نحتفل بذكرى مرور خمسة وتسعون عاما على تشكيل الشرطة العراقية الموافق في 9/كانون الثاني1922 الذي أصبح تقليدا سنويا نستذكر تضحياتهم السخية وسفرهم المهني الطويل، وبالوقت الذي أحيي فيها اخواني رجال الشرطة في هذا اليوم ، ظلت الشرطة العراقية وعبر مسيرتها الطويلة التي أمتدت ما يقرب من مائة عام تمثل صمام الامان وخط الدفاع الاول في حفظ حياة وممتلكات المواطن العراقي واليد الامينة التي عملت دوماًعلي بسط هيبة الدولة وإنفاذ القانون، واستذكر فيها اكثر من خمس واربعون عاما من الخدمة في هذا المسلك ، نستذكر قادة وليس مدراء ، وقد حفلت سجلاتهم الوظيفية بالعديد من الانجازات التي تحققت بفضل المهنية العالية والاعداد الجيد لرجل الشرطة مما انعكس إيجاباُ علي حياة المجتمع العراقي وأكبر دليل علي ذلك الامن والطمأنينة انذاك ، عشنا معهم وبرعايتهم وكانوا لنا اباء واخوة وليس امرين ، بل مربين ومهنيين ووطنيين وغيورين وصادقين بعملهم ، واغلب تفكيرهم ينصب على التطور والتحديث والعمل الجاد ، مترفعين عن القبيلة والمنطقة والطائفة وعن التحزب السياسي، ولاتسع قوائم لذكراسماؤهم وكثير منهم من غادر الحياة ، والاخرين يعيشون في المهجر بحياة الكفاف مع الامراض المزمنة والبعض استثمرت امكانياتهم بعض الدول العربية وابدعوا فيها ، او مقعدي الدورفي العراق، ولايفوتنا الا ان نستذكر شهداء قوى الامن الداخلي العراقية الذين دفعوا أغلى التضحيات والذين بلغ عددهم من (عام 2003 ولغاية 2016 ) ( اكثرمن عشرون الف شهيد) وجرحانا (فاقدي الرعاية الصحية والذين بلغوا اكثر من اربعون الف) ولم تقدم اي شرطة بالعالم تضحيات بقدر ما قدمتة شرطتنا العراقية ، ولم تقف واجبات الشرطة عند حد الحفاظ علي الامن الداخلي وحماية المجتمع من الجرائم التي قد يتعرض لها فقط بل إضافة لتلك الواجبات ظلت تشكل سنداُ وداعما حقيقياً للقوات المسلحة وهي تدافع عن مكتسبات وتراب الوطن وخاضت العديد من المعارك جنباُ لجنب مع القوات المسلحة وقدمت العديد من الشهداء مهراُ غاليا في سبيل الواجب والوطن ، أن أهمية هذا المناسبة تتزامن مع تزايد المخاطر الناجمة عن تفاقم موجة الارهاب القذرة التي يشهدها عراقنا ، وهي ترابط حاليا باقسى ظروف لمقاتلة اشرس وحوش وبرابرة وهم الدواعش على الارض.
وفي هذا اليوم تبرز من جديد الخدمة الكبيرة التي يجب ان تؤديها المؤسسة الشرطوية العراقية، وعلينا التعامل مع متغيرات العصروتحدياته ، فإن عمل قوى الامن الداخلي بأسلوب عصري وحديث يشكل وسيلة هامة في هذا المجال ، من أجل اللحاق بركب التقدم ، بإصلاح أحوالنا، ووضوح الرؤي في أداء المهام ،بتطبيق السياسات الأمنية الثابتة والراسخة، واتباع نهج العقيدة الأمنية القائمة على احترام حق المواطن بالتعبيرعن رأيه وفقاً للقوانين ، واصبح من الضروري ان تكون وقفة مع الذات لتقييم المنجز والمتحقق ومعالجةالأخطاء ، مضت اكثر من ثلاثة عشر سنوات على اعادة التشكيل، ورافقتها اخطاء فادحة، منها اعداد قوى الامن الداخلي التي تقدربمليون منتسب اذا احتسبنا داخليه اقليم كردستان، من حيث الكم، لدينا أكثر مما نحتاج، في حين أن الجودة أقل من الوسط أضحت الوزارة الحلبة المثلى للتنافس السياسي والفئوية ويمكن تحديد التحديات التي تواجهه بناء القدرات بالاتي:
1. رافق عملية إعادة بناء الداخليه ارتقاء الاف من الضباط الدمج للحلقه الوسطيه للشرطه العراقيه وخصوصا بالمحافظات وهناك نقص بمؤهلاتهم المهنيه والعمل للجهه التي منحتهم الرتبة ، والحقيقة أنهم لا زالوا موالين لهذه الأحزاب وأيديولوجياتها ، ان منح هذه (الرتب العليا اهانة للرتبه) وحرج للشخص الذي تمنح له ، وقد اتخذ رئيس الحكومة الاسبق قرارات ارتجالية لا سند لها بالقانون بمنح رتب (بالكوتره) لاشخاص لا يستحقوها وتبؤوا مناصب قيادية بالشرطة.
2. ضباط الجيش العراقي السابق (الذين تم تعيينهم بحقبه احد وزراء الداخلية واغلبهم كبار بالسن وتاركي الوظيفه عشرات السنيين وتبؤ كثير منهم مناصب قياديه بالشرطه اضافه ممن اعيدوا الى الخدمه لاسباب انتخابيه تخص الوزيرواطلق على وزاره الداخليه (وزاره الدفاع الثانيه) والتي اصبحت اسيرة مبدا (عسكرة الشرطة) ومنحوا رتب يحلمون بها ، وتركت اثارا تدميرية على مسلك الشرطة ، وعلى ادائه المهني ،ان التوسع المفرط في التوجه نحو العسكرة الواسعة لادارات الشرطة، تشكل تهديداً خطيراً للأمن والسلم المدني في البلاد، لعدم إلمام القادة العسكريين بالمهام الادارية والقانونية للحياة المدنية لعدم تأهيلهم المسبق لذلك، وان خطورة استمرار ظاهرة تعيين القادة العسكريين فى المناصب القيادية الشرطوية بما يعنى أن يكون هناك طبقة من العسكريين مسيطرة على المناصب الشرطية ، أن استمرار هذه الظاهرة يمثل خطورة بالغة على مدنية العمل الأمني، وان اغلب العسكريين ممن نقلوا الى الشرطة في التسعينات وانيطت بهم مسؤوليات ادارية اوميدانية فشلوا في أداء مهامهم ولم يكتب النجاح للتجربة بل كتب عليها الفشل بعد مرور أقل من ثلاث سنوات ، ولا نعرف اسباب الاصرارعلى اعادة هذه التجربة الفاشلة ، إن المناخ الصحى الحر الديموقراطى هو الذى يفرز القيادات الصالحة ، لا سيما ان الحياة الشرطويه تحفل بالكثير من التعقيدات والتداخلات التي تحتاح إلى رؤى متعددة المستويات والجوانب، وتحتاح إلى ترتيب أولويات، وتحتاج إلى حلول إبداعية أو توافقية، وتحتاج إلى قبول الرأي والرأي الآخر، وتحتاج إلى التعددية في الأفكار والأشخاص، وتحتاج إلى المرونة، وتحتاج إلى الصبر وطول البال والإحتمال والتأمل والقراءة والحساب وتقليب الأمور على وجوه شتى قبل اتخاذ القرار، إذن فنحن نظلم ضابط الجيش حين نضعه في غير موضعه، فهو قد عاش وسط جنود وأفراد تعود منهم الطاعة والإنضباط، وتعامل مع قادة له لا يسمحون له بالإختلاف ومبادى نفذ ثم ناقش أو الإعتراض وتربى على عقيدة الولاء، وبقاء هذه النظرية القديمة حتى الآن ممثلة في هذا العدد الكبير من الرتب الكبيرة يعتبر تكريسا لفكرة عسكرة الدولة ويعتبر ابتعادا عن مفهوم الدولة المدنية والتي تعرف بأنها دولة ليست عسكرية، ونحصد حاليا نتاج اخطاءهم الميدانية المتكرره بجعل المدن عبارة عن ثكنات عسكرية .
3. ان تزايد قوة الجماعات المسلحة في العامين الأولين بعد الاحتلال دفعت إلى ما يشبه ( موجة التجنيد العمياء ) لم تتمكن من فلترة لمجندين الجدد على أساس المؤهلات المهنية أوالولاء السياسي ، خشيت الولايات المتحدة من أن الشرطة العراقية التي كانت أعداد أفرادها تتزايد باستمرار، والخشية ستقع تحت سيطرة كتلة سياسية واحدة ، ولتقليص المخاطر، أوجدت هيكليات ومراكزقيادة متعددة داخل وزارةالداخلية ، وهو ما أفضى إلى التشوش والشلل ، أضحت أن تولي الجيش الأمريكي مسئولية تدريب الشرطة الوطنية في العراق أمر غير مسبوق، دائما ما تكون مسئولية تدريب الشرطة ، توكل إلى وزارة العدل الأمريكية التي تملك البرامج والخبرات المطلوبة ، ومع استكمال المرحلة الأولى من برنامج مساعدة الشرطة في العراق التي تولاها (عسكريون امريكان) وليس (خبراء امنيوون او جنائيوون)، ولكي تتولى وزارة العدل هذه المهمة، يتطلب ذلك إلى تفويض مباشر من الكونغرس ، مما اضطر العسكريوون بادارة مهام الامن الداخلي ، وهذا من اكبر الاخطاء الفادحة على الامن العراقي.
4. شكلت ظاهرة (تعدد الأجهزة) وعدم وضوح صلاحيات كلا منها وغياب قيادة مؤسساتية تشكل مرجعية لها بالترافق مع غياب قوانيين ناظمةلإعماله واستمرار بقاء نفس الأشخاص الذين تم اختيارهم من السياسيين على قمة هرم ، كل ذلك ساهم في تحويل هذه الأجهزة إلى إقطاعيات لمسؤوليها ، ومركز نفوذ لقادتها، حيث لم يعد واضحا دورها ومبرر وجودها.
التخلف التقني : ان بناء القدرات الفنية والمعلوماتية لجهازالشرطة العراقية لا تتم الا بتوافر وضع خطة متكاملة لتطويره ، ووفق مجموعة من البرامج المدروسة ، لزيادة قدراته العملياتية والإرتقاء به إلى مصاف المؤسسات الأمنية الاقليمية على الاقل ، وذلك بتطوير هيكلة متوافقة ومتوائمة مع المعايير الدولية ، بما يسمح بتنسيق أكثر، وعصرنة الوسائل وتزويد المؤسسة بالمعدات والأجهزة التكنولوجية الحديثة ، وضرورةاعتماد الشرطة العراقية على النوع الذي من شأنه السماح أن تكون مؤسسة متفتحة على العالم التقني والعلمي ، ويستوجب عليها بذل الجهود في المرحلة القادمة ، وتبقى غير مكتملة القدرات مالم تستكمل بناء القدرات الفنية والمعلوماتية واهمها:
1. تطوير جهازالشرطة لاسيما الشرطة العلمية والتقنية ، خصوصا (تحديث الهياكل واقتناء التجهيزات والأنظمة التكنولوجية الحديثة في مجال علم الأدلة الجنائية والتسجيل الجنائي) و على اللجـوء إلى الوسائل العلمية الحديثة كالأنظمة المعلوماتية و وسائل لاتصالات العصرية وكاميرات المراقبة.
2. عدم تبني اية قاعدة فنية او معلوماتية التي تخدم العمل الجنائي طيلة العشر سنوات الماضية واختصارها ، وفضيحة استيراد اجهزة كشف المتفجرات ، وتغييب قواعد بيانات الجنائية للكشف عن شخصية مرتكبي الجرائم اليا ، واعادة النظر بهيكلة ادارية وتقنية لمركز الشرطة ، وعدم تنفيذ مشروع نظام تحديد الاماكن العالمي ، والاخفاق بمشروع البطاقة الوطنية .
الاداء المهني : ان افضل قياس لمعرفه اداء العمل الشرطوي الحقيقي وقياس الانتاجيه، هو مراجعه الحوادث المهمه الارهاب والقتل والاغتيال والخطف التي وقعت للاعوام من(2004 لغايه2016) ومقارنتها مع مامكتشف منها والاحكام الصادره بحق الاشخاص المقبوض عليهم وبالتالي يمكن قياس الاداء المهني ، وهي تحمل ارقام لو تم احصائها سنويا سنجدها بالاف ، ، اضافة لافتقارها لبرامج التأهيل والإعداد وللمسار المهني ، ومن الجدير بالذكران وزير الداخلية بالوكالة ، ووكلائة طيلة سنوات تبؤهم مناصبهم ، لم يكلفوا انفسهم بزيارة واحدة ميدانية لمركز شرطة في بغداد ، والبالغ عددها اكثر من تسعون مركز ، والتي تعاني من تخلف بادائهم الاجرائي والامني ، بسبب الاهمال المتعمد والمقصود.
وفي الختام ولما كان تحقيق الأمن الداخلي من أولى أولويات الدولة الحديثة ، فإننا نطمح ان يؤدي جهاز الشرطة عمله بأسلوب عصري وحديث ، يشكل وسيلة هامة لاداء مهام الامن ، لا سيما ان كافة الموارد المادية والبشرية متاحة، واصبح لزاما على الحكومة الحالية ، بوضع خطة متكاملة لاصلاح وتطوير جهاز الشرطة ، وعصرنة الوسائل وتزويد المؤسسة بالمعدات والأجهزة التكنولوجية الحديثة ، وابعاد الجيش عن مهام الامن الداخلي ولفشلها باداء مهام غير مهامها الاصلية ، واعادة النظم التدريبية المعتمدة حاليا بكلية الشرطة والمعهد العالي وتحديثها وفق المعايير الدولية ، وتشكيل لجنة خبراء من خارج ملاكات الوزارة لتقديم النصحية والارشاد المهنيةلقادة الوزارة ، بدل التخبط الاداري الحالي ، والثرثرة الاعلامية ، وقد ان الاوان للاصلاح الاداري والجنائي للشرطة العراقية .
مقالات اخرى للكاتب