عمّت البلاد مظاهرات شعبية في يوم الجمعة المصادف 31/7/2015 وهي تبشر بالخير, ففي الحركة بركة، كما يقول المثل العراقي. مظاهرات طالبت بالكهرباء، ولكنها طرحت في الوقت ذاته شعارات مهمة رفعت في العام 2011، شعارات تطالب بمحاربة الفساد السائد بالبلاد كلها دون استثناء، وكذا الإرهاب. وكرد فعل إيجابي من جانب رئيس مجلس الوزراء السيد حيدر العبادي، طرح يوم الاثنين ثلاث مسائل جوهرية في لقاء مع الشباب طالَبَ بها المتظاهرون الشباب على نحو خاص، وهي:
1. ملاحقة الفاسدين وتطبيق مبدأ "من أينَ لكَ هذا؟".
أرى بأن هذا المطلب يفترض أن يبدأً من رئيس الجمهورية ونوابه ومروراً برئيس الوزراء ونوابه وجميع الوزراء وكبار المسؤولين والمستشارين في السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، ومنها رئيس وأعضاء مجلس القضاء الأعلى، ورئيس وأعضاء شبكة الإعلام ومفوضية الانتخابات والبنك المركزي ...الخ. ويتواصل تطبيق ذلك على رؤساء المؤسسات والمدراء العامين وفي القوات المسلحة بمن فيهم من تقاعد أخيراً. على أن يمتد هذا ليشمل بالاتفاق مع رئاسة وحكومة الإقليم رئيس الإقليم ورئيس الحكومة والوزراء...الخ على أن يشمل حساباتهم في خارج البلاد، وعلى أن تتخذ الإجراءات الكفيلة بمحاسبة من يرفض الاستجابة لهذا المبدأ. ومن المفضل أن يصدر قانون ملزم بذلك. كما يتطلب تنفيذ قرار تقليص رواتب كل المسؤولين الذين صدر بهم قرار من رئيس الوزراء، سواء أوافقوا أم رفضوا ذلك. فالقرارات التي تصدر بهذا الشأن يجب أن تنفذ فوراً، وإلا فالناس لا تحترم مثل هذه القرارات حين يعجز عن تنفيذها على كبار المسؤولين. ولا يفترض أن يوافق رئيس الوزراء على رفض المسؤولين ذلك، والذي يرفض يتمرد على القرار ويجب محاسبته إضافة إلى تقليص راتاه، بل وإبعاده من المركز الذي يحتله ولا يستحقه.
2. تطبيق العدالة في توزيع الكهرباء بين الجميع وعدم التمييز بين الإنسان الفقير والغني أو الموظف الصغير والموظف الكبير. وهو ما دعا له رئيس الوزراء. وعلى أجهزة الدولة تنفيذ قرار الحكومة وليس التصدي له وإفشاله. ولكن لا بد من التحقيق المكثف والشفاف حول الأموال التي خصصت للطاقة الكهربائية وأين ذهبت ولماذا لم تنجز المشاريع. الناس متلهفون لمعرفة ذلك وهو حق عادل ومشروع.
3. الموقف من الشباب، من هؤلاء الذين تظاهروا يوم الجمعة كانوا من الشباب، وهم عماد العراق في المستقبل، وهم الذين يعانون اليوم من شتى صنوف الحرمان وفاقة الحياة الفكرية والثقافية والبطالة والفقر بسبب أولئك الدجالين الذين يدعون التشدد دينياً ويمارسون النهب والسلب لأموال الدولة التي هي أموال الشعب جهاراً نهارا وبكل وقاحة. ويمتلكون جيش جرار من المدافعين عنهم من المرتزقة البؤساء.
إن طرح هذا الموضوع في لقاء مع الشباب يسجل لصالح رئيس الوزراء، وهذا يعني أنه يطالب بتأييد الناس، وخاصة الشباب لإجراءاته ودعمه. ولهذا أيضاً لا بد من تنشيط الاحتجاجات ضد أولئك الذين يتربصون بالإجراءات الجديدة ويريدون رفضها والإطاحة بمن يحاول تأمين مستلزمات تحقيقها. إن المطالبة بتغيير الحال هو مطلب سياسي واقتصادي واجتماعي وبيئي ويمس مصالح الإنسان العراقي مباشرة، ولا بد من تكثيفها ومواجهة أولئك الذين يتآمرون على المتظاهرين كما تأمروا على مظاهرات الجماهير في العام 2011 في فترة حكم المستبد بأمره نوري المالكي. ولكن السؤال المهم الذي يواجه رئيس مجلس الوزراء يتلخص بما يلي: أين يجب أن يبدأ التغيير؟ أرى ضرورة البدء بإعادة تشكيل مجلس الوزراء بما يسهم في وضع المواطن المناسب في الوزارة المناسبة لكي تنجز المهمات وليس على الأساس الطائفي المقيت الراهن؟ فهل هو قادر على ذلك؟ إنه التحدي الذي يتطلبه وضع العراق الراهن وسيجد التأييد من أكثر من 90 % من بنات وأبناء الشعب العراقي، رغم الصراخ الذي سيرتفع من كبار المسؤولين الطائفيين المستفيدين من شيعة وسنة.
لقد تعلم الكثير من كبار موظفي الدولة العيش على السحت الحرام، على الرشوة من الحكومة ومن الناس المساكين أصحاب الحاجة لتمشية قضاياهم اليومية، أو من المقاولين الأغنياء للحصول عل مقاولات مجزية أو من العقود الخارجية وعقود السلاح واتفاقيات النفط في كل العراق، بما في ذلك إقليم كردستان العراق ... الخ. ولهذا سيقاومون أي أجراء في هذا الصدد، ولكن هل نتركهم يواصلون تكريس الفساد ومن ثم الإرهاب بالعراق، وهما وجهان لعملة واحدة.
لقد مارس المسؤولون الكبار بمدينتي البصرة وكربلاء إجراءات قمعية بحق المتظاهرين المطالبين بالكهرباء وضد الفساد. ويبدو أن المليشيات الطائفية المسلحة بالبصرة، التي بلغ تعدادها 6000 ميليشياوي طائفي مسلح، حسب قول السيد وائل عبد اللطيف، بأنهم من ميليشيات المجلس الإسلامي الأعلى بالعراق، والذي يترأسه السيد عمار الحكيم، فهل هذا واجب هذه المليشيات التي يفترض أن لا تكون موجودة أصلاً، رغم إنه لم يعترض على وجودها بل اعترض على كون مهمتها ليست بالبصرة بل في غرب العراق، أي لمقاومة داعش. والغريب أن هذه المليشيات السيئة الصيت، كبقية المليشيات بالعراق، قد اتهمت المتظاهرين بأنهم داعشيون!!!، على حد قول السيد وائل عبد اللطيف نفسه المسجل في شريط فيديو بث قبل يوم واحد ووصلني عبر البريد الإلكتروني،
إن السكوت عن المتجاوزين على أموال العراق وعن المسؤولين الذين تسببوا بالكوارث المرعبة للشعب العراق أو حتى منحهم مواقع أخرى في الدولة العراقية بذريعة المحاصصة الطائفية لن يساعد بأي حال تغيير الوضع بالبلاد وتحقيق حلم الإنسان العراقي بالعيش بأمن وسلام واطمئنان وكرامة. وسيبقى الطائفيون الحاقدون ووعاظ السلاطين والمدافعون، كمرتزقة، عن المتهمين بارتكاب أبشع الجرائم بحق الشعب العراقي يشتمون من يتصدى لعدد كبير من هؤلاء الذين حكموا العراق وأساءوا له وتسببوا بكوارث الموصل ونينوى والأنبار وغيرها في مناطق مختلفة من العراق وهم الذين يتآمرون اليوم على ما يمكن أن يدفع بالعراق ولو قليلاً إلى أمام.
إنها محنة رئيس الوزراء فهل هو قادر على تذليل الصعاب جدياً والخروج سالماً من معركة يريدون فرضها عليه ولن يستسلموا لفقدان مكاسبهم التي جاءت على حساب الشعب المستباح. عدم المبادرة الجريئة والبطء في اتخاذ الإجراءات وتعيين عناصر مماثلة لهم في أجهزة الدولة لن يغير من الوضع بل يدفع به إلى الوراء. وأخيراً نقول بأن الدولة العراقية مبتلاة بفساد كبار المسؤولين الذين احتلوا المناصب العليا في السلطات الثلاث، وعلى من يريد مكافحة الفساد والإرهاب عليه البدء بكبار المسؤولين فهم رأس السمكة المتعفن، وهم الفئة الرثة بالمعنى الشعبي. إنه قادر على أن يجدهم في الرئاسات الثلاث أولاً وقبل كل شيء. وكما قيل قديماً فتشوا عنهم تجدوهم! تذكروا معي أغنية الفقيدة عفيفة اسكندر حين غنت بصوتها الجميل أغنية من أينَ لكَ هذا:
مِنْ أينَ لكَ هذا؟ هذا من فضلٍ ربي!/ مِن أينَ لكَ هذا؟ هذا مجهودي وتعبي!، متُگلي! من أينَ لكَ هذا؟!.
مقالات اخرى للكاتب