كتب علينا أن نعيش دوّامة ازمات متلاحقة، سلسلة طويلة من مشكلات تتعارض كلياً مع تطلعاتنا وتقف سدا منيعا أمامها، الارهاب الوافد من خارج الحدود هو التحدي الاكبر، فقد حصد أعدادا كبيرة من الشهداء وخلف أعددا أخرى من المعاقين.
وهناك خطر من نوع آخر جاءنا من خارج الحدود واستوطن أرضنا لا يقل تأثيرا عن الارهاب على الامد البعيد، يتمثل باستيطان كائنات لم تكن موجودة من قبل، فمن منا لم يسمع ويشاهد الصور المرعبة للأفاعي السامة التي انتشرت في اماكن متعددة من العراق، أو مر بسوق أسماك وشاهد الباعة وهم يتوسلون المتبضعين شراء سمكة البلطي ذات النوع الرديء التي انتشرت مؤخرا في مياهنا كنوع منافس قوي غير مرغوب فيه لأنواعنا المحلية الممتازة ما ادى لاختفائها، فلا يصل اقصى وزن هذا النوع سوى نصف كيلوغرام، ومن منا لم ترعبه سوسة النخيل الحمراء الفتاكة التي اكتشفت للمرة الاولى قبل اشهر في سفوان، هذه الحشرة الخبيثة أثارت الرعب والهلع عند المختصين ما دعا وزارة الزراعة لاتخاذ قرار بحرق المئات من النخيل خشية انتقال تلك الحشرة للمزارع الاخرى ، ومن منا لم ينصدم ويتوجس خيفة على ابنائه وهو يستمع للتقارير الاخبارية التي تحدثت عن انتشار حشرة عنكبوت الارملة السوداء في اطراف بغداد وبعض المناطق الاخرى، والتي يقول عنها المختصون بان لدغتها تعادل عشر أضعاف لدغة الأفعى، فأي مصيبة المت بنا، كيف وصلتنا الارملة اللعينة؟
قد تكون التغيرات المناخية أحدى اسباب دخول تلك الاحياء واستيطانها، لكن ثمة اسئلة تدور في مخيلتي ولا تخالجها، اهمها هل المصادفة هي من جعلت جميع الاحياء الوفد اما خطرة او رديئة، والرديئة لا تقل تأثيرا عن الخطرة بمنافستها لأنواعنا، ولماذا لم يدخل نوع جيد من الاسماك ولو كانت سمكة البلطي، أو انواع من النحل الجيد بدلا من السوسة الحمراء الفتاكة، أو ان طيوراً ذات فائدة بدلا من الافاعي والعناكب السامة، هذه الاسئلة تجعلني لا استبعد احتمال ولو قليل أن هناك ايادي خفية لها مصلحة في تراجع انتاجنا الزراعي ليبقى البلد سوقا مستهلكا لمنتجات تلك البلدان، أضافة لأهداف تتعلق ببث الرعب والذعر في قلوب الناس لتحقيق مآرب كبيرة.
وأيا كانت الاسباب فان هناك قصورا واضحا في اداء سلطات مسك الحدود (البرية والبحرية) أو السلطات الصحية والمحاجر الزراعية في المنافذ الحدودية، فقد تحدثت التقارير عن احتمالية كبيرة لدخول عناكب الارملة السوداء مع الفواكه والخضار المستوردة من موطنها الاصلي، وان صحت الرواية فهذا يعني أن خللا كبيرا يعوق اداء المحاجر الزراعية والصحية العاملة في النقاط الحدودية، وان في هذا إنذار وناقوس خطر كبير ينبه الحكومة الى ضرورة معالجته مواطن الخلل بالسرعة القصوى، والمعالجة تتم من خلال زيادة عديد العاملين زيادة عددية نوعية فالزخم الكبير للمستوردات قد يعوق دقة العمل، كما أن ورفد المختبرات بأجهزة حديثة ومتطورة ومن مصادر رصينة سينعكس حتما على ادائهم، ومن المفيد اقحامهم في دورات علمية عالمية لمواكبة ما وصل اليه العالم المتحضر.
فالعمل الذي تقوم به المحاجر كبيراً ووطنياً يمس حياة المواطنين بشكل مباشر، وأن اي تهاون أو غض نظر يعد خيانة واستهانة بمقدرات الناس. وهذه الاجراءات ستبعث رسائل تطمئن المواطنين المرعوبين من فظاعة الصور التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي وشغلت وسائل الاعلام ،أهمها (الارملة السوداء) لما يمكن ان تفعله تلك الحشرة الخبيثة، والمضحك المبكي كلما يتصاعد الحديث مع زملائي عنها في الدائرة أجدني باحثا عن زميلي طالب مسؤول وحدة الوقاية لأسأله سؤالاً لطالما كررته عليه هل المبيدات التي تتعاملون معها بروائحها التي تزكم الانوف قادرة على قتل الارملة السوداء ؟ فيجيبني في كل مرة ضاحكا نعم الارملة (السوداء والبيضاء بل وحتى الشقراء).
مقالات اخرى للكاتب