مع تقادم السنين تولدت لدي قناعة - لعلك تشاطرني جانبا منها - تفيد بان معاناتنا اليوم بقضها وقضيضها من تكفير و ذبح وتنكيل وتشريد وتخوين تستند الى وقائع تاريخية وقعت في القرن الاول الهجري ( جزء منها في حياة الرسول -ص-" ). اكاد اجزم ان كل الذي يحدث اليوم يجد له مبررا شرعيا او تاريخيا في صفحات تاريخ الامس ، ومع هذا الجزم اتمادى الى جزم اخر فاقول اننا لا مخرج لنا من هذا المازق الذي سيفني العباد و البلاد الا من خلال نبش الامس و اخضاعه للمحاكمة يوما يوما بل وحدثا حدثا وواقعة وواقعة . بدءا اقول انني لم اجد تحريفا جرى على كلام الله كالذي حدث للاية الكريمة : " تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون " ولعل اتخاذ القران مهجورا ، هو اقرب الى الله من التطاول الذي يجري على سوء استخدام هذه الكريمة عن قصد . خطباء الضلالة يتحدثون لك عن تفاصيل مقرفة من تاريخ المسلمين الاوائل ولكن عندما تقترب النار من ابي سفيان وذريته الوضيعة "خلا الخالد معاوية بن يزيد" يقال لك : تلك امة قد خلت ... ولا تسالون عما كانوا يعملون . فيتوقف الجدال لان الاية القرانية حضرت وجهيزة تقطع قول كل خطيب . لا املك - و اظن غيري ايضا - وصفة سحرية لتجاوز هذا الانهيار الذي يخوض فيه "المسلمون" اليوم ، لكنني وبحدود تفكيري المتواضع ساتجرأ و ادعو الى تاسيس محكمة دولية من قضاة مرموقين لا تاخذهم في الحق لومة لائم شريطة الا يكون بينهم مسلم او متعاطف مع مسلم وان تكون قاعة المحكمة سفينة عائمة في مياه السويد الاقليمية . في هذه المحكمة الموقرة ينصب مدع عام و يقف امامه "گصّة بگصّة" محامو الدفاع عن جميع المسلمين الذين اسهموا بشكل او بآخر في رسم الحدث في السنوات المئين الاولى . ولان المحكمة لا تمت للمسلمين بصلة ولا هي على ارض منحازة فان جميع الشخصيات ستكون على حد سواء في حقوق المرافعة والدفاع . ولان النبي محمدا "ص" هو مؤسس الاسلام الحنيف فستكون قضيته الاولى ذات الملف الاكبر . اقترح ان يعرض قبل المرافعة فيلم على المحكمة يكشف تفاصيل ما جرى للمسلمين قبل وفاة الرسول "ص" بنصف ساعة و يمتد الى قرن من الزمن . شخصيا ، اجل ان يداني الخطأ صغيره او كبيره قلب محمد "ص" (فهو الذي تم معناه وصورته ... ثم اصطفاه حبيبا بارىء النسم - البوصيري ) . لكن الكثير من المسلمين يعتقدون ان محمدا لم يوص لمن بعده . فمن حق سائل ان يسأل : يا رسول الله ، كنت حين تبعث بسرية للقتال تنصب قائدا واربعة نواب ، فكيف لم توص بقائد يواصل مسيرتك من بعدك في ادارة شؤون الامة !!! والكثير من هذه الاسئلة التي سيكون الرد عليها من مسؤولية الدفاع . ثم بعد ذلك ياتي الدور على الخليفة الاول وملابسات تسلمه مقاليد الحكم و تفاصيل ما يسمى بحروب الردة و البطولة التي سطرها سيف الله المسلول خالد بن الوليد عندما غزا وذبح ونزا ... ثم الخليفة الثاني ليسال كيف تكون خلافته شرعية اذا كانت بتنصيب من خلافة وصفها هو بانها فلتة وقى الله شرها . ثم الثالث الذي في عهده ضربت اوتاد حكم الامويين . ثم الرابع الذي خاض ثلاث حروب داخلية مدمرة تدحرجت فيها الرؤوس و تطايرت الاذرع . فليساله متظلم : لماذا حاربت اقرب الصحابة و اوقفت الفتوحات وحجّمت الاسلام ... ماذا سيكون ردك يوم القيامة عندما تقف امام جبار السموات والارض فيسالك : لماذا كنت خصيما لامك ام المؤمنين وخصيما لخالك خال المؤمنين وخصيما لفئة متعبدة كانت جباه اعضائها كثفنات البعير من كثرة السجود . هاتوا الاصحاب واحدا بعد واحد ... طلحة ، الزبير ، ابا ذر و و و و وعمارا بن ياسر ... سلوه عن الفئة الباغية التي قتلته لنعرف من هو الحق ومن هو الباطل . فمعاوية يقول ان الذي اخرجه للحرب قتله ، فيما علي يقول : اذن النبي هو قاتل حمزة الذي اخرجه للقتال . حاكموا الامام الحسن على صلحه مع معاوية وسلوه اين صار العهد الذي وقعه الطرفان . اكشفوا عن ملابسات قتل الامام الحسن وهو السبط الاكبر الذي مات الرسول وهو يقبل شفتيه . حاكموا الحسين الذي خرج مع جيش جرار من النساء والاطفال مسلح باعتى الاسلحة ليواجه ولي الامر العابد الزاهد يزيد بن معاوية . وقولوا له قولا لينا : يا حسين ، انت قتلت بسيف جدك !!! هاتوا اخته زينب بضعة الزهراء وحاكموها على خطبتها التاريخية المتمردة التي كان علي بن ابي طالب يتجلى في كل كلمة من ذلك التفجر البلاغي الثاكل . هاتوا علي بن الحسين وحاكموه على كل صغيرة وكبيرة ارتكبها بحق اولياء الامور . واطلبوا منه ان يكشف لكم عن قفاه المزرقّ من حمل اكياس الاغاثة في جنح الظلام ... جيئوا بكل صناع تاريخ الامس وحاكموهم محاكمة عادلة محايدة ثم بعد ذلك نستمع لنطق المحكمة خاشعين . شريطة ان يرضخ كل مسلم يريد النجاة لتلك الاحكام ، مهما كانت ... هذا نموذج مصغر مبتسر لما سيجري غدا عندما تقوم الساعة فانظر لنفسك اليوم اين محلك منها . لان اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل . ومن ظن ان انسانا - كائنا من كان - كافيه يوم القيامة من عذاب يوم عظيم ، فذلك ظنُ سوءٍ بالله الذي لن يحاسبك على مقدار علمك بل على مقدار ما منحك من فرص للتعلم وكشف الحقائق ... فلا تهلك من اجل غيرك مهما كان ذلك الغير . اما والله ان هذه الدنيا اقصر من لمح البصر ، فاغنم تلك اللمحة و الا ....
مقالات اخرى للكاتب