منذ عملية اختطاف المستوطنين الثلاثة يشهد الشارع الإسرائيلي حالة من الانفلات الاستيطاني وموجة من التحريض والهيجان العنصري الفاشي على جماهيرنا العربية الفلسطينية في الداخل ، وضد قياداتها السياسية وهيئاتها التمثيلية ، والترويج للانتقام والقتل . وتزايدت هذه الموجة التحريضية المسعورة بعد العثور على المختطفين الثلاثة مقتولين في منطقة الخليل بعد أكثر من أسبوعين من البحث عنهم . وقد استغلت حكومة نتنياهو عملية الاختطاف لشن حرب همجية شاملة على الشعب الفلسطيني كعقاب جماعي ، استخدمت خلالها كل أساليب القمع والتنكيل والاعتقالات التي طالت أكثر من خمسمائة فلسطيني منهم كان أفرج عنه في صفقة شاليط ، ولتحقيق أهداف معلنة وفي مقدمتها ضرب اتفاق المصالحة بين "حماس "و"فتح " وتكريس الانقسام الفلسطيني .
ومن المثير والمقلق أن من يقوم بالتحريض ونفث السموم العنصرية رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الخارجية الترانسفيري ليبرمان وعدد من الوزراء المعروفين بمواقفهم اليمينية المتطرفة ، إضافة للإعلام الإسرائيلي المجند والمجير بغالبيته لخدمة الأهداف السياسية المبيتة ضد شعبنا الفلسطيني .
ولا شك أن هذا التحريض العنصري الأرعن ضد جماهيرنا العربية هو استمرار للقوانين العنصرية التي شرعتها الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة ، والمحاكمات السياسية لعدد من القادة الحزبيين والناشطين السياسيين ، وكل ذلك بهدف تجريم العمل والنشاط السياسي ونزع الشرعية السياسية عن جماهيرنا وعزلها وإقصائها خارج الساحة السياسية وحرمانها من حق التعبير عن مواقفها وأرائها السياسية والتأثير على الرأي العام الإسرائيلي .
وتكمن خطورة حملة التحريض الرعناء بأنها تقدم الغطاء للجرائم والاعتداءات العنصرية التي يمارسها ويقوم فيها أوباش العنصريين في الشوارع وتغلغل عصابات تدفيع الثمن داخل القرى العربية لحرق المساجد والكنائس وكتابة الشعارات العنصرية المعادية للعرب .
ومن الملاحظ أن موجة التحريض أخذت منحى خطيراً بعد عملية خطف الفتى الفلسطيني محمد أبو خضير من حي شعفاط وإحراقه على أيدي مستوطنين ، كخطوة انتقامية ، ورداً على ردة الفعل الشعبي لفلسطينيي الداخل على هذه الجريمة المروعة واندلاع أعمال الاحتجاج والغضب التي بادرت إليها مجموعات شبابية ، وأدت إلى مواجهات حادة مع رجالات الشرطة ، وكانت عاملاً أساسياً في الاحتقان وتفجر الأحداث الأخيرة في القرى والمدن العربية . وبدونريب هذه المواجهات تتحمل عواقبها ونتائجها السلبية حكومة اليمين المتطرف ، وهذا الأمر أكده بصريح العبارة كذلك يوفال ديسكين رئيس جهاز الشاباك السابق حيث قال : "إن تدهور الوضع الأمني ناتج عن السياسة الخالية للحكومة الإسرائيلية القائمة على إخافة الجمهور من كل ما يحدث حولنا في دول الشرق الأوسط ، وقولها تعالوا نثبت إنه لا يوجد شريك فلسطيني ، تعالوا نبني المستوطنات ونخلق واقعاً لا يمكن تغييره ، تعالوا نواصل تجاهل مشاكل الوسط العربي في إسرائيل ، تعالوا نهمل حل المشاكل الاجتماعية داخل المجتمع الإسرائيلي ".
لقد حان الوقت أن تعي المؤسسة الصهيونية الحاكمة انه لا يمكن الاستهتار بمشاعر وحقوق وكرامة جماهيرنا العربية الفلسطينية ، التي صانت هويتها الوطنية ، رغم حملها الهوية الإسرائيلية ، وشبت على الطوق منذ زمن بعيد ، ومن حق هذه الجماهير التعبير عن مواقفها ومشاعرها والتعاطف مع أبناء شعبها الفلسطيني الذي يعاني حصاراً احتلالياً متواصلاً ، والخروج بمظاهرات احتجاجية وحدوية وعفوية ومنظمة على مجمل السياسة الإسرائيلية تجاه شعبنا الفلسطيني وجماهيرنا العربية ، والوقوف بوجه الفلتان العنصري ، وعلى حكام إسرائيل الإصغاء لصوت العقل الداعي إلى تفكيك المستوطنات والانسحاب من جميع المناطق المحتلة عام 1967 وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية ، وإرساء صرح السلام العادل والشامل والثابت . فهذا هو الحل والسبيل الوحيد للخروج من دائرة العنف والدم وتحقيق الهدوء والأمن والاستقرار والعيش بطمـأنينة . وليس لنا في النهاية سوى قول محمود درويش في رائعته " عابرون في كلام عابر" :
أيها المارون بين الكلمات العابرة
احملوا أسماءكم وانصرفوا
واسحبوا ساعاتكم من وقتنا وانصرفوا
وخذوا ما شئتم من زرقة البحر ورمل الذاكرة
وخذوا ما شئتم من صور ، كي تعرفوا
إنكم لن تعرفوا
كيف يبني حجر من أرضنا سقف السماء .