لقد ولدنا لنكون متفائلين بدلا من ان نكون واقعيين ، توضح لنا عالمة الاعصاب (تالي شاروت )ان ادمغتنا تتوق الى الجانب المشرق من الحياة و تقول ” نحن متفاؤلون اكثر مما نحن واقعيون ولكننا غافلون عن الحقيقة ” وتضرب مثال على الزواج فتقول ” في العالم الغربي تصل نسبة الطلاق الى اربعين بالمئة ولكن عندما تسأل الازواج حديثي العهد عن امكانية طلاقهم فانهم يقدرونه بنسبة صفر بالمئة “.
وتقول ًان هناك ثلاثة من كل اربعة بريطانيين متفائلون بمستقبل عائلتهم و هذه مسألة جدا مهمة لاننا متفائلون بخصوص انفسنا واطفالنا وعائلاتنا ولكننا لسنا متفائلين بخصوص الاخريين وحتى متشائميين بعض الشئ بخصوص مواطيننا و مصير البلد وهذا ما يجعل الكثير يدخن رغم علمه بمخاطر و مضار التدخين فهو يعتقد ان غيره سوف يصاب بتلك الامراض ، لكن التفاؤل الفردي والشخصي يبقى راسخاً”. وتقول الباحثة شاروت ” ان معظمنا يصنف نفسه فوق المعدل وهذا مستحيل احصائياً ولكن اذا اعتقد كل شخص انه افضل من الآخريين فانه سيكون هناك تنافس جيد واستمرارية في الحياة الافضل .”وتتسائل ‘ شاروت’ هل ذلك في صالحنا وتقول ان البعض يظن ان سر السعادة في التوقعات المتواضعة ؟، وتقول انهم يقولون انه اذا توقعنا الاشياء السيئة فانها لن يخيب املنا اذا لم تحصل هذه الاشياء ؟او نتفاجأ ونسر بحدوثها وعندها نكون سعداء ، ولكن هذه النظرية هي جدا خاطئة ولعدة اسباب وهي ان اصحاب التوقعات العالية هم اكثر ارتياحاً لان ما نشعر به يعتمد على كيفية تفسيرنا لذلك الحدث وفي تجربة قام بها عالما النفس ( مارشال وبراون) على طلاب ذووي توقعات عالية و منخفضة فوجد انه عندما ينجح الطلاب ذووي التوقعات العالية فانهم ينسبون النجاح الى صفاتهم الفردية وذلك شيء جيد اما اذا اخفقوا فانهم سيبلون حسنا في المرة القادمة ، وذلك عكس الطلاب ذووي التوقعات المنخفضة فاذا اخفقوا فان ذلك بسبب غبائهم واذا نجحوا فيقولون ان ذلك صدفة وانه في المرة القادمة سيستدركهم الواقع ولذلك يستاء شعورهم. اما السبب الاخر وهو بغض النظر عما تصير اليه النتائج فانه مجرد الترقب يجعلنا سعداء وخلال تحربة سأل من خلالها عالم السلوك الاقتصاد ( جورج لوفينستين) سال طلابه كم من المال سيدفعون مقابل متعة معينة وستحصلون عليها فورا او خلال ثلاث ساعات او اربعة وعشرين ساعة او خلال ثلاثة ايام او بعد سنة او عشرة سنين ؟ ، فوجد انهم مستعدين لدفع اكبر قدر من المال لا للحصول على المتعة حالاً لكن للحصول عليها بعد ( ثلاثة ايام ) لقد دفعوا اكثر حتى ينتظروا ولقد بدا ان ثلاثة ايام هي (القدر الامثل للمتعة ) ، والسبب هو ارادوا ان يكون هناك ترقب ونشوة من الانتظار فجعلهم الاستباق سعداء فالمتفائلون اناس يتطلعون الى متعة اكثر في مستقبل قريب ويدعم ذلك الاستباق راحتهم النفسية وفي الحقيقة من دون الميل الى التفاؤل يعترينا شيء من الاحباط والاشخاص الذين لديهم احباط معتدل ليس لديهم اي ميل عندما يتطلعون الى المستقبل هم اشخاص واقعيون اكثر منهم ذوي سلوك صحي لكن الاشخاص الذين لديهم احباط وتشاؤم شديد يملكون ميلاً للتشاؤم فهم يميلون لتوقع مستقبل اسوأ مما يحصل في نهاية المطاف فالتشاؤم يغير الواقع الذاتي و الواقع الموضوعي تعمل وكأنها رؤيا تحققت فعلاً وهذا السبب الآخر الذي لا يجعل تقليل التوقعات سعيدا فقد بينت التجارب ان التفاؤل لا يرتبط بالنجاح فقط بل انه يقود الى النجاح .وقد تكون الفائدة الاكثر مفاجأة هي الصحة فاذا توقعنا المستقبل براقاً يقل التوتر والقلق و مجملا للتفاؤل الكثير من الفوائد والسؤال كيف نبقي التفاؤل في مواجهة الواقع ونتساءل هل يغير الناس معتقداتهم اذا اخذوا بنظر الاعتبار المعلومة التي نعطيهم اياها وفعلا قاموا بذلك وما يعنيه ذلك ان اشارات محذرة قد يكون اثرها محدوداً جداً واردنا ان نعرف ما يدور في الذهن البشري ويمنعه من الاخذ بالاشارات المحذرة شخصياً ولكن بنفس الوقت التوقعات الجيدة تكون عالية ومن اجل استبيان ذلك فقد قمنا بالتصوير الوظيفي بالرنين المغناطيسي بتجربة لمعرفة مناطق الدماغ التي تسجيب للمعلومات الايجابية و هي منطقة (التلفيف الجبهي السفلي الايسر) فمثلا اذا قلنا ان اصابة احد ما بالسرطان عالية وقلنا هناك اخبار سارة نسبة الاصابة اقل ستستجيب هذه المنطقة من الدماغ بشدة وهي متساوية لكل الاشخاص على حد سواء ، اما الذي يستجيب للاخبار السيئة والسلبية فهو التليف الجبهي السفلي الايمن والذي لم يكن يؤدي مهمته بشكل جيد كلما كنت اكثر تفاؤلا كلما قل احتمال ان تقوم هذه المنطقة للاستجابة للاخبار السلبية غير المتوقعة وان تعطل عمل الدماغ عن التقاط الاخبار السيئة المتعلقة بالمستقبل ستدع احلامك الوردية تخطر عليك بانتظام ،واردنا ان نعرف هل يمكننا تغيير ميل الانسان الى التفاؤل بالتدخل بنشاط تلك المنطقة؟ ولقد قمنابذلك بتمرير( نبض مغناطيسي )عبر جمجمة المشاركين بالتجربة نحو تلفيفهم الجبهي السفلي فهو يتدخل بنشاط تلك المنطقة من الدماغ لمدة نصف ساعة للتاثير على تلك المناطق السفلية في الدماغ فاذا تدخلنا في المنطقة التي تختبر الاخبار السيئة يرتفع مقدار الميل للتفاؤل اكثر ، اما اذا تدخلنا في المنطقة التي تختبر الاخبار الجيدة في الدّماغ يختفي الميل للتفاؤل ، اي اننا تمكنا من اقصاء ميل انساني متجذر و نسأل انفسنا انرغب في انتزاع ميل الناس الى التفاؤل ؟ ، وهذه هي مزايا الميل للتفاؤل ولكن ايضاً له عيوب لا نتجاهلها فالتفاؤل غير الواقعي يؤدي الى سلوك متهور والميل للتفاؤل المفرط قد يؤدي الى نتائج خاطئة عديدة ايضاً وما نريد فعله حقيقة هو حماية انفسنا من مخاطر التفاؤل المفرط وفي نفس الوقت نبقى متفائلين فنستفيد من ثمرات تفاؤل العديدة و نحمي انفسنا من التفاؤل غير الواقعي لكن نبقي على آمالنا في نفس الوقت .”قوم ثمود قوم متشاؤمون فقد كانو يستعجلون السيئة قبل الحسنة و كانوا يطيرون برسولهم و من معه كما ذكرت الايات (46) و(47) من سورة النمل ، كما ذكرت الاية (65) من سورة (هود ) مدة ثلاثة ايام من الترقب و ذكرت كلمة ( تمتعوا) لعلاقة ذلك بالانتظار لمدة ثلاثة ايام و هي المدة المثلى للترقب والذي كان يعيشونه قوم ثمود على امل النجاة بعد ان اصبحوا (نادمين ) كما ذكرت الاية (157) من سورة الشعراء . اذا ميلنا للتشاؤم يقود لقررات خاطئة في الحياة لذلك يجب التواز بين التشاؤم والتفتاؤل.
مقالات اخرى للكاتب