على الرغمِ من أنَّ التفجيرات التي تحدث في لبنان منْ وقتٍ لآخر لاتعادل ولا توازي مثيلاتها او مرادفاتها في العراق حتى بنسبة واحد × عشرات او مئات الآلاف , إلاّ أنَّ هنالك قواسماً معظمها غير مشتركه بين كلا الأثنين , كما وبالرغمِ من أنّ حالة تفجيرِ مركبةٍ مفخخه في لبنان هي حالةٌ نادرة الوقوع , وأنها في العراق دائمة الحدوث , وانَّ أيَّ تفجيرٍ سبقَ وأنْ حدثَ في لبنان فإنما يستهدف شخصيّةً سياسيةً بارزةً ما او في منطقة خاصه محسوبة على جهةٍ سياسيةٍ ما " بغضّ النظر عن الضحايا المدنيين الذين يتساقطون جرّاء الأنفجار " , بينما ما يحدث في العراق لا يقتصر على عجلةٍ واحدة فحسب وإنما مجموعة من السيارات المفخخه موزّعة في مناطق مختلفه وتنفجر في وقتٍ واحد , وطالما تكون في عدة محافظاتٍ ومدن في ذات الوقت , وتستهدف قتل اكبر عددٍ من الأشخاص عدا العبوات اللاصقه التي تستهدف اشخاص بعينهم من مدنيين وضبّاط جيش وشرطه , وبجانب الأغتيالات التي تنفذها الميليشيات بأسلحةٍ كاتمه للصوت او غير كاتمة . ما هو مهمٌّ في كلِّ ذلك هو كيفية التعاطي وطرق التعامل الرسمي بعد ايّ تفجيرٍ يحدث في ايٍّ من البلدين , ففي القطر اللبناني نلحظ انَّ كلّ مفاصل الدولة والأحزاب السياسيه تنهمك وبتفاعلٍ ملحوظ مع تداعيات اية عملية تفجيرٍ تحدث وعلى مدى ايّامٍ بعد وقوع الحدث , ثمّ ينعقد مجلس الدفاع الأعلى بغية الإحاطة بحيثيات وتداعيات العملية التفجيريه " وبقدر ما أنَّ ذلك موضع تقييم وتقدير , فأنه يشكّل مدعاةَ إستغرابٍ طريفه للعراقيين حين حدوثِ حالةٍ مماثله ومجسّمه ومضاعفه بعشرات الأضعاف في بلدهم , حيث يمرُّ حدوث اية سلسلةٍ من التفجيرات وكأنه شيئاً لمْ يكن , ويكتفون بتصريحٍٍ لناطقٍ عسكريّ يوجز وصف الحدث مع تقليلٍ للخسائرِ في الأرواح الى ما دون الحد الأنى .! , وفي موازاة ذلك , ففي لبنان , وعند حدوثِ هكذا عملية , فمن الملاحظ أنه وبعد مرورِ فترةٍ ليست بطويلة على وقوع ايّ انفجار " وهي فترةٌ للتأمل والدراسه والتحقّق الأوّلي , فأنه متاحٌ لأيٍّ من الفرقاء والأحزاب السياسية بتوجيه اصابع الإتهام للجهة التي تتصوّرها انها تقف خلف ذلك , بينما في جمهورية العراق , وما ان تكادُ تمرُّ دقائقٌ على عمليةٍ تفجيريةٍ ما , فسرعان ما يعلن ناطقٌ عسكريٌّ بأن بصمات الحدث تشير الى تنظيم القاعدة او مشتقاته , " ومن دونِ تبرئة القاعدة او داعش من فعل ذلك او مما هو اسوأ منه " بالطبع , فأنه غير متاحٍ لأيّ جهةٍ سياسية بالأعلان عن اتهامها لأيّ تنظيمٍ سياسيّ بالوقوف خلف التفجير على غير ما اعلنه الناطق العسكري للدوله .! وضمن حريّة الإعلام المُنصوص عليها في الدستور .!! , والى ذلك ايضا , وعبرَ المتابعه الفنية لما يعقب ايّ عملية تفجير , فأنّ الأجهزة اللبنانيه" وكما غيرها في دول العالم " تقوم بتطويق مكان الأنفجار وتبدأ بالتحرّي والبحث عن ايٍّ من اجزاء العجلة المتفجره وشظاياها " وخصوصا رقم شاصي العجلة الذي يصعب انصهاره في التفجير " وكذلك إجراء التحريات الفنيه للتعرف على المواد المستخدمه بجانب ما يتبقّى من الأجزاء المتناثره ومحاولة ايجاد ما يمكن الأستفادة منه في التحقيق , وذلك بغية التوصّل الى عائدية السيارة ومصدرها , وكلّ هذا هو عكس ما يجري في العراق تقريبا , إذ ما ان يجري اطفاء النيران فسرعان ما يقوم الأهالي بتنظيف المكان الذي تنفجر فيه المفخخات وازالة الأنقاض المتناثرة , حيث تزال اية آثار محتملة يمكن الأستفادة منها لأغراض التحقيق الجنائي ... إنَّ النقطة الأكثر الفاتاً للنظر عند معاينة ومقارنة والتأمّل بين التعاطي والتعامل عند حدوث ايّ عملياتٍ تفجيريه بين لبنان والعراق , هي > التغطية الإعلامية < .!!! فالملاحَظ أنَّ القنوات الفضائية العربية تشرع بالنقل والبث المباشر من المكان الذي يقع فيه ايّ انفجارٍ في لبنان وعلى مدى ساعاتٍ طوال , وتنقل التصريحات عن اطراف مختلفه سواءً عن مسؤولين رسميين او قادة امنيين وسياسيين من احزابٍ مختلفه , ومحاورة مراسلو الفضائيات لذوي العلاقه , بجانب النقل الحي لبعض الفضائيات المحلية اللبنانية لمنطقة الحدث , وهذه التغطيه الإعلامية سواءً العربية " كقناة الجزيرة والعربيه وغيرها " اوالفضائيات والصحافة اللبنانية تجعل بالفعل المشاهد والمستمع العربي في حالة تفاعل مع ما يحدث على الساحه اللبنانية , وهو أمرٌ ايجابي للغاية ولربما يتطلّب ما هو اكثر من ذلك , لكنه في العراق - المسرح المجسّم ذو الأربعة أبعاد , وبما يقدّمه من عروضٍ ميدانيةٍ للتفجيرات عبر المفخخات والعبوات الناسفة وعلى نحوٍ مستمر فأنَّ احداثه الدرامية في الرعب والميلودراميه في قتلِ اكبرَ عددٍ من البشر , فأنها تمرُّ مرور الكرام وحتى اسرع من ذلك في التغطية الإعلامية العربية .! وبمختلف قنواتها الفضائية ووسائل إعلامها الاخرى , كما يشمل ذلك حتى وسائل الإعلام العراقية المحليه .!! ولا ريبَ أنّ ذلك يدعو للتأمّل والتوقّف وعبر اكثر من زاوية .! ولعلّ اولى علامات التوقفِ والتعجّبِ تجاه ذلك هو التساؤل بحدّ ذاته : - هل أنَّ التكرار المستمر والكثرة المتصاعدة لأرقام وأعداد التفجيرات والى حد الملل " قد " يبرّر او يُسوّغ المرورَ سريعاً او بتسرّعٍ في التغطية الإعلامية لأحداث العراق التفجيريه سواءً على الصعيد العربي او حتى على صعيدٍ عراقيٍّ محلّي .!؟ أمّا اذا ما ظنَّ البعض أنَّ ذلك هو اقرب الأسباب للتجاهل النسبي الإعلامي فأنه الخطأ بأُمِّ عينيه , وذلك ليسَ بصائبٍ وفق كلّ اعتبارات عِلم الإعلام وغيره ايضا , فالتفجير هو تفجير حيثما واينما كان , والضحايا والجرحى هم انفسهم اينما وحيثما كانوا سواءً في هذا البلد العربي او غيره , والمسألة انسانية قبل كلّ شيء , والإعلام ينبغي ان يغدو منصفا في تغطياته , وهذا مُوَجَّه الى الإعلام العربي الرئيسي بالدرجة الأولى , أما اذا كانت قنواتٌ ووسائلُ إعلامٍ لا تكترث لقيمة المواطن في قتله - عمدا او عشوائيا - فهذا حديثٌ آخرٌ .! وبهذا الصدد فأننا نشيد حقّا بالأهتمام والجهد الذي تبذله الفضائيات اللبنانية في تغطياتها الأخبارية عند وقوع اية حادثه من هذا النوع , مع اشادةٍ اخرى للأجهزة اللبنانية في منحها حريّة الحركة لوسائل العلام المحلية داخل منطقة الحدث . . وبالعودةِ لما يمكن ان تُسوّغه ادارات الإعلام العربي في التمايز في التغطية الاعلامية بين العراق ولبنان فنقول : صحيحٌ انَّ القطر اللبناني هو دولة مواجهة مع اسرائيل , كما ويسيطر على حدوده معها حزب الله والذي يفرض نفسه على الساحه اللبنانية بثقله وبحجم تسليحه , وايضاً منً الصواب القول أنَّ لبنان يُمثّل الواجهة الحضاريةالعربية أمام المجتمع الدولي , وأنّه يُجسّم ويُجسّد ذلك عبرَ بوابته السياحيه الواسعه اقليميا وعالميا , لكنّ العراق الأكثر نفوسا والأوسع مساحةً وبما يتمتع به من ثُقلٍ نفطي وإرث سياسي ,فكان جديرا ان يتساوى في التغطية الإعلامية العربية وإظهار ما يتعرّض له شعبه من الأرهاب الغامض المتعدد الأوجه , ولعلّ افرازات الأحتلال الأمريكي والسياسة الخارجية التي ينتهجها العراق تجاه محيطه العربي , قد انعكست سلباً في التعامل العربي تجاه الشأن العراقي , ومع التمنيات الطيبه أن لا يكون ذلك هو السبب , فالعراقيون - على الأقل - شاركوا بفاعلية في كافة الحروب العربية مع اسرائيل , وتوزعوا في مختلف جبهات المقاومة الفلسطينية , ودعموا حركات التحرر العربية في اواسط القرن الماضي , بالأضافة لما قدّمه العراق من مساعدات لكثيرٍ من البلدان العربيه , فرفقاً يا اباطرة الإعلام العربي بشعب العراق , فحركة ما يُسمى بالربيع او الخريف العربي قد تطالُ مَنْ يهيمنون على البث الفضائي العربي ووسائل الإعلام الأخرى ..
مقالات اخرى للكاتب