الشاعر العربي اللبناني الذي عاش في الغربة ،و م.رزان زعيتر ،نقطتان مضيئتان في حياتنا العربية ،وكلاهما ضوء ساطع ركز على قضية مفصلية تمس أدق تفاصيل حياتنا ،وتلقي الضوء على مصيرنا ، ولو عملنا بما تحدثا عنه وعملا من أجله لما وصلنا إلى ما نحن فيه وعليه ، من مذلة ومهانة وحصارات دولية من الجهات الأربع.
تتركز القضية على أن من يمتلك السيادة على غذائه ،إمتلك السيادة على أرضه وحفظ كرامته وكرامة شعبه ،وبالتالي أصبح سيد نفسه ،وأصبح شعبه آمنا مطمئنا ،بعيدا عن الضغوط وما أكثرها وفي مقدمتها الحصارات والقاتل الإقتصادي ،إذ لا تستطيع جهة ما مهما أوتيت من قوة أن تنال من كيانه .
قال الشاعر جبران صاحب كتاب النبي "ويل لأمة تأكل مما لا تزرع وتلبس مما لا تصنع"،ولو دققنا في اللغة لوجدنا أن شاعرنا كان دقيقا في تعبيره ولم يقل أحذر بل بدأ مقولته بكلمة ويل ،ومعروف أن ويل هو واد في جهنم ،وكان جبران متنبئا صادقا ،فنحن حاليا ولأننا نأكل مما لا نزرع ونلبس مما لانصنع ، نعيش حياة كأنها الجحيم.
ما قامت به المهندسة رزان زعيتر في هذا المجال مثمن ومقدر ،فرغم انها فرد عادي من حيث التعداد الرقمي ،إلا أنه انجزت ما عجزت عنه انظمة تمتلك من أدوات الضغط الشيء الكثير ، وقامت بدور عجزت عنه جامعة الدول العربية ،ومع ذلك إكتشفنا أن العالم عند حديثه عن الغذاء إستبعد العرب ،وكأننا لسنا موجودين على الخارطة ،حتى أنهم أهملومنا رغم وجودنا في كشوف صادراتهم ،فنحن كما هو معروف عنا نحرص على ملء بطوننا وحشو معدنا بكل مالذ وطاب دون النظر إلى المنشأ .
نحن حاليا في الدرك الأسفل من التفكير بمصالحنا ،وهذا ما كشفت عنه تحركات المهندسة رزان زعيتر في الساحة الدولية ،لكنها لم تصمت ولم تقل :وأنا مالي فمصالحي أولى بالرعاية ،بل حركت الراكد ومعها ثلة من الرفيقات والرفاق الذين نذروا أنفسهم لخدمة الأمة وإنتشالها مما هي فيه ،بفعل سياسات الأنظمة المستبدة والمرتبطة،وقد نجحت المهندسة زعيتر بفرض الأجندة العربية على الساحة الدولية في مجال الغذاء على الأقل ،وأصبح للعرب مكان في المؤتمرات الدولية ذات العلاقة ،وأصبح المعنيون العالميون في مجال الغذاء يتحدثون عن المنطقة العربية ويلتقون بممثلين عنها ويأخذون المصلحة العربية في الحسبان،وكل ذلك لم يأت من فراغ.
نحن حاليا نأكل من مزابل العالم ،وتجارنا متواطئون في تسميمنا وهناك رشا تدفع لإدخال المواد الغذائية غير الصالحة للإستهلاك البشري ،وعلاوة على ذلك بتنا نأكل من منتجات مستدمرة إسرائيل الخزرية مثل البطاطا والمانجا والجزر والجوافة وغير ذلك ،دون أن يعلم الغالبية منا أن هناك نصا في تلمود بابل يقول"أرسل لجارك الأمراض"،ونصوصا أخرى تجيز لليهودي أن يغش ويسرق غيراليهودي ويستحل زوجته ،فيما تحرم كل ذلك على اليهود أنفسهم ،ومع ذلك وضعنا انفسنا وبإختيارنا رهينة في أيديهم من خلال تناول ما ينتجون وحتى أننا في الأردن نشرب من المياه التي يسيطرون على أماكن تجمعها ولا نعلم ما يضيفونه إليها ،كونهم يعلنون حربا ليس علينا وحدنا بل على الإنسانية كلها،وهذا ما جعلنا عرضة لأمراض سرطانية دخيلة علينا .
جاء تأسيس الشبكة العربية للسيادة على الغذاء التي تترأسها المناضلة رزان زعيتر ،تحولا ملحوظا في التفكير العربي ومطلبا ملحا منا جميعا، نحن من لدينا القدرة على تلمس آثار الوجع الذي عانينا منه جميعا ،لأننا غيّبنا انفسنا ضعفا وطواعية عن أجندة الإهتمام العالمي وتركنا الساحة نهبا ليهود مستدمرة بحر الخزر الصهيونية.
مقالات اخرى للكاتب