تعد ظاهرة الاحلاف والتكتلات الدولية ظاهرة قديمة بقدم العلاقات الدولية فرضتها طبيعة الصراعات على النفوذ والسيطرة ومصادر القوة لاستهداف حلف او تكتل آخر او استهداف دولة أو جماعة معينة، وهي تعبر عن تجل جوهري ومتواصل بين طرفي او اطراف الصراعات، وديناميكية المواجهات في العالم اليوم تفرض نفسها بقوة على شكل صراع بين محاور اقليمية ودولية تتبع سياسة الكيد والكيد الآخر وتلقي بظلالها القاتمة على مجمل المشهد الاقليمي والدولي في عالم لا يتخذ من غير مفهوم القوة معيارا له، فما بين محور اميركا واصدقائها الغربيين واتباعها في المنطقة وبين محور روسيا والصين وحليفهما محور المقاومة والممانعة في المنطقة تتقاطع الاجندات وتتناقض الاهداف في منطقة حبلى بالتقاطعات والتناقضات الايديولوجية والسياسية وما لها من انعكاسات جيواستراتيجية.
حدة الصراع المركب وتداخل اشكاله المتنوعة ما بين عسكرية – بالأصالة او بالنيابة – بمفرداتها الميدانية والامنية والاستخبارية وما بين مدنية بصورها السياسية والاقتصادية والاعلامية والثقافية حدة تشير الى ان عالم ما بعد الهيمنة الغربية بدأ بالتشكل واننا نعيش فترة مخاض صعب لرسم خرائط جغرافيا سياسية جديدة ستعكس حتما جغرافيا اقتصادية مختلفة وواقعا آخر.
تمثل الساحة العراقية واحدة من اهم ميادين هذا الصراع تداخل فيها المحلي بالدولي والداخلي بالخارجي والشعبي بالرسمي وما تزال هذه الساحة تتعرض لتهديد وجودي ومصيري يرتبط بوجود ومصير المنطقة ككل الا ان الخطاب الحكومي والسياسة الخارجية ما تزال تؤكد على أن العراق لن يكون جزءاً من سياسة "المحاور" في المنطقة، وأنه "يطمح إلى الانفتاح على العالم، والاستراتيجية التي يتبنـَّاها العراق الجديد تقوم على أساس الوسطيِّة، وتجنـُّب الدخول في سياسة المَحاور" على حد قول السيدين رئيس الوزراء حيدر العبادي ووزير الخارجية ابراهيم الجعفري اللذين اكدا ذلك في اكثر من مناسبة وكأن العراق هو امبراطورية عظمى تمتلك اكبر مصادر وموارد القوة وتصنع القرار الدولي لتحتل موقع الوسطية والانفتاح المتوازن على العالم او ان العراق يعيش على كوكب آخر ينأى به عن آثار الصراعات الاقليمية والدولية وتداعياتها الجيواستراتيجية.
فما بين حكومة تتبنى سياسة خارجية مغامرة تدعي التحالف مع حلف دولي صهيو- اميركي غربي يسعى لفرض هيمنته ونفوذه وبين ارادة وطنية بزخم جماهيري وحشد عسكري شعبي يواصل تحقيق الانتصارات وتسجيل الانجازات منسجم مع محور اقليمي ودولي ممانع ومقاوم لهيمنة ونفوذ المحور الصهيو- اميركي ما بين هذا وذاك نعيش حالة من الازدواجية السياسية يبدو اننا اصبنا معها بالتوحد السياسي! فهل يمكننا الحديث عن النأي بالنفس في منطقة ساخنة حولت ارضنا الى مسرح اساسي دائم الاشتعال في لعبة المحاور والاحلاف وصراع الامم؟.
بات واضحا ان التحالف الاميركي الغربي العربي المزعوم هدفه اعادة انتاج تنظيم داعش وترويضه بدلا من القضاء عليه او تحجيمه، والتسلل من تحت عباءته لفرض السيطرة الاميركية وتعزيز النفوذ الساعي الى تمزيق وتجزئة دول المنطقة الى دويلات تدور في الفلك الصهيو- اميركي، اما رؤيتنا فما تزال هلامية بلا موقف وبلا اهداف واقعية بل تحركنا المصالح الذاتية والحسابات الآنية الخاضعة للضغوط الخارجية!
في عالم يحتكم الى القوة ومدياتها المتنوعة والمركبة لا مكان للضعفاء، فمتى تشعر حكومتنا بالخطر الذي يتهددنا ويحيط بنا ونتحالف بوضوح مع من يشترك معنا بنفس المصالح والاهداف وتهدده نفس المخاطر وتحيق به ذات التحديات ام نواصل سياسة المغامرة ونبقى نتلاعب بمفردات الوسطية والتوازن.
مقالات اخرى للكاتب