ليس ثمة أمل لهذا الكائن التعيس في قنص زبون ممكن. رشقات قوية من المطر مصحوبة ببرق ورعد وهواء تكاد سرعته تشلع عشرة أفارقة ينتمون إلى صنف الهيكل العظميّ المجيد.
عرفته منذ أزيد من عشر سنوات وهو يدفع عربة الفول والذرة المسلوقة، ويدور بها في أزقة الحارة، وحيث ينهدّ حيله وتتلاهث أنفاسه، فسوف ينبت قليلا برأس الزقاق، مناديا على بضاعته الطيبة الساخنة، بصوتٍ لذيذ عذب مثل أذان فجر رحيم، قد يعينه على اجتياز سبع فرجات مشتولات فوق مسرح عرب آيدل البديع.
فول العربة لا يشبه الفول المهروس الطيب الذي يقدّمه دكان هاشم الجميل، بل هو تلك الحبّات المسلوقات سلقا خفيفا والمعفّرات بخلطة الكمّون والليمون والملح الخشن.
سأثرثر قليلا بباب الفول وأخبركم بأن فول عربة عمّون هو أقل نضجا من فول عربة بغداد المائع، حيث الناس السكارى المتبغددة بخواصر لؤلؤة بني العباس، تستعمله كمازّةٍ تطيّب لها طعم العرق الشديد، وتجمّل المائدة التي تنبت فوقها غابة من زجاجات البيرة السهلة، التي من مشهوراتها فريدة وأمستل ولاكر الذهبي والسنابل، وقد اهتدينا إليها مرات شحيحات ببار المرايا البغداديّ الحميم، الذي لا تفصله عن مزار كهرمانة الذكية القوية، سوى رنّة كأس مسموعة، أو طقطوقة نائحة يسيّحها فوق حنجرته سكرانٌ لطيف، علّها تثلم من فاتورة حساب وعذاب أخير الليلة.
سأعود الآن إلى صاحبي الحميم دافع العربة العمونية، الذي كلما هبطتُ الدرج مبتغيا الشراء والكلام، قصّ عليَّ حكاية مطحون الكمّون الذي يرشّه فوق بضاعته الطيبة، وحيث كنت أجادله بتفصيل سيرة البطنج العراقيّ الذي نبتته من فصيلة الكمّون، قال عليك بالكمّون الذي سيتكفل بتخليصك من قرقرة المعدة وبقبقة البطن وحرج السامع والمسموع.
الحقُّ هو أنني قد أحببت هذا الرجل النبيل، وقررت أن أشتري له وعياله بيتا ومطعما وسيارة ومزرعة فول وذرة ونارنج، حال عثوري على خزنة ذهب عملاقة قوتها عشرة ملايين دولار أخضر لا شكّ فيه ولا حرام.
أراهُ مرة كلّ خميس فأشتري من فولهِ حمل ليلة، فيسألني عن صحة بغداد العليلة، فأشهق فيشهقُ مثلي، فتنفتح أول بيبان القهر المبين.
مقالات اخرى للكاتب