لم يألف الواقع السياسي العراقي التعددية علىمدى اكثر من نصف قر ن وتحديدا منذ سقوط الملكية الدستورية عام 1958 واستلام العسكر مقاليد الحكم هذا اذا اعتبرنا الحكم الملكي دستوري تعددي وأن كان يحمل تلك التسمية بالاسم فقط لانه حكم كان يعتمد على اجندات سياسية محددة تخدم العائلة المالكة ومن يدور في فلكها ليس ألا .. لكنه كان يقترب من الديمقراطية بعض الشيء
إن تجسيد التعدد والتنوع السياسي كما المذهبي في الواقع العراقي مع توفر شرطي الاعتدال والانفتاح على الآخر، يعد حاجة ملحة لضمان الحاضر، بل وأحد مقومات المستقبل، فالعراق
بلد التنوع والتعدد وبلد الثقافات والحضارات المختلفة وهو في تشكيلته السكانية العامة يحمل كل صفات الشراكة الوطنية، فالكل شركاء في هذا الوطن منذ الأزل، وشراكة العراقيين في وطنهم متمثلة في التعايش بين أبناء هذا الوطن، فهم شركاء في هوائه ومائه وأرضه وسمائه وفي جميع خيراته، حتى إنهم وعلى مر السنين شركاء في الحزن والفرح، إلا أن السياسة غير الواعية التي حكمت العراق في عقوده الماضية هي التي تسببت في خلخلة هذه الشراكة والتنصل من مفهومها الوطني العام ,فلم يكن المواطن العراقي يشعر بمفهوم المواطنة في ظل النظام الدكتاتوري السابق، ولم يع معنى الوطنية الحقة إلا في الشعارات البراقة التي أكل عليها الدهر وشرب في جمهورية الخوف التي حكمت البلاد بسياسات عديدة هدفت إلى إلغاء الهوية الوطنية للفرد العراقي من خلال تفعيل حالات الإقصاء الطائفي والقومي والعرقي وبعد سقوط هذا النظام الفاشي انتقلت السلطة من أفراد من منطقة معينة يحكمون العراق ويلعبون بمقدرات الشعب وثرواته إلى يد الشعب نفسه وهذا الأمر تطلب تغييرات جذرية على الساحة السياسية العراقية .فانتقلت حالة العراق من انغلاق فكري وسياسي إستمر أكثر من ربع قرن إلى انفتاح عولمي لا يتناسب بأي شكل من الأشكال مع ما كان سائدا، ومن هنا حدثت الانتقالية التاريخية للحركات السياسية والتيارات والأحزاب من دور المعارضة والرقيب إلى دور المبادر الفعال ... \ بمعنى آخر إن هذه التيارات انتقلت من مرحلة الزهد في الحكم ولعب دور المتفرج إلى دور المشارك الفاعل في صنع القرار السياسي العراقي وهذا ما ألب بعض الأشقاء الذين لم نر منهم إلا الشقاء إلى لعب دور آخر في المنطقة محاولين إجهاض هذه التجربة بدعاوى إن أميركا هي التي أسقطت النظام المقبور في العراق وليس الشعب، وهذا الأمر يطول الحديث فيه لما فيه من لبس مقصود يحاول أن يسوغ للبعض تصفية حساباته مع أميركا في العراق على حساب الشعب العراقي المغلوب على أمره
وبعد كل ما جرى في العراق من تغير بعد سقوط البعث لم يعد المواطن العراقي بأفضل حال من ذي قبل فإذا كان في السابق لم يشعر بروح المواطنة انعدمت تلك الروح لدى المواطن في ظل حالة الفوضى التي أوجدها المحتل وبعض رجال السياسة الذين لا يهمهم سوى التمسك بمناصبهم والاستئثار على حساب المواطن الذي فقد إحساسه بالانتماء إلى الوطن ..
وبالتالي صار الكثيرون ممن يحسبون أنفسهم على السياسة يقومون بدور الهدم في أية عملية بناء سياسي تتماشى مع تطلعات الشعب ومتطلبات التغيير الذي يحصل في العراق، وأصبح فعل بعض الأحزاب السياسية هو الإقصاء وعدم تقبل الآخر، بل وصل الأمر إلى عدم تقبل الشريك السياسي حتى في الكتلة السياسية الواحدة ..
ونتيجة لذلك أصبح الحال في العراق من سيء إلى أسوء بسبب عدم الفهم الجيد للعمل الحزبي والافتقار إلى التنظيم والفهم الخاطئ لصنع قيادة واعية تستطيع أن تأخذ على عاتقها جعل العراقيين تحت عنوان واحد اسمه الوطن .
ورغم جميع المحاولات لبناء شراكة سياسية إلا أنها لم تتعد حيز الشعارات ووسائل الإعلام بسبب عدم الجدية في المحاولة وبسبب تغلب مفهوم المصالح الحزبية والطائفية على جميع المفاهيم، أدى كل ذلك بالنتيجة إلى عدم وجود شراكة سياسية حقيقية في العراق بعد سقوط النظام الشمولي ألا ان ذلك الجفاء في التعامل قد روضته الظروف وارادةالعراقيين المخلصين الذين خبروا النضال وقدمواالاف الشهداء والذين تنازلوا عن الكثير من استحقاقاتهم للاخرين في سبيل ان تنجح لتجربة الديمقراطية الوليدة في العراق الصابر .
وبغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع هذا الحزب أو ذاك، فالأصل أن التنوع السياسي دليل حيوية وعافية بعكس الأحادية السياسية التي تحتكر الحكم و تحتكر السلطة الحاكمة للدولة بكافة إمكانياتها، وكلا الأمرين يضران بالمواطنة المتساوية ويؤديان إلى تعصب مقيت وربما أعمى مقابل أهمية حوار الأحزاب السياسية ينظر بنفس الأهمية إلى حوار المذاهب الذي يُعد في نظر البعض من الكتاب ضرورة وطنية تفرضها تداعيات أحداث وأعمال عنف يومية، وما تجلبه الفتنة الطائفية في المنطقة من توترات لا يقتصر خطرها على هذا القطر أو ذاك .
وعلى المرجعيات الدينية في كل الطوائف دور يفترض أن تضطلع به اليوم قبل الغد، لا بهدف تعميق خطاب الفرقة وإنما بهدف تقليص الهوة بين المذاهب في العراق والتقريب بينها على ان وأن الوحدة في إطار التنوع وحق الاختلافات t العراق بلد متعدد القوميات والاديان والمذاهب منذالقدم ولا يحق لقومية اودين او طائفة ان تستاثر بالحكم وتقصي اوتهمش غيرها من هذه المكونات ولقد لمسنا المخاطر والمساويء التي جلبتها علينا تلك السياسات الاحادية الخاطئة ولقد استوعبنا الدرس ولا يمكن باي حال من الاحوال ان نسمح بعودة تلك الرؤىالسياسية المقبورة وان نبعد عن تفكيرنا وسلوكنا اليومي كل مظاهرالتعصب والانحيازغير المبررللطائفة او الحزب ونستبدلها بقبول الاخر والتعايش معه بصفته مواطنا عراقيا له ما لنا وعليه ماعلينا....
مقالات اخرى للكاتب