماد خطط مصرفية اكثر تخصصا وانتشارا من ذي قبل ، بحيث يكون بمقدوره المساهمة في أنشطة اقتصادية مهمة مثل انشطة الاستثمار والتمويل للقطاعات الصناعية والزراعية طويلة الأجل ، وبخاصة في ظل أسوأ ازمة اقتصادية يواجهها العراق حاليا بعد انخفاض أسعار النفط الى حدود أصابت اقتصاد البلد بأزمات خطيرة، انعكست بصورتها السلبية على موارد الموازنة لهذا العام وتمتد تأثيراتها ربما الى أعوام مقبلة ان بقي مسار أسعار النفط على هذا المنوال من الركود ، ما يتطلب من مصارف البلد ومنها مصرف الرافدين اعتماد البحث عن طرق وأساليب اكثر تطورا ، ومنها اعتماد النظام المصرفي الشامل الذي أشرنا في المقدمة الى أشكاله ومضامينه وأهدافه، وسيكون مصرف الرافدين بفروعه الكثيرة في الداخل والخارج أحد أدوات النهوض المستقبلية في هذا النظام العالمي المتقدم ، من خلال تقديم القروض للمشاريع الصناعية والزراعية وتلك التي تدخل ميادين الاستثمار في مجالاته المختلفة ، وان كانت لديه مثل هذه الانشطة حاليا الا انه سيسعى للتوسع في انشطتها مستقبلا ، اضافة الى البحث عن تقنيات حديثة لمجاراة التطور التقني العالمي ، ليتسنى له تطوير موارده المالية ، ويعوض الاقتصاد العراقي عما أصابه من أزمات خانقة، وهي مهمة غاية في الأهمية وتدخل في إطار التخطيط الستراتيجي ، وينتظر منها ان تكون أول خطوة على طريق وضع العلاجات الشافية لأحد أوجه تلك الأزمة الأقنصادية والخروج منها بأقل الخسائر، وهذه مهمة مصرف الرافدين وبقية المصارف الاخرى ، بعون الله.
مقالات اخرى للكاتب