الضريبة حق معلوم للدولة على المواطن بصفته الشخصية أم المعنوية، لا أحد يعترض طالما أن القانون النافذ يلزمه بدفع الضريبة المترتبة عليه ولا مهرب من ذلك، فالدولة كما وصفت قديما كالحجر اذا وقع عليك اهلكك واذا وقعت عليه حطمك، النتيجة واحدة، والضحية دائما المواطن، مقابل الضريبة ينتظر المواطن من الدولة أن تعيد له أمواله على شكل خدمات ملموسة لكي يشعر بجدوى التزامه بدفع الضريبة، ايضا لا بد أن تتحقق العدالة ويطبق القانون على الجميع دون إستثناء بمعايير ثابتة واضحة لا لبس فيها.
اذن الضريبة مقابل الخدمات، فهل يتحقق في العراق هذا المفهوم، شخصيا أشك بذلك طالما أن أموال الضرائب تذهب مباشرة الى الميزانية العامة وليس الى ميزانية خاصة بالخدمات، قال لي أحد مدراء الأقسام في الضريبة أنه ومجموعة من الموظفين لا يتعدى عددهم خمسة وعشرون موظفاً يجبون بحدود ستين مليار دينار سنوياً برغم إيقاف الحوافر والمكافآت عنهم منذ عام 2003.
في الدول المتقدمة أقتصادياً أميركا والصين مثلا يرتبط الأجر بالأنتاج وتمنح الأجور على الساعة وليس يوم عمل كما في العراق فلا يستفيد الموظف من “التسخيت” والأجازات، كلما زادت ساعات عمله يتقاضى أجراً أكبر وبما إن المعيشة المتوازنة ترتب عليه إلتزامات وفواتير فإنه مضطر لزيادة ساعات عمله، فيما تستفيد الدولة من زيادة الأنتاج في مختلف القطاعات. أخبرني أحد الأصدقاء المغتربين إن موظف الضريبة في الاردن يعد موظفا من الدرجة الأولى لأنه يحقق موارد مهمة للدولة ولا يتساهل في تطبيق القانون في النهاية تزداد أجوره كلما أزدادت أموال الضرائب المتحققة عن طريقه.
في الدنمارك مثلا ترسل دائرة الضريبة رسالة “مسج” للمواطن تخبره نسبة الضريبة المترتبة بذمته، فأن وجد المبلغ كبيراً يطلب تقسيطه ويختار هو مبلغ القسط حسب أمكانياته، المهم هنا إن الدولة تقبض كامل الضريبة دون إن ترهق المواطن أو تفرض عليه غرامات كما هو الحال في العراق، تصورا حال العراقي أمام مواطن في الدنمارك، العراقي لكي يدفع الضريبة يذهب برجله الى دوائر الضريبة ويقضي وقتاً طويلا فيها لكي يجنب نفسه الوسواس الخناس والويل والثبور وعظائم الأمور، ومن كان حظه عاثراً كحالي يكتشف إن أحد أضابير الضريبة خاصته قد فقدت وجيب ليل وأخذ عتابة.!
معظم دول العالم أستغنت عن الورق في معاملات الناس وصار كل شيء ألكترونياً الا في العراق نزحف كالسلحفاة نرفض التطور، لأسباب معروفة طبعاً، في وضعنا الرشى تصبح مكافأة للموظف الذي يرهق عقلك وجسدك ويجعلك تستسلم في النهاية وتدفع المعلوم غصباً عن شاربك.
لا تنتهي القصة عند هذا الحد إنما عليك مراجعة أقسام أخرى ومواجهة دوامة تعال “باجر” والأضبارة ضاعت وصحة صدور وكتابة تعهد وغلق الصندوق الى أن يأتيك الخبر اليقين بإنجاز معاملتك لكنها على خانة التحاسب الأحتياطي وليس النهائي،عباقرة آخر الزمان يسلبوك ثوب المواطنة، يذيقوك المر ويجعلوك تكره نفسك لأنك ولدت في بلد متخلف، يحملون المواطن فوق طاقته ويطلب منه أن يكون عراقياً صالحاً يحب وطنه، رئيس الوزراء حيدر العبادي يريد دورا رئيساً للقطاع الخاص في التنمية الأقتصادية فعليه أن يعالج أس المشكلة في دوائر الضريبة، أما إذا كنا لا نعرف كيف نطور دوائرنا بما يحقق أفضل خدمة للمواطن، تعالوا نستورد تجارب ناجحة ونطبقها لا أكثر ولا أقل وحسبنا الله ونعم الوكيل.
مقالات اخرى للكاتب