لطالما لعبت العقول العسكرية الاستراتيجية دورا كبيرا في حسم العديد منالمعارك رغم التفاوت الكبير في كفتي الميزان بين طرفي المواجهة في الامكانات والقدرات المادية والتقنية والتنظيمية ولطالما كُسبت معارككبرى بسبب مواقف او قرارات استراتيجية حاسمة في لحظات حرجة ولطالما خُسرتمعارك كانت على حافة تحقيق الانتصار بسبب مواقف او قرارات استراتيجيةخاطئة ما يؤكد ان للعنصر الانساني دور حاسم وكبير في تحقيق الانتصارالنهائي.
يبدو المُخطط العسكري لمعركة الفلوجة الذي يمتاز بعقل استراتيجي اومنظومة عقول استراتيجية عمل على مراعاة حرفية لمبادئ فن علم الحرب كمبدأتركيز القوات ومبدأ الامن ومبدأ الحركة ومبدأ الهجوم ومبدأ المفاجأة اوالمباغتة - الذي سجل لهذا المخطط ابداعا ملفتا في ساعات وايام المعركةالأولى - وغيرها من المبادئ فالخطة العامة او الاستراتيجية العسكريةالموضوعة للمعركة وتكتيكاتها المتبعة واساليبها المستحدثة فاجأت العدووكسرت ظهر دفاعاته بمجرد انطلاقها.
عملية الفلوجة ابتدأت بمرحلة عزل وتطويق اولي مطلق لمحاصرة المدينة بنسبة360 درجة عل طريقة "الصندوق المغلق" قامت على أساس التحرك من ثلاثة محاورأساسية اولها المحور الجنوبي الشرقي وثانيها المحور الشمالي الشرقيوثالثها المحور الشمالي الغربي تفرعت الى ستة محاور عملت أولا على تفتيتقطعات العدو وارباكها وقطع خطوط الامداد وابطال اساليبه الدفاعيةالمعروفة بطرق إبداعية جديدة.
عندما يتم محاصرة مدينة ما وقطع خطوط امدادها وتقطيع اوصالها ومنعها منتوفير عنصر الاسناد المتبادل بين قطعاتها سيؤدي الى سقوطها عسكريا وهذاهو جوهر العمليات العسكرية في حرب المدن واستكمال عمليات المحاصرةسينقلنا الى مرحلة جديدة وهي حرب الشوارع ما يستدعي تغييرا في الاساليبوالتكتيكات المتبعة لاختلاف بيئة المعركة.
المرحلة الثانية كما مخطط لها هي مرحلة العزل والتطويق الداخلي المزدوجبعد التوغل عبر احد عشر محورا تتفرع من المحاور الستة وتقسّم الفلوجة بعد اقتحامها المباشر الى عدة مناطق "صناديق مغلقة" محاصرة ليسهل بالتالي عزلوالقضاء على مراكز تواجد تنظيم داعش وحلفاءه ومعالجة مصادر النيرانالمعادية بسهولة.
التقدم السريع والمباغت يدل على حرفية عالية في رسم خطة المعركة والتعاطيمع قطعات داعش بعد التعرف على الثغرات والاستمكان من مواقعه واستكشاف نقاط ضعفه ومسح الموارد والطاقات والإمكانات وابطال توظيفها ما مكنها منالتعاطي مع داعش بطريقة مختلفة ستؤدي الى حسم المعركة خلال أيام قليلةبخسائر محدودة اذا لم تمنعها الارادة السياسية العراقية التي يبدو انالبعض يسعى الى مصادرتها.
تعاظم قدرات المنظومة العسكرية وبالذات قوتها الضاربة فصائل الحشد الشعبيوقواه الرئيسة وتراكم الخبرة لديها وتضاعف الامكانات على مستوى الإدارة والقيادة والسيطرة وحسن اختيار اللحظة الحاسمة لتوجيه الضربة القاصمةكلها عوامل ستساهم بتحقيق نصر سريع ونوعي اذا لم تحصل بعض المفاجآت اوالعرقلة الداخلية او الخارجية السياسية.
مقالات اخرى للكاتب