بطلب من الحكومة العراقية تواصل اميركا وبعض اصدقائها في حلف شمال الاطلسي (الناتو) ارسال وجبات المستشارين والخبراء بصورة ناعمة وهادئة ومن المفترض ان يصل عددهم الى 10 الاف بحلول الربيع القادم بحجة التدريب وتقديم الاستشارة والدعم للعراقيين في مواجهة تنظيم داعش في احتلال جديد ملطف وناعم لعدم اثارة الحساسيات الدينية والوطنية.
اميركا بدورها تتعامل مع العراق كمحمية من محمياتها فقد استقرت في خمس قواعد عسكرية ويواصل مسؤولوها العسكريون والمدنيون زياراتهم المفاجئة بين الفينة والفينة الى العراق يتنقلون فيها بين بغداد وبين محميتهم القديمة الجديدة أربيل وكأنهم يتجولون بين الولايات الاميركية ويعقدون اجتماعاتهم مع المسؤولين الحكوميين والزعماء السياسيين والعشائريين على حد سواء وقامت بدعوة زعماء عشائر وقادة فصائل ارهابية الى واشنطن واعطتهم ضمانات بتشكيل وتسليح جيش سني مكون من مئة الف عنصر بغض النظر عن موقف الحكومة العراقية منه وضمانات بتشكيل الاقليم السني فيما دعتهم الى الصمود خلال الاسابيع القليلة المقبلة الى حين تخرج الدفعة الاولى التي يدربها المستشارون الاميركيون في قاعدة الحبانية.
تكرست نتائج هذا اللقاء بعقد مؤتمر اربيل لمكافأة الارهاب برعاية اميركية في ظل صمت حكومي غريب تم التنسيق فيه بين القوى السنية المتطرفة للضغط على الحكومة لتشكيل الحرس الوطني المزعوم من اجل توفير عنصر القوة اللازم الموازي للحشد الشعبي الشيعي والبيشمركة الكردي للدخول في حروب رسم خرائط الاقاليم الجديدة في العراق.
فآلاف المتطوعين مما يسمى بـ"جيش العشائر" يتدربون باشراف اميركي في العراق على ان يتم تخريج خمسة آلاف عنصر كل ستة اسابيع والهدف المعلن هو استعادة المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش.
زعيم الاغلبية الجمهورية جون ماكين قصد العراق في زيارة سريعة اجتمع خلالها في منزل رئيس مجلس النواب العراقي سليم الجبوري بعدد من زعماء العشائر ونواب المناطق السنية في محافظات الانبار وصلاح الدين وديالى ومناطق حزام بغداد وهي مناطق الاقليم السني المفترض بالاضافة الى الموصل وجنوب غرب كركوك والغرض هو اكمال التنسيق ودعم التوجه الطائفي الجديد وتسليح ايتام النظام البائد المقنعين بلباس الحرس الوطني!.
ليس الهدف الاميركي من الحضور المباشر والمتزايد في العراق هو اعادة تشكيل وتدريب الجيش العراقي الذي اشرفت اميركا على تدميره بصورة ممنهجة فلم يتبق منه الا 104 الاف عنصر فعلي بحسب آخر دراسة بعد احداث الموصل، وهي لم تقم باي خطوة في هذا الاتجاه، ولا تدريب المتبقي من الجيش على الاسلحة الاميركية المحجوبة عن العراق عمدا، ولا الغرض هو المواجهة المباشرة لداعش الذي تواصل اميركا دعمه وتوفير الغطاء الجوي له وتزويده بالاسلحة اللازمة لادامة حياته ووجوده في قبال الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي المساندة له.
الغرض كما يبدو هو تشكيل قوة سنية مقنعة بديلة عن داعش من افراد المليشيات السنية العراقية ومن ايتام النظام الصدامي البائد تقودها اميركا لرسم حدود الاقليم السني كما قادت البيشمركة لرسم حدود الاقليم الكردي وتهيئته واعداده للدخول في حرب البسوس الطائفية الجديدة!.
الحكومة العراقية تقف موقف المتفرج وكأنها تشاهد فيلما اميركيا تنتظر نهايته المأساوية دون ان يبدو عليها اي قلق مما يدور في ساحتها من احداث وما يجري من تطورات ولم يساورها اي شك مما تقوم به اميركا في العراق فلم تتحسس من زيارة وفد زعماء العشائر وقادة المليشيات السنية المطلوبين للقضاء الى واشنطن ولم تعترض على ما توارد من انباء حول الضمانات الاميركية لهذا الوفد بانشاء الجيش والاقليم السنيين ولم تبد اي اعتراض على التدخل الاميركي السافر في الشؤون العراقية الداخلية واكتفت بالصمت المطبق حول مؤتمر اربيل وما جمعه من شخصيات مطلوبة للقضاء العراقي وما صدر فيه من كلمات وما نتج من بيان ختامي ولم تسجل حتى تحفظا خجولا على زيارة جون ماكين المريبة واجتماعاته المشبوهه!!.
وهي تقف ايضا موقف المتفرج على ما يجري في المعسكرات الاميركية من تأهيل وتدريب لعناصر جيش العشائر السني وكأنها تنتظر تخرجها لاثارة الفتن لتعلن بعد ذلك عدم قدرتها السيطرة على الاوضاع!!.
فهل ان الحكومة مطلوب منها الاشراف على ايصال الاوضاع في العراق الى حالة التفجير الشامل وحالة اللاعودة عبر سكوتها وصمتها عما يجري؟ ام انها عاجزة وخاضعة للضغوط الاميركية وللضغوط الطائفية الداخلية والاقليمية؟ ام تنتظر الوقت المناسب لتنفيذ خططها الاستراتيجية السحرية التي ستقلب بها الاوضاع رأسا على عقب على اعداء الشعب العراقي!!.
مقالات اخرى للكاتب