يفخر أحد السياسيين بأن قوائم كيانه التي شكلها للانتخابات المقبلة تقتصر على أسماء جديدة ، وأنه اعتذر للكثير من طالبي الانضمام الى قائمته من الوزراء والنواب الحاليين. وراح هذا "السياسي" يفصّل في ندوة لاعضاء قائمته كيف انه ينشد التغيير وأنه اختار العناصر النظيفة والنزيهة. في حديثه هذا إشارة غير مباشرة الى ان كل أعضاء الحكومة والبرلمان الحاليين غير نزيهين ، لذلك فهو يرفض دخولهم في قائمته.
لو أردنا التعامل بـ "حسن الظن" مع ما تفضل به صاحبنا، لقلنا انه قصد بأن الناس تنظر الى أعضاء الحكومة والبرلمان نظرة التشكيك بالنزاهة. ربما يأخذ هذا التأويل نصيبه الكبير من الصحة ، فالكثير من الناس ، بما فيهم كثير من المثقفين والمتعلمين ، باتوا ينظرون الى السياسي - خصوصا المسؤول - نظرة تشكيك أحيانا ، وإدانة بأغلب الاحيان. أسباب ذلك عديدة، فالمسؤول والحكومة والسياسي هو في الوعي العراقي طرف معادٍ ، بفعل سياسات النظام الدكتاتوري السابق والهوّة الكبيرة التي كانت قائمة بين السلطة والشعب ، كما هو حال كل الدول المحكومة بأنظمة دكتاتورية. هكذا أنظمة يعشش الفساد فيها، ويعتري أداؤها الكثير من حالات التقصير والاهمال ، لكن غياب الحريات والاعلام الحر ، يبقي كل ذلك طي الكتمان ، بل أن أي حديث في مجلس خاص قد يودي بصاحبه الى الاعتقال او حتى الاعدام .
في مرحلة ما بعد الدكتاتورية ، تنفتح الاجواء أمام الحريات ، وقد تصل ممارسة الحرية ، عبر الاعلام وغيره ، الى حالة من الفلتان والفوضى تتيح لمن أراد ، توجيه الاتهامات والادانة والتشكيك بكل ما يتعلق بعمل المؤسسات الدستورية للدولة. كما ان الحديث عن الفساد - وهو موجود وربما باتت له مصاديق ومصادر جديدة – هو حديث واسع لدرجة انه يجعل الناس يفقدون ثقتهم بكل ما هو رسمي ، ويصبح كل مسؤول - بنظرهم - فاسدا ومرتشيا وسارقا لقوت الشعب.
يساهم كثير من السياسيين في رسم هذه الصورة المشوهة للسياسي والمسؤول والبرلماني ، عندما يمارس بعضهم الفساد بشكل واسع وعلى رؤوس الاشهاد ، وعندما يخرجون على شاشات التلفزة يوزعون الاتهامات ويتحدثون باستمرار عن حالات فساد لم يجر فيها التحقيق ولم يثبت منها شيء، بل ان بعضها مفتعل لا اساس له ، كأن يبرز أحدهم وثيقة توحي للوهلة الاولى بشبهة فساد لكنه يجتزؤها من مجموعة وثائق تكمل كلها صورة الموضوع الذي قد يكون خاليا من أية شبهة. يتحرك هؤلاء بدافع تسقيط خصوم والظهور بمظهر الحرص على أموال ومصالح الناس ، ولا يدرون انهم بذلك يساهمون في إسقاط صورة كل سياسي ومسؤول ، بما فيهم هم انفسم، علما ان كثيرا من المجعجعين في الفضائيات متهمون بعمليات فساد كبيرة ، وربما يحاولون التغطية عليها بتوجيه الاتهامات الى الآخرين. لا يعني هذا عدم وجود فساد أبدا.
وحيث تشتد المنافسة اليوم للوصول الى البرلمان فان بعض المرشحين يتنافسون بشكل غير واعٍ وبينهم صاحبنا الذي يحرص على عدم تضمين قوائم كتلته اعضاء حاليين في الحكومة والبرلمان بحجة حرصه على النزاهة، فيما هو يغفل عن حقيقة هي ان اسقاط الثقة بكل المسؤولين الحاليين ، سيجعل الناس يتساءلون: ومن يضمن ان يكون الداخلون الجدد أكثر نزاهة من
الموجودين؟.
من السذاجة ان يبادر المرء الى إسقاط هيبة الدولة ، لان البديل سيكون الفوضى وربما لاحقا الانهيار .
مقالات اخرى للكاتب