لم يتعلم السيد المالكي من أخطاء غيره من حكام المنطقة، أن الدعم الدولي يخضع لمتغيرات ومستجدات، وأن الدول لا تقايض مصالحها الستراتيجية بأشخاص، وأن خير دفاع عن الحاكم ينبغي أن ينبع من الداخل ولا يأتي "مبستراً" من دول الخارج.
كان بمقدور السيد المالكي أن يحفظ ماء وجهه بالامتناع عن الزيارة، ولاسيما ان الولايات المتحدة رفضت أكثر من مرة طلبات منه بزيارتها ، لكنه ظل يعاود الطلب بإلحاح استمر عدة أشهر، مما يثبت مرة أخرى قصر نظره وسوء قراءته للمستجدات المحلية والدولية، ولاسيما التقارب الإيراني الأمريكي، بعد ان استفاد السيد المالكي من الخلاف بينهما للبقاء في سدة الحكم في السابق.
السيد المالكي ذهب إلى واشنطن هذه المرة وهو مثقل بالأخطاء والخطايا، فقد نسف اتفاقية أربيل التي تشكلت حكومته استنادا إليها، وأنهى كل الجهود لتحقيق المصالحة بين أبناء الوطن الواحد، ورفض أن تكون المشاركة الوطنية ذات معنى حقيقي، وفتح المجال البري والجوي لمرور الأسلحة لدعم النظام السوري، وضرب الصحوات، واستهدف المعارضين والخصوم السياسيين، وتمدد على القضاء والبنك المركزي وإعلام الدولة، ورفض تعيين وزراء للدفاع والداخلية ومسؤولين للأمن والمخابرات، بل راح يضع تشكيلات جديدة غير دستورية مثل قوات سوات وأجهزة العمليات التي تقتل المواطنين بلا رادع. وبدلاً من الاعتراف بالأخطاء، وتحمل المسؤولية بشجاعة، راح يوزع التهم على الخصوم السياسيين الذين كانوا حتى الأمس القريب حلفاءه في العملية السياسية. وبعد ان فعل المالكي هذا كله طار إلى واشنطن متوقعاً أن يستقبله حلفاء الأمس استقبال الأبطال!
ملف الإرهاب الذي حمله المالكي ضمن صفقة ظاهرها شراء أسلحة وحقيقتها دعمه لدورة ثالثة في رئاسة الحكومة كان رهاناً غير موفق، وطلب شراء طائرات أباتشي وأخرى بلا طيار يعكس غياب الرؤى والسياسات اللازمة للاستقرار. فالعراق الذي يعاني من تمدد رقعة الجرائم التي تمارسها القاعدة، بحاجة إلى سياسة توحد الصفوف، وتضع حداً للفساد داخل الأجهزة الأمنية بما يسهل على الجماعات الإرهابية أن تدخل إلى السجون لإطلاق عناصرها المحبوسة، وأن تفجّر المدنيين وتعبث بالأمن والاستقرار. أما الأسلحة المتطورة التي طلبها السيد المالكي فالأرجح أنها ستستخدم في ضرب الخصوم السياسيين وعموم المواطنين المحتجين على سياسات الحكومة الخاطئة وغير الملبية لاحتياجات الشعب وطموحاته. وعمليات تهريب السجناء من السجون، وعملية "ثأر الشهداء" التي لحقتها، بل وقتل مدرب كرة القدم في محافظة كربلاء بأيدي قوات سوات، خير دليل على "شجاعة" قوات المالكي في ضرب المواطنين، وضعفها في مواجهة الإرهاب.
إن كلفة زيارة المالكي للولايات المتحدة تعادل مجموع الرواتب التقاعدية لجميع أعضاء مجلس النواب لخمس سنوات حسبما نشرته بعض المواقع. وهو مع ذلك فإن هذا النشر تصرف صائب جاء في محله لتذكير البعض (ولا أقصد المحكمة الاتحادية أبداً) بأن التداول السلمي للسلطة هو أحد أبرز معالم الديمقراطية، وأن الزمن دوار، وأنها لو بقيت لغيره ما آلت إليه، عل ضمير (البعض) يستفز احتراماً للدستور وإرادة المواطنين، والتوقف عن محاباة الجاه الزائل والسلطة التي تقوم على بطولات الابن المدلل.
فاز العراق فوزاً صغيراً حينما أقرّ بعض حلفاء السيد المالكي ما اكدنا عليه دوما بأن العراق أكبر من المالكي أو أي شخص يحاول ابتلاع العراق بسياسات فاشلة، واعترفوا ضمنياً بانه لم يحقق ما وعد به، ولم يلتزم بكلمته مع حلفائه في العملية السياسية ومع المجتمع الدولي، ولم يكن قادراً خلال ثمانية أعوام على إدارة بلد شديد التعقيد وكثير الموارد مثل العراق. ونحن بانتظار موقف إيراني يشبه الموقف الأمريكي. أما النصر الأكبر فسيكون يوم الانتخابات حينما تخرج جموع الناس لانتخاب من يمثلهم، وتتشكل حكومة قادرة على جمع الناس بدلاً عن تفريقهم.