ابتداء وحتى لا ينزعج أحدٌ من اللذين يتصرفون بعواطفهم وليس بعقولهم ويكون لديهم ردة فعل مبنية على القلب وليس العقل ( صبراً جميلاً حتى نفهم جميعنا سوية)حقائق أغفلها التأريخ تعمداً ممن كتبوه وسطروا معانيه 1907 تأريخ وضع حجر الأساس لمشروع تدمير الأمة ، وتشتيت دياناتها الأصيلة ، وبعثرة تماسكها القومي ، وما يحصل اليوم في بلداننا العربية ( حصراً ) هو نتيجة طبيعية لما تم تأسيسه منذ ذلك التأريخ ، ولأن المؤامرة كبيرة وعميقة ، فأن أنهار الدم التي تجري ، وضياع الثروات ، وزيادة الفقر ، وزج الدين بزجاجة التخلف في طائفة ، والتطرف في طائفة أخرى ، كي يكتمل المشهد ، ويصبح أبطال التنفيذ لهذه المؤامرة العميقة ، هم من بين أضلع الأمة ومن أهلها وأبنائها .
دعي كامبل بانرمن رئيس وزراء بريطانيا في سنة 1907 سبعة دول أوربية لعقد اجتماع طارئ ، وهي بريطانيا ، فرنسا ، إيطاليا ، هولندا ، أسبانيا ، بلجيكا ، الدنمارك من أجل مراجعة الوضع المزري التي تمر به تلك البلدان بسبب الأوضاع الاقتصادية والمعيشية السائدة .
فقال للمجتمعين أننا نمر بمرحلة انحدار سريع بسبب الخلافات الكبيرة التي بيننا ، نتيجة التنافس الخطير الحاصل بيننا والأوضاع الاقتصادية السيئة ، فهل تريدوننا أن نظل على القمة كما خططنا أم نصمت ونستمر بمرحلة الانحدار نحو القاع ؟ فقالوا بالإجماع له نعم نريد البقاء على القمة وهذا مؤكد ، فقام الوفد البريطاني بتوزيع خرائط الوطن العربي على المجتمعين ، فسألهم هل استلمتم الخرائط جميعكم ؟ قالوا نعم ، قال لهم دققوا بحدود تلك الخارطة الممتدة من الخليج العربي ، إلى المحيط الأطلسي ، ففي هذه المنطقة يكمن فيها سر قوتنا ، وسر ضعفنا ، هذه المنطقة هي منطقة ضعيفة سياسياً ، وجاهلة ومتشرذمة ، ومتناحرة ، يتقاتلون على قطرة ماء ، ولكنهم يمتلكون ما لا نمتلك ، الغالبية العظمى منهم تتبع دين واحد ، إلا بعض الأقليات التي لا تؤثر على المشهد العام ، يتكلمون لغة واحدة ، ولا يحتاجون إلى مترجم حينما يتنقلون من الشرق إلى الغرب ، بينما في أوربا عشرات الأديان والقوميات ، واللغات ، والتوجهات ، هذه المساحة الكبيرة الممتدة من الخليج إلى المحيط ، تشرف على أوربا من شمالها ، وأفريقيا من جنوبها ، وأسيا وشبه القارة الهندية من الشرق ، وتواجه الأمريكيتين من الغرب ، هذه المنطقة تحتوي على كافة المواد الأولية من المواد الخام التي تدخل بالصناعة ، وعلى مصادر الطاقة المطلوبة لعقود قادمة من الزمن ، هذه المنطقة بموقعها الجغرافي الفريد ، تستطيع أن تخنق العالم لأنها تسيطر على مضيق هرمز في وسط الخليج العربي ، وعلى باب المندب في مدخل جنوب البحر الأحمر ، وعلى منفذه من الشمال ، ومضيق جبل طارق ، فأردف عليهم إن هذه المنطقة إن لم تظل ضعيفة ومتشتتة فلن تقوم لنا قائمة ، وإن هذه المنطقة لا يعوزها سوى ( قيادة صالحة ) ومتى ما حصل شعب هذه المنطقة على قيادة صالحة ، ستنهض هذه الأمة لأنها تمتلك جميع مقومات النجاح والتفوق وعلى كافة المستويات .
فإذا بالسؤال من الحاضرين ، ماذا نفعل ؟؟
وكان الجواب مباشراً وواضحاً ، هو (يجب زرع جسم غريب في قلب تلك المنطقة ، ولم يتم تسمية هذا الاسم في وقتها ) ، ولهذا الجسم ثلاثة أهداف وهي :
1- فصل المشرق العربي عن المغرب العربي .
2- أن يكون هذا الاسم ولائه للغرب بشكل كبير ، إذا لم يكن بشكل مطلق .
3- ( وهو المهم ) أن يجعل المنطقة في حالة لا توازن ، لأن التوازن يولد الاستقرار ، والاستقرار يولد التنمية والنهضة والنجاح والتطور .
والاجتماع الذي حصل هو لمنع النهضة لهذه المنطقة ، وتدميرها وإبقائها ضعيفة وخاوية ، ونتيجة للجهل وعدم الحرص على كيان الأمة لم تهتم قيادات الأمة الدينية أو السياسية أو الاجتماعية بمتابعة ومعرفة قرارات ذاك المؤتمر الذي عقد لتدميرنا ، بينما أهتم به اليهود بجدبة بالغة ، فقررا تشكيل وفد يهودي بقيادة ( حاييم وايزمن ) وذهبوا لبريطانيا أم المكائد والمصائد والدسائس ضدنا عبر التأريخ ، ليعرضون على رئيس الوزراء البريطاني أن يكون اليهود هم الجسم الغريب ، ولكن بشرط أن لا يتركونهم بأي مرحلة من المراحل ، وأن يكون دعم أصحاب المشروع لهم متواصلاً حتى يقوى عودهم ، فيما عاهد الوفد اليهودي أن يظل ولائهم للغرب ، على أن يؤدون دورهم المطلوب بتعطيل نهضة الأمة وتدميرها ، ولذلك نرى لغاية اليوم بأن جميع تلك الدول وبعدما التحقت بهم الولايات المتحدة الأمريكية بأن لا تسمح بهزيمة إسرائيل ، لأن هزيمتها تعني هزيمة المشروع الذي تم تأسيسه سنة 1907 .
بعد وضع الكيان الصهيوني في رقعة فلسطين ، وتوالي النكسات الحربية على العرب والمسلمين ، بدأ الصهاينة بالعمل الجاد مع البريطانيين وحلفائهم الآخرين من البدء بمشروع تخريب المشروع القومي العربي من جانب ، من خلال دعم الحركات الانفصالية ، بدعم مجاميع الأكراد بمناطق الشرق وخاصة بالعراق وسوريا ، ودعم البربر في الأقاليم العربية بشمال أفريقيا ، وتغذية الانفصاليين المنحدرين من جذور أفريقية متنوعة في ما يسمى ( سلة العالم ) السودان والقرن الأفريقي .
أنفتح التعاون الغربي على إيران كحليف إستراتيجي منافس للعرب لإدخاله بلعبة التخريب من خلال البوابة الدينية الطائفية ، فتم إنشاء مجاميع مسلحة بمنطقة ظفار ، وتأسيس منظمة تحمل الاسم نفسه ، لمقاتلة حركة السلاطين في المنطقة المطلة على بحر العرب والتي تسمى حالياً سلطنة عمان .
فيما تكفلت جهات خفية فارسية ، في التأسيس لتهيئة مرجعيات دينية تضع حداً لوجود مرجعيات دينية عربية كانت تنشط في مدينة النجف ، وفي منطقة جبل عامل بلبنان ، وحينما وجد أصحاب المشروع المشبوه أن المرجعيات الدينية العربية متماسكة ، وإن الحوزة الدينية بالنجف ، تحمل نفساً عربياً خالصاً يتناغم مع التوجهات القومية في لم الشمل ، والتي كانت تعتبر تلك المرجعيات إن قوة الإسلام بقوة العرب ، وقد تجسد ذلك بوضوح إثناء دعوة المرجعية الدينية بالفتوى الشهيرة في مقاومة الاحتلال البريطاني للعراق ، والذي بدأت طلائعه في بداية سنة 1917 وقد تتوج كل ذلك بثورة 1920 في منطقة جنوب العراق ، ومعركته الكبرى في منطقة
الفرات الأوسط ، تنبهت الصهيونية إلى أمر مهم ، وهو لابد من توسعت مشروعها ، ليتم تشكيل جهة دينية متطرفة تستند على أحاديث وروايات غير مؤكد ، وعلى رجال دين مرت بهم الأمة إثناء فترات ضعفها ، لتشكل جانباً يوازن الكفة الدينية الصلبة بالنجف ، كي يتحول الأمر فيما بعد إلى صراع طائفي داخل المنظومة الإسلامية نفسها ، فصنعت الوهابية من خلال مؤسسها محمد عبد الوهاب ، حينما داعب أصحاب العقول الضعيفة والجاهلة وحفز بداخلهم التطرف لضرب الدين من العمق ، وفي مقابل ذلك قد تم تهيئة مرجعيات دينية غير عربية ، تأتي للنجف وتتعمق بدراسة كافة العلوم الدينية الموجودة بالساحة ، لتحل فيما بعد بدلاً من المرجعيات العربية الأصيلة والغيورة بدينها وانتمائها ، وقد أمتد ذلك ليشمل الحركة الدينية القوية التي نشأت في جبل عامل بلبنان .
فتم التركيز على تهميش المراجع العرب قدر استطاعت أصحاب المشروع ، وحينما عجزت تلك المشاريع من خنق المرجعية العربية وعدم استجابتها للدخول والمشاركة بالمشروع المشبوه ، بدأت مرحلة التصفيات الجسدية للعديد من المراجع العرب ، وتم إنشاء حوزة دينية لتكون بديلة بالمستقبل في مدينة قم الإيرانية ، ولكن نتيجة العمق التاريخي الطويل لمدينة النجف واحتوائها على أصل العلوم الدينية ، ووجود ضريح الأمام علي ( ع ) قد أعطى قيمة ثابتة لبقاء المرجعية النجفية بمعانيها التدريسية والروحية المتنامية ، ولكن ذلك قد أساء لإيصال المشروع الصهيوني الغربي إلى مبتغاة ، فأصبح لزوماً أن تتم إخلاء الساحة النجفية إلى مرجعيات دينية قد تم تهيئتها عبر سنين من العمل والجهد الحثيث ، لتحتل مرجعية النجف ، وبعدما بلغت الثورة العلمية والتقنية بمجال الاتصالات والفضائيات مرحلة متقدمة ، فقد تم استخدام الأعلام بقوة ، لإخلاء الساحة الدينية وعدم التركيز على كلما هو عربي ينتمي لهذه الأمة ، وإبراز دوراً أو أدواراً لرجال الدين من غير العرب ، وخاصة من أصول فارسية بالتحديد ، لتكون هي تحت الأضواء والاهتمام ،كي تمسك زعامة الحوزة ، وتنفذ الأوامر التي تتلقاها من الجهة الخفية ، يقابل كل ذلك ، ظهور رجال دين في منطقة نجد والحجاز ، والتي تسمى اليوم السعودية قد تبنوا الفكر الوهابي الأصولي تحت رعاية بريطانية أمريكية صهيونية ، أنتجت لنا حركات مسلحة تتكلم باسم الدين والإسلام ، تعتمد التكفير والقتل منهجاً لها .
لقد صاحب جميع تلك التحضيرات في نهاية السبعينيات انحسار المد القومي العربي بسبب انهيار الجيوش العربية التي قاتلت الكيان الصهيوني كما حدث في سنة 1948 أو نكسة حزيران 1967 ، وفشل مشروع الوحدة العربية بين سوريا ومصر مما أدى إلى اهتزاز ثقة المثقف العربي بفكرة القومية كسفينة نجاة للأمة ، وبداية بروز حركات الإسلام السياسي بشكل أوضح لتحل محل المد القومي ، أو الفكر الشيوعي الذي مر بنكبات في أكثر من بلد عربي .
رجال الدين الوهابي في منطقة شبة جزيرة العرب والخليج العربي كانوا أداة طيعة لإصدار الفتاوى لمصلحة حكامهم ، وتبرير وجود قوات أجنبية من جنسيات متعددة ، تحت حجة الحماية ، بالوقت الذي كانت المدارس الدينية وبالتعاون المباشر مع أجهزة استخبارات أجنبية على رأسها مؤسسات بريطانية وأمريكية ، وبرعاية فكرية يهودية خالصة ، تم تأسيس منظمات أمنية وعسكرية ، وتم إشباع عناصرها بفكر ديني متطرف ، لاستخدام تلك المجاميع والتحكم فيها ، من أجل تدمير قوة الاتحاد السوفيتي ، مثلما حصل في أفغانستان ، وباكستان ، حينما أسس الأمريكان منظمة القاعدة ، بشكل حرفي .
فيما كانت الجارة إيران وبعدما تغيرت ألأوضاع السياسية في إيران وذهب الشاه محمد رضا بهلوي ، الذي كان يسمى شرطي الخليج ، وجاءت قيادة دينية بعمامة سوداء يقودها الخميني ، حينما خيرته الحكومة العراقية بعد أتفاق العراق وإيران الشهير بالجزائر من أجل حل مشكلة دعم المتمردين الأكراد ، وحل إشكالية حدود شط العرب ، بأن يظل مقيماً بالنجف من دون ممارسته للسياسة أو التصريح بها ، أو مغادرة العراق طوعياً .
أختار الرجل المغادرة ، وتوجه للكويت ، حيث تنتظره المخابرات الفرنسية والأمريكية ، التي قامت برعايته بما تتطلبه مرحلة المتغيرات السياسية التي تحصل بالمنطقة آنذاك ، وبعدها تم نقله إلى باريس ليقيم فيها ، حتى تم تهيئة الشارع الإيراني بشكل تام ، فقامت طائرة خاصة بنقل الشاه الإيراني محمد رضا بهلوي وعائلته إلى مصر ليختارها منفاه الأخير حيث مات فيها .
فيما قامت طائرة فرنسية خاصة بنقل الخميني من باريس إلى طهران لينزل زعيماً دينياً وسياسياً ، وتبدأ مرحلة جديدة في المنطقة يكون فيها قطبين متصارعين تحت لواء ديني يدغدغ نفوس البسطاء ، تحت عنوان كبير أسمه ( المد الشيعي نحو المنطقة العربية ، يقابله مد تكفيري يتكلم باسم السنة كذباً وتزويراً ) لتدخل المنطقة بنفق مظلم ، ويخف الضغط على الكيان الصهيوني ، كي يتحول الصراع إلى سني شيعي ، كي تصل الأمة لنسيان العدو الأساسي الكيان المغتصب الذي وضعه مؤتمر لندن سنة 1907 في أرض فلسطين.
مقالات اخرى للكاتب