مذكرات الفريق الركن :صالح صائب الجبوري
تحقيق ومراجعة : اللواء الركن علاء الدين مكي خماس
نشر :منتدى المعارف
دراسة وتعريف :د.عبد الجبار العبيدي
-------------------------------------------
تتألف المذكرات التي وضعها الفريق الركن صالح صائب الجبوري من تسعة عشر فصلاً رئيسيا ، ضمنها بمقدمة وخاتمة وجدولا للخرئط والمواقع العسكرية والمدنية في العراق وتركيا مع مجموعة صور لشخصيته العسكرية والمدنية. وهي فصول تندرج نزولا في عدد صفحاتها بحيث يغطي الفصل الاول خدماته العسكرية والمدنية .
يتضمن هذا الفصل نبذة عن خدماته العسكرية والمدنية ،من يوم أكماله الدراسة العسكرية في مدارس بغداد عام 1915 وأستنبول والتحاقه كضابط عسكري في الجيش العثماني حتى عودته الى العراق في عام 1919، والبقاء فيه بعد استقلال العراق عام 1921 بعد استقلاله عن الدولة العثمانية.
وابتداءً من الفصل الثاني وحتى الفصل الحادي عشرتضمنت المذكرات خدماته في الجيش العثماني ومشاركاته العسكرية في احداث العراق العسكريةعام 1935 كحركات منطقة الفرات الاوسط ،وانقلاب بكر صدقي، ومقتل الملك غازي الأول، وحتى عام 1945 ونشوب الحرب العالمية الثانية ، وثورة رشيد عالي الكيلاني عام 1941. والاعوام التي تلتها وحركات ملا مصطفى البرزاني عام 1945 حيث تداخلت الاحداث بين العمل العسكري والاستشارات السياسية في الدولة العراقية الحديثة .
ثم ينتقل المؤلف الى الفصل الثاني عشرليصف الاحتفال بذكرى تأسيس الجيش العراقي وتأليف الوزارة النقيبية الاولى واسناد وزارة الدفاع للفريق جعفر العسكري وبداية تأسيس دوائر وزارة الدفاع، والاحتفال بهذه الذكرى تجاوبا مع الشعور العام الذي كان متبادلا بين الجيش والشعب حتى اصبحت الذكرى عطلة رسمية في البلاد في كل عام. وقد ارفق هذا الفصل بمجموعة من الصور الاحتفالية التي تحكي لنا لمحات من تاريخ العراق في العهد الملكي مع
2
صور ضمت جلالة الملك المرحوم فيصل الثاني والامير عبد الآله قبل تسلمه عرش المملكةالعراقية.
أمتازت شخصية المؤلف بالحيادية العسكرية المعروفة بأخلاصها في تنفيذ الواجبات العسكرية الملزمة وتأديتها على أحسن وجه،وهكذا هي القوانين العسكرية - نفذ ولا تناقش-. وقد ترقى في الرتب العسكرية من ملازم ثانٍ حتى بلوغه رتبة فريق أول في الجيش العراقي ، بعد ان تخرج من دورة الاركان برتبة رائد ركن ثم مدرسا فيها ،وهي من الرتب الممتازة التي لا يحصل عليها الا الأذكياء والمخلصين في واجباتهم العسكرية في وقت كانت الكليات العسكرية تخضع للرقابة الحكومية الشديدة والمراقبة العلمية الفائقة.
وفي الفصل الثالث عشر تحدث عن حرب فلسطين عام 1948 وما تبعها. وقال ان المشكلة الفلسطينية يجب ان تبحث من جوانبها المختلفة وهكذا فعل،وقد اشار الى كتابه المؤلف (محنة فلسطين واسرارها السياسية والعسكرية بتفاصيل كثيرة ومركزة في ذلك الكتاب الذي يعتبر مرجعا عسكريا وسياسيا للدراسات الأستراتيجية .
ومن الفصل الرابع عشر وحتى الثامن عشر هو سرد تاريخي مركزلاحداث عام 1950-51 وقصة ابعاده عن وظيفة رئاسة الاركان العراقية وتكلم عنها بصراحة وعزى ذلك الى الاستقامة والتضحية والخلافات مع الانكليز من اجل المصلحة الوطنية،وتبقى الحيادية في القول مكفولة به ، لكن الانكيز وهم المتنفذون آنذاك كان يغيضهم هذا التطلع الوطني .
وتحدث في الفصل الخامس عشر عن قصة ابعاده من رئاسة الاركان بسبب معارضته للقيادة البريطانية والعراق يومها منشغلا بحركات برزان الكردية وازمة معاهدة بورتسموث والمساهمة في اخفاقها باعتبارها تمثل تدخلا في شئون العراق الداخلية وخلافاته التي استحكمت مع الجنرال البريطاني (رنتن)في كثير من الامور العسكرية والسياسية. والتي انتهت بابعادة عن رئاسة الاركان العراقية بعد ان سجل في كنيته العسكرية الكثير من انواط الشجاعة والاخلاص وهو تاريخ مجيد يفتخر به قادة الجيوش الحديثة.
وضمت الفصول السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر اختياره للحياة السياسية المدنية ودخوله معترك السياسة المدنية برغبة البلاط الملكي لتوفر العنصر الوطني الكفوء فيه حيث بدأ التقارب بينه وبين العائلة الملكية فتم اختياره وزيراللمواصلات والنقل والاشغال العامة ثم وزيرا للاعمار ،ثم اختير عيناً في مجلس الامة حتى عام 1958 وقيام حركة التغيير الكبرى
3
في 14 تموز عام 1958 ودخول العراق معترك الاختلافات السياسية والشخصية والتي من بعدها لم يرَ الراحة والتقدم ابدا ولا زال الى اليوم يعاني من الانقسامات الداخلية والتشظي السياسي رغم تبدل الحياة المعيشية للسكان واحلال الديمقراطية التي صاحبتها الفوضى الخلاقة التي رسمت له.
ان الملاحظة المهمة والاساسية التي خرجت بها من دراسة هذه المذكرات التي قرأتها حرفا حرفا خرجت منها بنتيجة لوضع العراق قبل 14 تموز عام 1958 هو:
ان كل العناصر التي حكمت العراق كانت خليطاً من وحدة الشعب العراقي الشيعية والسُنية والكردية وحتى الاقليات الاخرى لكن رغم الاختلاف السياسي والمذهبي بينها لا احد من هؤلاء القادة كان يفكر بنفس طائفي او عنصري اومحاصصي،وحتى حركات الكرد بقيادة المرحوم ملا مصطفى البرزاني كان يفكر بالمصير العراقي قبل الكردي لكونه كان يدرك ان الجغرافية تقف ضد التطلعات الانفصالية التي لا تخدم وحدة الكرد في الدولة العراقية .وهذا ما نفتقده اليوم.
ان المقييمين لهذه المذكرات التي قدمها منتدى المعارف الناشر للكتاب اجمعوا على ان هذه المذكرات كانت متزنة وحيادية للتأصيل التاريخي.بكونها شاهد عيان لفترة تاريخية تعد بحق باكورة (العصر الذهبي ) العراقي.
ان هذا التوجه السياسي أنذاك يعتبرالحارس الامين للدولة والمجتمع لو بقي ياخذ صفة التطور الحضاري دون نظريات العنف الذي ركبت الوطن والى اليوم. وحملته فوق طاقته وأحدثت فيه شروخ التفرقة الوطنية التي نرجولها ان تزول بهمة المخلصين من قادته اليوم،ويعود الصفاء والاخاء كما كان بالأمس.فالشعوب لا ترقى ولاتستقر ولاتتقدم الا بالوحدة الوطنية.
اما وجهة نظر كاتب هذه السطور فيقول:
بعد ان قرأ المذكرات من أولى الى اخرها ان جامع هذه المذكرات اختار موضوعا مهما من موضوعات تاريخ العراق الحديث والمعاصر،والمكتبة العراقية والعربية بحاجة ماسة الى مثل هذه الدراسة التي لم تستكمل بعد،وعلى طلبة الدراسات العليا في الجامعات العراقية ان يتجهوا صوبها لأستخراج الكثير من مفردات التاريخ العسكري والمدني والأمانة المهنية للمواطن العراقي .من هنا فلهذه المذكرات قيمتها العلمية.
4
لقد امتاز صاحب المذكرات بسلامة الاساس العلمي ، وحسن استخدام المصادر على قلتها وتوثيق المعلومات ،وحواشي البحث التي أغنت مذكراته بالكثير من المعلومات والتعليقات الشخصية ووثقها بشكل علمي صحيح.هذا يوحي بأن مؤلف المذكرات كان مقربا من مركز القرار السياسي في العراق لذا جاءت مذكراته لتعكس الحقيقة التاريخية لوضع العراق ما بين عام 1921-1958.
لا شك ان كاتب المذكرات أتبع اركان المنهج العلمي في كتابة مذكراته ،وحالفه النجاح في تبويبيها وتقسيمها الى موضوعات في تسعة عشر فصلا،وحاول ان يربط بين تلك الموضوعات لتصبح وحدة موضوعية وفكرية واحدة واعتقد انه نجح في ذلك.
وللتاريخ نقول: ان امثال هؤلاء القادة الكبار وان هفوا هفوات سياسية في ذلك الزمن المستقر لكن الاخلاص والوفاء للوطن ووحدته والابتعاد عن المطامح الشخصية كان رائدهم، وهذا منتهى الاخلاقية الوطنية وهو فخر لهم في تاريخهم العسكري والسياسي في وطنهم الذي احبوه وقدموا له التضحيات الجسام ،وسيبقى العراقي هو هو لن يتغير مهما قسى عليه الزمن واجبرته الظروف ،فالوطنية والاخلاص لها عنوان في اعلى مراتب الكمال في الشخصية الانسانية العراقية .
من هذا التوجه التاريخي فلا خوف على العراق من التشظي والانقسام مستقبلا وستعود وحدتة الوطنية أقوى مما كانت عليه ، وهذا هو تاريخ بلاد الرافدين الأغر منذ عهد السومريين.
وفي الختام اقول ان هذا الكتاب فيه جهد كبير وأضافة علمية جيدة،وابداع وابتكار،أضاف للدراسات العسكرية والسياسية رؤية جديدة في دراسة تاريخ المؤسسة العسكرية العراقية بعد ان توصل الى عدة نتائج طيبة.
وشكرا لنتدى المعارف على نشر هذه المذكرات النافعة للتاريخ العراقي المعاصر.
وأخيرا أشكر صديقي العزيز الدكتور الطبيب رضا العطار الذي أعارني الكتاب فأستفدت منه الكثير الكثير.
والله الموفق الى كل رشاد،
د.عبد الجبار العبيدي
الولايات المتحدة الامريكية - واشنطن
مقالات اخرى للكاتب