استكمالا لموضوعنا السابق " شيعنة البعث " نقول ؛ ان الإحتلال الأمريكي تشارك مع المجموعة السياسية التي استقدمها عقب سقوط صدام في محاولة دفن فاشلة لأكثر من ثلاثة عقود من الزمن العراقي، وتراكمات الظلم والتعسف والحروب والحصار والأنتكاسات . مضمون التشارك بالأخطاء الاستراتيجية يتضح في غياب المراجعة التاريخية لتلك للحقبة السابقة ، وتغطيتها بإجراءات إجتثاث وقوائم مطلوبين واقصاء خلط الحابل بالنابل وأحدث هذه الفوضى المثقلة بالمآسي . لم يتم تحليل الأخطاء والدوافع وآليات تحول دولة من من الشعار المدني والطروحات الإشتراكية والقومية الى دكتاتورية مطلقة وعسكرة مجتمع مفتوح على شهية دائمة للحروب واستقبال الهزائم . غياب مشروع الدولة المدنية الديمقراطية لدى الطبقة السياسية ، وارتفاع نبرة الثأر ودعوات الأنتقام والتصفيات الجسدية وهيمنة ثقافة الإجتثاث وتدمير الآخر ، أطاح بمشروع التغير وألغى فكرة المصالحة الوطنية وكرس التشرذم الطائفي والأثني والعنصري ، وحقق تصعيدا للهويات الفرعية مقابل اندثار ثقافة المواطنة والتنمية بكل مستوياتها . نزاعات من أجل السلطة والنفوذ والمال بإستماتة تعبرعن إذلال تاريخي ، طبع سلوكيات الأحزاب المتصدية لمشروع السلطة ، واضاع فرصة بناء مجتمع يخلو من العقد والأدران والسرطانات المميتة التي صارت تعشعش بتعجيل مدهش . الإحتلال والأحزاب السياسية التي ألفت السلطة السياسية ، فشلت بكونها سلطة أخلاقية ايضا ، فهي لم تحمل اي خطاب او مشروع إعادة تأهيل مجتمعي ومستقبلي لملايين من البعثيين الذين تم تغريبهم واستعداءهم سياسيا وأجتماعيا . ومن هنا نجد ان البعثي الشيعي ذهب بأتجاه الأنتماء الطائفي بحكم السياق والحماية ، وهذا ماحصل ايضا مع البعثي السني . الإنحدار الطائفي للبعثي يأتي أثر رفض قبوله مجتمعيا وسياسيا ، تحت عنوان الإجتثاث الذي اصبح عاهة إجتماعية ومعيشية ، واذ صار يألف السلوك النفاقي ويضع له مسوغات من أجل حياته ، فأن إفرازات هذا الواقع يتجلى في فقدان الإنتماء الوطني وشيوع ثقافة الفساد وتخريب الذات . وفي الوقت الذي نجح به الأنتهازيون من الشيعة البعثيين في التسلل الى الأحزاب والتيارات الشيعية الحاكمة وإحتلال مواقع متقدمة فيها ، فأن أغلب البعثيين السنّة قد اندفعوا للإنضمام الى الجماعات المسلحة المعارضة للعملية السياسية ، والتشكيلات التي تؤلف أعمال العنف والأنتقام والثأر والتخريب ، وشكلوا حواضن معروفة للإرهاب وتنظيم القاعدة . انقسام مفجع وكارثي اصاب الوطن بأوبئة أخلاقية وأمراض وحروب أهلية وعزل طائفي وتطهيرعرقي ، وتهديد بالإنفصالات ، وسقوط قيمي جعل البلاد ترزح تحت فساد ينصف الأول عالميا . ومن هنا يكون العراق بحاجة وجودية لثورة تصحيحية تعيد تأهيل الملايين في نسيج وطني ينهي الإنقسام المجتمعي ،وتخليصها من هذا الوباء الأخلاقي في إطار مشروع المواطنة والدولة المدنية التي تسود فيها مبادئ العدالة والقانون وتكافؤ الحقوق .