ترتكز عملية التعاطي بين المواطن الغربي والسياسي على ما يقدّم من أفكار، ومدى التزامه بها، وصدقه في جهده، في الأقل، في السعي لتطبيقها، بغض النظر عن كيفية الطرح وآلياته، في حين يعتمد المواطنُ في بلادي على الكيفية التي يتم فيها الطرح، وليس مضمونه، ومدى ملاءمته لمتطلباته الحياتية .
مرد السلوكيات التي تميز السياسي الغربي ليست شخصية، نابعة فقط من إيمانه بضرورة التزامه بأقواله، أو الاعتذار والاستقالة من مسؤولياته في حال الفشل، بل تعود إلى البيئة، التي لا تترك مجالا آخر للتبرير، فالمنظومة التربوية محكمة، وهو، في النهاية، جزء منها.
أما منظومتنا فتقوم على التلاعب بالألفاظ وتحريكها، جزءاً من قدرة مفرداتنا، إذا ما غيرنا حركاتها، على التأثير في المقابل، الجاهز لتحريك عاطفته، التي يعتمدها في تلقي الفكرة. هذا الجزء المهم يدفع الكاذب إلى الاستمرار في سلوكه، حين لا يجد صعوبة في التبرير، طالما كانت المنظومة تقبل، وتعطي فرصة للاستماع، مقابل تضحيات لا تقدر بثمن، هي سنوات أعمارنا تمضي، وأجيال تقضي، من دون أن تمكنها هذه المنظومة من القدرة على تحقيق أملها في حياة كريمة.
درجة الوعي تلعب دوراً في عملية تقييم الفكرة. ومع انخفاض درجاته، لا يمكن أن ننتظر أي تغيير قد يحدث، فالمنظومة المثلى، والإيمان بها، واعتمادها قياساً للتقييم، هو ما يعتمدها المواطن الغربي لتضمن له عزل الكاذب، في حين ظل مواطننا يعتمد الأشخاص مقياسا ومعيارا، بوصفهم منظومة عامة، يميل معها ميلا حد الكذب على ذاته فقط، لأنه يعتقد بالشخص، لا بما يجب على ذلك الشخص أن يفعله.
نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة، حسين الشهرستاني، الذي صرح بأن العام الحالي، 2013، سيشهد تصدير العراق الكهرباء، على الرغم مما يعانيه المواطن، من قلة في تجهيز الطاقة، لم يقدم استقالته، ولم يعتذر عن قول لم يتحقق، إذا ما قلنا إنه لم يكن كذبا.
السياسيون باتوا يمارسون أكثر من نصف نشاطهم من على شاشات الفضائيات، وبات القول من أبرز ما يعتمد في وأد أو تحريك أية أزمة، قد تفتك بأرواح الأبرياء، حتى إن بعضهم بات يطرح مشاهدات وملاحظات، يصورها له خياله بأنها مؤامرات خطيرة، من قبيل النجمة السداسية، التي لفتت انتباه السيدة مها الدوري في الأضرحة المقدسة.
السؤال الكبير، الذي يجب أن نبحث له عن إجابة، هو: مَن أعطى هؤلاء القدرة على الاستمرار في هذه المكانة؟ هل هو الاستمرار بالاستماع إليهم؟ أم قاعدتهم التي تؤمن بهم؟ هل غياب المنظومة التي تقاس بها المبادئ أفرزت، فعلاً، (قوالين)، لا يفعلون؟
الجميع يريدون أن يقولوا، لا أن يسمعوا، وإذا سمعوا، فهم ينتظرون أن ينتهي الحديث ليبدؤوا الكلام. لذا، سيستمر هؤلاء بالكلام، مادام هناك من يؤمن بهم، بغض النظر عما يقولون، سواء كان كذباً أو متناقضاً، أو غير واقعي، أو غير قابل للتطبيق، فالكل يدعي أن قوله هو الأهم.
ماسح الأحذية في باب دائرة جوازات الكرادة قال متحدثا، قبل عامين، إن السنة المقبلة ستشهد انقلابا عسكريا كبيرا. وحين اعترض عليه أحدهم ساخرا، برر قدرته ومعرفته بدروب السياسة قائلا: "أبوية فد يوم مسح حذاء نوري باشا السعيد، إنتو شمعرفكم بالسياسة".
مقالات اخرى للكاتب