رغم توقف القتال والمواجهة العسكرية في قطاع غزة إلا أن الحرب لم تضع أوزارها بعد ، والتهديدات الإسرائيلية بشن عدوان جديد على شعبنا الفلسطيني ، وضد حركة المقاومة الفلسطينية في غزة لا تزال قائمة وتتزايد يوماً بعد يوم .
لقد شنت إسرائيل حربها العدوانية على غزة بهدف خلق وقائع جديدة على الأرض ، وتحقيق جملة من الأهداف السياسية والعسكرية ، من ضمنها كسر إرادة التحرر لدى شعبنا الفلسطيني ودفعه للاستسلام ، وتصفية المقاومة الفلسطينية بكل قياداتها وأجنحتها وتشكيلاتها وفصائلها المختلفة ، ومحو قضية شعبنا الوطنية عن الخريطة السياسية ، وتحقيق "حلم" "كي الوعي الجماعي الفلسطيني " ، الذي دعا إليه رئيس أركان الاحتلال سابقاً موشيه يعلون .
وفي الحقيقة والواقع أن إسرائيل لم تحقق أيّاً من أهداف حربها الإجرامية البهيمية على غزة ، التي استخدمت خلالها كل إمكاناتها الحربية البرية والبحرية والجوية ولم تنس شيئاً ، وتجاوزت الحرمات كلها ، فاستهدفت المساجد والمستشفيات والجامعات والمدارس التابعة لوكالة الغوث (الأنروا ) ، ونفذت جرائم الإبادة الجماعية بحق المدنيين الفلسطينيين العزل . وما ميز غاراتها الهمجية الإبادية هو أسلوب القوة والبطش والقتل واقتراف الجرائم والمذابح ضد الإنسانية .
ومن نافل القول ، ان السبب الأساسي لهذه الحرب هو الانتقام من الفلسطينيين إثر عودة غزة للعمق الفلسطيني مع بدء تنفيذ اتفاق المصالحة وبدء تشكيل حكومة وفاق وطني ، وضرب الوحدة الوطنية الفلسطينية ، وتكريس الانقسام على الساحة الفلسطينية .
وأمام العدوان الإسرائيلي الشرس والمجنون فقد صمدت المقاومة الفلسطيني واحداً وخمسين يوماً ، وأثبتت غزة ، عروس الدم ، التي جربت العدوان أكثر من مرة ، وتعودت على النار وهدير المدافع ، إنها تجيد المقاومة والتحدي والصمود والمجابهة والدفاع عن النفس وإشعال البراكين تحت أقدام الغزاة المحتلين وإطفاء لهيب المعركة بأجساد أبنائها وشهدائها ، فانتصر الدم على السيف، وانتصرتعزة في المعركة ، رغم فداحة الخسائر والدمار الهائل وسقوط الكم الكبير من الشهداء .
لقد كشفت هذه الحرب تواطؤ وتآمر أنظمة الصمت والذل والانكسار والهزيمة والخيانة التي وقفت مع العدوان ، وعرت ما يسمى ب"الجامعة العربية" التي لم تفعل شيئاً ووقفت تتفرج على ذبح الفلسطينيين . كذلك عمقت العزلة الدولية لإسرائيل وزادت حجم الأزمة السياسية فيها ، وأظهرت مدى التفاعل والتلاحم بين المقاومة والحاضنة الشعبية ، ووضعت القضية الفلسطينية على مصاف الأحداث العالمية ، وأحدثت تحولاً سياسياً في أوساط الرأي العالمي وجد تعبيراً له في المظاهرات الاحتجاجية في عدد من مدن العالم وسحب السفراء من إسرائيل ، نصرة لغزة وفلسطين وإدانة للنهج العدواني الإسرائيلي والغطرسة الإسرائيلية .
ولا شك أن السياسة الإسرائيلية القائمة على القهر والظلم والاحتلال والاستيطان والتنكر للحق الفلسطيني ، لن تجلب الأمن والاستقرار السياسي والاقتصادي والمعيشي والراحة النفسية للشعب الإسرائيلي ، بل تعمق الكراهية والتطرف والعداء المتواصل .
إن المشهد الغزي الحالي هو مشهد جديد لم تعتد عليه المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة ، وسيظل خطر الحرب قائم ما لم يستفد قادة وحكام إسرائيل من تجربة ودروس الحروب ، والجنوح للسلم وتغيير سياستهم العدوانية والاستيطانية والاعتراف بحقوق شعبنا الفلسطيني بإقامة دولتهم الحرة المستقلة على التراب الوطني في حدود الرابع من حزيران العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية .
لقد سقط الخيار العسكري وفشل في تحقيق أهدافه ، والحل الوحيد للصراع القائم بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي فقط هو الحل السياسي الذي يجلب السلام ويحقق الأمن والاستقرار في المنطقة .