يرى البعض .. ان الارهاب ماهو الا صنيعة امريكية بامتياز . اعد له عدته منذ زمن بعيد , وانتهز الفرصة الملائمة كي يطلق صافرته ليتحرك كالسيل الجارف , وكالبركات الهائج الذي احرق الاخضر واليابس . واحال حياة الناس الى جحيم لا تطاق , وجعل الملايين من الناس يهاجروا الى ارض الله الواسعة كي يتجنبوا تلك المصائب التي حلت بالبلاد والعباد . هذا الفكر الجهنمي , هللت له الحركات المتطرفة التي تتصف بالعنف والتصفيه الوحشية والتنكيل بخصومها والتي تعيش في بلدان بعيدة كل البعد عن الديمقراطية , ويسودها الظلم والتعسف , وعدم الاعتراف بالاخر او تقبل طروحاته , ورفض كل من يخالفهم الراي والتفكير , وتفتقر لمراكز شفافة ومؤسسات علمية تعتمد على الدراسة والمعرفة والتحليل , لتكون مترعا له ولزعبلاته , وارضا خصبة ينمو فيها ويترعرع قبل انطلاقه الى حيث يوجه .. ودليل هذا الراي , ان امريكا عاكفة على تزويد العصابات الاجرامية بالسلاح على طول الخط . فهي تنادي بالحرب على الارهاب , وتعد المؤتمرات واللقاءات , والتصريحات الرنانة القائمة على قدم وساق , وتحشد المال والسلاح من اجل تدميره , ثم نجد طائراتها تنطلق لتزويد الارهاب بكل ما من شانه ان يديمه , ويجعله اكثر قدرة على المواجهة والنمو , ويدفع به الى المزيد من الصمود والتحدي , ليفني ويدمر البشر والحجر .
وهذه النظرية التي يؤمن بها الكثيرون , وتجد لها قبولا في اقطارنا العربية , اجدها ابعد ما تكون عن الحقيقة , ومن يؤيدها .. يحاول جاهدا رمي الكرة في ساحة الولايات المتحدة الامريكية , وابعادها عن المرمى المراد تصويب الكرة عليه . خاصة وان العالم يصدق كلما يقال عن امريكا وتدخلاتها ومؤامراتها وخططها , ولا يستبعد ذالك السيناريو الذي يؤكد دورها الفاعل في تلك المسرحية .
واني ارى اصل البلاء ياتي من الجانب الاخر . . ارى ان الفكر الظلامي الذي تحكم بعقول الجهلة كل تلك السنين .. هو السبب الرئيسي لصناعة الارهاب . وان ايمان بعض الجهلة بذالك الفكر , جعلهم يضحون بالغالي والنفيس من اجل ان يصلوا الى تحقيق غاياتهم الشيطانية , مستندين الى روح ذالك الفكر وتعاليمه التي تتنافى مع ما جاء به ديننا الحنيف .. من تسامح وعفو ورحمة . ونزوع الى تسوية الامور باللتي هي احسن . فالفكر الذي يكفر الناس لابسط الامور , ويدعو الى قتلهم وتهجيرهم ويحلل سرقة اموالهم , ونهب ممتلكاتهم , لهو ادعى ان يكون سببا رئيسيا لتلك الماسي والمصائب التي حصلت وتحصل كل يوم , وانه اصل البلاء الذي حل ببلاد العرب جميعا .وان امريكا وجدت ذالك الفكر الذي يتلائم وتوجهاتها للسيطرة على بلدان المنطقة وتهديدها بذالك البعبع الذي ملاء الدنيا رعبا وفتكا . لذالك كانت تصريحاتها تتكرر [ لا يمكن القضاء على الارهاب , ونحتاج الى عدة سنوات ] .. كي تبقى دول المنطقة بحاجة الى الدعم الامريكي , وكي تحكم امريكا سيطرتها على المناطق الملتهبة , وتمرر ما بجعبتها من مخططات ومؤامرات [ دبرت بليل ] .
ومن الغريب ان يكون هدف الارهاب , هو : الاسلام والمسلمين . وان يكون العدو المفترض للعروبة والاسلام , بعيدا عن اهدافه وتوجهاته . واكثر من هذا .. اتخاذه موقفا مدافعا عنه كما حدث لجبهة النصرة التي اتخذت من حدود العدو الصهيوني , ساحة للدفاع عنه ومواجهة كل من يخطو الى الامام , لمواجهة العدو والنيل منه . فاصبح العدو به امنا مستقرا , واصبح العربي المسلم , مهددا خائفا . ان الارهاب اليوم , تسقى تربته الخصبة من الافكار والنصوص والقناعات التي تغص بها مناهجنا الدينية . فالخطاب الديني المتشدد والذي يتحكم به , من ملئت نفوسهم حقدا وغلا وكراهية , والمستفيدون من رواج الفتنة بين المسلمين .. الذين لا تاتيهم الفرصة الا من باب استغلال الفرص , والجهل المطبق الذي لا يؤمن بالمنطق السليم , ولا يعترف بالاخر ولا يستهوي , الا افكاره وتوجهاته , اضافة الى حالة الياس والاحباط , وبعض الكتب الدينية التي تاتي بما لا يرضاه الله سبحانه وتعالى ! . كل تلك العوامل خلقت جوا مناسبا لتلك المجموعات التي تتكون غالبيتها من الفقراء والفاشلين في دراستهم والعاطلين عن العمل الذين وجدوا فرصة لاعالة عوائلهم من خلال القتل والذبح [ فالغاية عندهم تبرر الوسيلة ] وبتلك العوامل , تم صناعة الارهاب , التي تُعد أكثر خطورة من صناعة القنبلة النووية , لانها تزرع ثقافة خاصة تحتاج الى تعب مضني كي تقطف ثمارها , ثقافة تجعل المرء يتخلى عن روحه التي وهبها الله سبحانه وتعالى ! عن طيب قلب . وان يرخصها من اجل ما رسخ في ذهنه من معتقدات .. تزين له ثواب الاخرة ونعيمها الابدي الخالد , الذي لا يمكن قياسه بالدنيا ولهوها .
لقاء الحور العين، وتناول الغذاء في الجنة، والقتال بصحبة الملائكة، ولقاء النبي ص . وتحديد الفرقة الناجية، وغيرها من الأفكار والقناعات المفخخة التي يمتلىء بها تراثنا ونصوصنا الدينية، والتي يوظفها بخبث أو بجهل بعض الدعاة للتغرير بأطفالنا وشبابنا ليكونوا أحزمة ناسفة وعقولا مفخخة في ساحات الفتن والضلال.
بالنسبة لي، أميل إلى هذا الراي , وهو : أن الارهاب لم ينشأ من فراغ، ولكنه صنيعة قرون طويلة من ركام هائل من خطابات طائفية وطموحات عبثية ونصوص ملتبسة، وظفتها بخبث ودهاء ومؤامرة العديد من الدول والنظم والمخابرات , وخاصة الدول التي تشعر بخطر الريح العاتية التي هبت وقلعت اسنانها الكثير من النظم والحكومات التي كانت قائمة , وغافلة عما تخفي لها الاقدار من مصائب ومحن , لاهية لا تحسب حسابا لغوائل الزمن .. وعلى حين غرة , انقلب قاربها فاغرق الجميع .. لذالك تريد هذه الدول .. ان تقدم دليل قوتها , وتثبت انها من اللاعبين الاقوياء الذين لا يمكن للصدفة ان تقفز فوقها , ولا للاقوياء ان يكرروا لعبتهم وينجحوا بتقويض حكمهم , كما فعلوا مع غيرهم .. واحالوا بلدانهم الى ركام , وانهم لاعبون اساسيون .. في كل ما يهم العالم , وان ما يحدث في المنطقة من اطاحة للحكومات والانظمة .. لا يشمل اصحاب السعادة .
مقالات اخرى للكاتب