في العصر الحديث بعد احتلال مصر عام 1799 إنشاء الفرنسيون العديد من المسارح منها مسرح لنابليون أنشأه للترفيه عن الجنود الفرنسيين، ولكن تم حرقه وتدميره إبان ثورة القاهرة، وأعاد بناء المسرح الجنرال (مينو) وأطلق عليه مسرح (الجمهورية والفن)، وشهد الفن المسرحي حركة إحياء إبان تولي محمد حكم مصر الحديثة عام 1805م، وبالتزامن مع تطور المسرح العربي بشكله الحديث في كل من سوريا ولبنان علي يد مارون النقاش 1847. سرعان ما أنتقل هذا التطور إلي مصر. بسبب القمع العثماني لهذا الفن في بلاد الشام. وكانت فرقة سليم هي أول فرقة مسرحية وفدت إلي مصر (1876-1877) حيث نزلت في الإسكندرية.
أولا المسرح الحكومي : نشأ المسرح بشكله الحديث في عهد الخديوي إسماعيل نشأة حكومية عندما تأسس
المسرح القومي بالعتبة بمرسوم من الخديوي في 1869. علاوة علي إنشاء المسرح الكوميدي (مبنى المطافى حالياً) ودار الأوبرا الملكية ، ليستقبل الطبقة الارستقراطية وكان هذا المسرح مقصد للفرق الأوروبية التي تقدم عروضها للأجانب المقيمين في مصر. وقد تشكلت أول خطوة جدية في سبيل إقامة مسرح عربي بمصر علي يد يعقوب صنوع ،الملقب بأبي نظاره عام 1870م؛ فأقام دعائم المسرح العربي في وقت مبكر، وقد مهد هذا لظهور رائد فن الأوبريت المصري الشيخ سلامة حجازي الذي أخذ هذا الفن عن القباني قبل أن يستقيل ويكون فرقته الخاصة التي عملت من سنة 1905 : 1914.
1- الهيئة العامة لقصور الثقافة : رغم أن الهيئة العامة لقصور الثقافة هي إحدى هيئات وزارة الثقافة الآن إلا أنها تاريخياً وجدت قبلها. فقد بدئت كفكرة في أحد مؤتمرات الحزب الوطني القديم ، وفي عام 1945 أصدر عبد الرازق السنهورى وزير المعارف العمومية قرارًا بإنشاء " الجامعة الشعبية " بالقاهرة ، لنشر الثقافة بين طبقات الشعب. وعدل اسمها إلى " مؤسسة الثقافة الشعبيةبمرسوم ملكى في عام 1948 وضمت في عام 1958 إلي إلى وزارة الثقافة والإرشاد القومى، وأخيرًا نشأت الهيئة العامة لقصور الثقافة بشكلها الحالي بالقرار الجمهوري رقم 63 لسنة 1989م. إلا أنها قد تحولت إلي مسخ بعد عام 1992 تقريبا ، وجاء حريق يوم الاثنين الموافق 5 /9/ 2005 بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير ، فبعد أن قدمت فرقة نادي مسرح طامية بالفيوم العرض المسرحي "من منا" علي مسرح قصر ثقافة بني سويف، شب حريق كبير أسفر عن وفاة ما يربو على 47 قتيل وما يزيد عن 20 مصاب بعدها تذرعت الدولة بالحادث وتوقف النشاط المسرحي الهزيل إلي يومنا هذا.
2- مسرح الطفل : وتعد مصر من طلائع الدول التي اهتمت بالطفل وقد استوطن هذا الفن بمصر والعراق، ويذكر أن صلاح الدين الأيوبي حضر عرضا لخيال الظل مع وزيره القاضي الفاضل عام 567هـ، ثم انتقل إلى تركيا عام 1517م على يد السلطان سليم الأول، وانتشر منها في أوروبا، ثم تطور الأمر بظهور فن الأرجوز في مصر.
. ومع النهضة المسرحية بعهد الخديوي إسماعيل ظهور المسرح المدرسي على يد عبد الله النديم، وأدخل إلى المدارس المصرية منذ عام 1879م ، وأنشئت الجمعية الخيرية الإسلامية بالإسكندرية أول مسرح في المدرسة الخديوية عام 1922 علي يد مدرس التاريخ محمود مراد. ووقدم المسرح المدرسي المناهج المختلفة للطفل بصورة شيقة ومحببة.
وفي عام 1959 بالقاهرة ظهر أول مسرح للعرائس بالعالم العربي . و يعاني مسرح الحكومي بصفة عامة من تدن المستوي بسبب سوء الإدارة وضعف الإمكانيات .
3- العصر الذهبي لمسرح الدولة : " تألقت هذه الكيانات في حقبة الستينات وتبلورت فيها البنية الأساسية لمفهوم العلاقة بين المؤلف والمخرج والممثل، ومنحت الأحداث الجارية آنذاك للمسرح مجالا خصبًا للتميز فنوقشت باقتدار الأوضاع السياسية والاقتصادية، والاجتماعية للبلاد في ثنايا النص فوق خشبة المسرح، ولم يكن المسرح وقتها بوقا للسلطة، والدليل علي ذلك الاستقالة الرباعية التي تقدم بها ( من سعد أردش ، أحمد عبد الحليم ، جلال الشرقاوي ، كرم مطاوع ) بسبب اختلافهم مع النظام". وقد عزز هذه النهضة حركة نقدية قوية حمل لواءها د.مندور، ود.لويس عوض ،ود.على الراعي. بيد أن هذه النهضة ما لبثت أن تراجعت مع نهاية الثمانينيات لتدار معظمها وفقا لنظام الوساطة والمحسوبية. وتسببت ذروة الإهمال في حرق المسرح القومي في 27 /9 /2008 ولم تفلح أعمال الترميم التي استغرقت 6 سنوات ، وتكلفت نحو 104 ملايين جنيه حتي اليوم من بعث الحركة المسرحية من ثباتها العميق بعد أن تحول هذا الفن إلي هشيم تذروه الرياح .
ثانيا المسرح الكوميدي "التجاري" : نشأ هذا المسرح في وقت مبكر، وقد شهد المسرح التجاري نشاطًا كبيًرا حتي عام 2000 تقريباً
وأنتعش علي أنقاض مسرح الدولة، وكان يقدم بالموسم الصيفي أكثر من 20 عرضا جديدا سنويًا، وكانت هذه العروض تحقق جذبا للسياح العرب.
وكمثال محدود من الكثير من الأمثلة لرواد المسرح الكوميدي لجيل حقبة الستينيات الفنان فؤاد المهندس ، فعلى الرغم من أنه قدم ما يقرب من 70 فيلم سينمائي إلا أنه أحب المسرح ، وقدم الكثير من الأعمال الناجحة منها ؛ مسرحية السكرتير الفني عام 1968 ، وتلاها مسرحية "أنا وهو وهي" مع شويكار، و بعض الوجوه الجديدة مثل عادل إمام ، وتألق المهندس في مسرحية سيدتي الجميلة التي أنتجت عام 1969، واستمر عرضها 3 أشهر و18 يومًا، وقدم مع الفنانة شريهان "علشان خاطر عيونك" عورضت عامي1987/1988على مسرح الفنانين المتحدين من تأليف بهجت قمر إخراج حسين كمال وكعادته سمح فؤاد المهندس باكتشاف الفنان غريب محمود في شخصية كلب البحر . وأهم ما يميز مسرح فؤاد المهندس وجيله أنهم كانوا يقدمون مسرحًا جماعيًا.
ثالثًا المشاكل التي تواجه المسرح المصري : بيد أن المسرح منذ نشأته وهو يواجه مشاكل كثيرة منها :
1- ظاهرة الخروج علي النص : اتسم هذا المسرح بظاهرة الخروج عن النص .
وعند مناقشة قضية الخروج عن النص يجب التفريق بين حالتين، الأولي ذلك الخروج المتفق عليه بين الجميع أثناء البروفات لتجويد العمل وهذا إيجابيًا، أما الخروج الثاني هو ذلك الخروج الذي يقوم به الممثل علي خشبة المسرح، ويحتوي علي ألفاظ نابية أو جنسية أو أراء لا علاقة لها بالنص أو الدراما المسرحية هو خروج سلبي.
وتعد مسرحية مدرسة المشاغبين مثالاً علي ذلك الخروج الإيجابي، والسلبي في آن واحد، فهي من تأليف الكاتب علي سالم وإنتاج سمير خفاجي. وقصة المسرحية مقتبسة عن الفيلم البريطاني (To Sir, with Love ) وقد عرضت في 24 أكتوبر1973م، وتتميز المسرحية بأنها كانت عمل جماعي متكامل بداية من سعيد صالح، وعادل إمام، ويونس شلبي، وأحمد زكي، وحسن مصطفى،و سهير البابلي. ورغم نجاح المسرحية جماهيريًا جاء نقدها بسبب سخريتها من رموز السلطة التي تتمثل في ناظر المدرسة، واحتقار القيم والمثل العليا مما أدى إلى شعور عام بقبول الفوضى وانحطاط مستوى الأدب العام.
وتعد مسرحية "الصاعيدة وصلوا" والتي انتحت عام 1989 من أنجح المسرحيات الكوميدية بيد أنها سجلت خروجًا عن النص من قبل الفنان أحمد بدير واحتوت علي بعض الشتائم والإيحاءات الجنسية خلال العرض.
نموذج سعيد صالح : هو كممثل من ابرز حالات للخروج عن النص، قد خلق هذا الفنان كي يكون ممثلا محترفًا يشترك مع علي الكسار في التلقائية، ويقول عنه الكاتب والناقد محمود السعدني: "ولو تعقل سعيد صالح قليلا، ولو انضبط قليلا في حياته وسلوكه، لو ادخر كل جهده وكل قوته للعمل لانفجر مثل قنبلة زنة ألف رطل"
وبسبب تقرير كتبه مفتش الرقابة العامة على المصنفات الفنية لمسرحية عنوانها "لعبة اسمها الفلوس" أثبت فيه خروج سعيد صالح عن النص بألفاظ جنسية خلال عرض المسرحية في 27/ 12/ 1981، وقضي 17 يوما في سجن الحضرة بالإسكندرية عام 1983.
ويري آخرون أن السبب الحقيقي لسجنه لم يكتب في تقرير الرقابة، فسجنه جاء بسبب مقولته الشهيرة في ذات المسرحية: " أمي أتجوزت ثلاث مرات الأول أكلنا المش والتاني علمنا الغش والثالث لا بيهش ولا بينش" قاصداً بذلك رؤساء الجمهورية الثلاثة الذين تناوبوا على حكم مصر.عبد الناصر، والسادات، ومبارك، والحقيقة أن مبارك لم يكن وقتها قد أكمل سوى شهر ونصف في الحكم، ولم يكن هناك مبرر لهجائه أصلا.
بينما سُجن للمرة الثانية
فى 11 نوفمبر بسبب تعاطي المخدرات. وهو ما نفاه سعيد صالح؛ مؤكداً أن سجنه كان بسبب آرائه السياسية المعارضة، والمنتقدة لنظام الرئيس مبارك.
2- شبح الإفلاس : المسرح منذ ظهوره وهو يمثل مغامرة اقتصادية بتكاليف هائلة. وعلي النص أن يستردها تلك التكاليف محملة بأرباح المنتج في بضع شهور أذا قدر للعرض النجاح. وقد أرهقت المشاكل المادية الكثير من المسرحيين. فالفنان نجيب الريحاني تعرض للإفلاس عندما قرر أن يمضى قدما فى المسرح التراجيدي، وفشلت التجربة بسبب قيام عدد كبير من الممثلين بترك الفرقة بدون سابق إنذار، لينهار العرض المكون من ستة مسرحيات تراجيدية، بعد أن تكلف أكثر من أربعة آلاف جنيه، فيعود الريحاني مرة أخرى إلى المسرح الكوميدي لينجو من الإفلاس بأعجوبة. إلا أنه توقف تمامًا عن المسرح منذ 1946 بعد قدم من خلال فرقة "الريحاني" أكثر من خمسين مسرحية، واتجه للسينما حتى وفاته المنية في 8/ 6 /1949 م .
وتجرع الفنان علي الكسار من نفس الكأس، ومر بأزمة أدت إلى إغلاق مسرحه بالقاهرة بعد أن قدم ما يزيد على 160 عرضاً مسرحياً. اتجه بعدها إلى السينما. وتوفي بمستشفى القصر العيني 15 /1/ 1957م. عن عمر ناهز 69 عام .
وهو نفس مصير الفنان إسماعيل ياسين الذي قدم للمسرح 60 مسرحية من خلال فرقته، وفي النهاية تعثر مشوار الفني، وتراكمت عليه الضرائب، وتم الحجز علي العمارة التي يمتلكها؛ ليخرج من رحلة كفاحه خالي الوفاض، فاضطر إلى حل فرقته المسرحية عام 1966م ثم سافر إلى لبنان، وعمل مرة أخري كمطرب للمنولوج. وعندما عاد إلى مصر ليعمل في أدوار صغيرة لا تتناسب مع تاريخه الحافل حتى وافته المنية 24 /5/ 1972م إثر أزمة قلبية حادة.
3- مسرح النجم الأوحد : وتلك الظاهرة من أخطر الظواهر التي عصفت بالفن المصري، ويعد عادل أمام أحد أقطاب هذه الظاهرة. فبعد أن منحه العمل الجماعي نجومية في مسرحية "أنا وهو وهى" عام 1962 في دور دسوقي أفندي، وهو ما أهله باقتدار للمشاركة في بطولة "مدرسة المشاغبين" إلا أنه تنكر لذلك بعد أن كرس لظاهرة النجم الأوحد، فكانت كل العناصر الفنية بداية من النص، والإخراج، والممثلون يتم لصالحه علي حساب الجميع، ومن ثم نجح فرد واحد، وخسرت الحركة المسرحية، وحرمت الوجوه الجديدة من الظهور، وكمثال مسرحية "شاهد ما شافش حاجة" والتي عرضت في 12 يونيو 1976 وظفت فيها كل العناصر الفنية تقريبًا لخدمة النجم الأوحد، وقد نجح عادل أمام نجاحًا باهرًا بدرجة جعلت الجميع يتغاضي عن بدايات الظاهرة.
ورغم تميز مسرح عادل أمام بالثراء الإنتاجي، وجودة الإخراج والديكور، وحشد كبار النجوم، إلا أنه اتسم أيضًا بالأحادية الكوميدية تقريبًا، فلم يكن عادل أمام يقبل بظهور كومديان آخر بجواره، وقد بدا ذلك بشكل رمزي في مسرحية شاهد ماشفش حاجة التي تألق فيها بشكل لافت للنظر؛ الفنان الراحل عبد الحميد المنير، وذلك عندما أدي دور عوكل السكران باقتدار، وحصد أعجاب الجمهور في مدة لا تتجاوز بضع دقائق؛ في الأعمال التالية استبعده عادل أمام من العمل معه تمامًا.
وفي مسرحية "الواد سيد الشغال" التي عرضت 20/ 7 /1985، واستمرت سبع سنوات حتي عام 1993، لم يسمح عادل أمام لغيره بأن يقدم الكوميديا بجواره علي خشبة المسرح؛ إلا لخدمة دوره هو، ونفس الأمر في مسرحية "بودي جارد" التي استمرت من عام 1999 حتي 2010. ولمدة 11 سنة. وهذا ضد فكرة العمل الجماعي بالمسرح.
كما أن حساب مدة العرض بالأعوام ليست دقيقة؛ لأن المسرحيتين كانتا تعرضا بالموسم الصيفي في معظم السنوات لمدة يوم أو يومان أو ثلاثة في الأسبوع وبفرض أن الأجازة الصيفية ثلاث شهور فأن الموسم علي أقصي تقدير لا يحتوي علي أكثر من 36 يوم عرض في العام تقريبًا، ومن المنصف أن نقول أن مثل هذه المدة مناسبة في ظل تراجع المسرح، وضغيان الدش والدراما، ومواقع التواصل الاجتماعي علي المشهد الثقافي، وأيضًا هذا النقد لا ينفي قدرات عادل إمام كمثل كبير، يتمتع بموهبة كبيرة، وذكاء فني جعله يحافظ علي مستوي أدائه، أضف إلي ذلك علاقاته الجيدة بالمسئولين .
ورغم أن مسرح محمد صبحي كان مسرحًا عميقا، وفلسفيًا من الطراز الأول، ومزج بين الكوميديا، وقضايا الأمة بحرفية في الأداء، إلا أنه تقريبًا كان في نفس المسار، وتميز بأنه ترك مساحة نسبية لآخرين قدموا فيها شيئًا من الكوميديا بجواره النجم الأوحد. وسرعان ما تدحرجت الظاهرة ككرة الثلج في المسرح التجاري بأثره.
4- تراجع الدخل وانسحاب المنتجين : جراء تآكل الطبقة المتوسطة بمصر، وارتفاع أسعار التذاكر بسبب ارتفاع أجور الممثلين أدي ذلك إلي إحجام الجمهور عن المسرح ومن ثم هجرة منتجي مسرح القطاع الخاص الى السينما والتليفزيون لتحقق مكاسب مادية كبيرة.
5- تطور الدراما والانترنت: استقطبت الدراما السينمائية، والتلفزيونية جزءًا من جماهير المسرح في ظل انتشار الفضائيات والسماوات المفتوحة. كذلك آثر الإنترنت
علي جذب شريحة أخري من جمهور المسرح .
6- تدهور التعليم وتراجع الثقافة: جمهور المسرح جمهورًا نوعيًا، ومرتبط بجودة التعليم، والثقافة الرفيعة، وقد أدي الانهيار بالمؤسسات التعليمية إلي تجفيف منابع الوعي المسرحي .
7- سطحية بعض القائمون علي حركة الإنتاج: لم يحاولوا طوال السنوات التي قدموا فيها عروضهم أن يقدموا مسرحا حقيقيا، وحولوه إلي مظاهرات جنسية بلا هدف أو مضمون مما أسهم في وفاة المسرح المصري.
ولذا بات عل الدولة المصرية أحياء هذا الفن من جديد من خلال مسرح حقيقي بعيدًا عن المحسوبية، والفساد طبقا للقيم والعادات العربية الأصيلة.
مقالات اخرى للكاتب