اثبت الشعب المصري من جديد انه من اكثر شعوب المنطقة قوة ونضجا ، فقد امسك هذا الشعب العريق بمفتاح استقلاله وكرامته وخرج من عبودية الطواغيت ، ولن يستطيع أحد مصادرة هذا المفتاح من يده انه الحضور المليوني في الساحة وتشكيل موجة بشرية ساحقة ومرعبة ، انها ليست موجة عددية كمية فقط بل هي موجة نوعية تتمثل بوحدة الهدف الذي تجتمع حوله الملايين ، فالقوة المعنوية ليس في العدد الكبير الذي يشبه غثاء السيل بل بنوعية الفكر الذي يحرك تلك الحشود ، فكل فرد حضر في ميدان التحرير يعرف من هو وماذا يريد ، فتتشكل شخصية وطنية موحدة بهدفها ومصرة على تحقيقه . يقف وراء هذه الملايين حاميا ومؤازرا جيش عريق يحب بلده وشعبه ، جيش خال نسبيا من امراض الفساد المالي والاداري والاختراق الارهابي ، قيادته مهنية ونزيهة ولديها قدر من الشهامة والرجولة ، ومع ان مصر كانت من الدول المحكومة بالاستبداد لكن لا يعرف عن الجيش المصري انه كان اداة لقمع الشعب وسحق الثورات والانتفاضات ، وابادة شعبه بالاسلحة الكيمياوية او دفنهم احياء في مقابر جماعية ، ولا يدار هذا الجيش بضباط يحملون رتبا مزورة ، وليس فيه قادة يظهرون الولاء للدولة ويعملون سرا لصالح بلد آخر ضد بلدهم بمنتهى النذالة ، العسكري الشريف عملاق ذو قيم وليس قزما واطئا ، ولا هو جيش يحضر نصفه في المعسكرات ونصفه الآخر ينام في بيوته متسربا سرا ويعطي نصف راتبه لضباطه الفاسدين ، ولم يكن جيشا يبرم صفقات بالمليارات لاستيراد اسلحة من خردة الحروب السابقة ، لذا وقف اغلب ضباط وجنود هذا الجيش مع الشعب وليس مع حاكم رفضه الشعب وسحب شرعيته ، الوحدة بين الشعب والجيش هي التي تزيل رأس الهرم بأقل الخسائر . البعض يعتقد ان رحيل مرسي فشل للاسلاميين ، وهو قول فيه الكثير من الخلط ، انه ليس فشلا للاسلاميين بل فشل لمن استخدم الاسلام غطاء لبلوغ اهدافه ، وثبت ان هذا الجيل من الاخوان المسلمين راسبون في امتحان السلطة لانهم استسلموا للتيار التكفيري الذي اشتراهم بالاموال النفطية ، وبدأت رياح التكفير تدخل الى مؤسسة الأزهر المعتدلة من الابواب والشبابيك ، دينهم يباع ويشترى ، لذا فثورة مصر الثانية انتهت بعزل محمد مرسي واعتقاله لأنها ثورة رفض ضد الاحتلال التكفيري لمصر ، وهي في الوقت نفسه رد الهي واستجابة لدعاء ملايين المؤمنين المفجوعين بقتل الشيخ حسن شحاتة ، الشهيد الذي واجه هراوات قطيع من بهائم التكفير بيد خالية ، كان حقا على الله ان ينتصر له ، نسف دمه عرش مرسي وعروش من حوله من الاراذل والجلادين والخدم الجدد للنهج التكفيري ، اذا أحسن الجيش والشعب ادارة المرحلة المقبلة فسوف تكون مصر امام فجر جديد ولن نجد مرة أخرى من يترحم على نظام فاسد بعد ان ذاق مرارة من هم اشد قسوة وفسادا ، الشعوب الحية تبني جيشا شريفا وتصنع مستقبلا زاهرا وهكذا هي مصر .
مقالات اخرى للكاتب