تباع المناصب في العراق إبان الدولة العثمانية، من قبل ذوي النفوذ في ادارة السلطة آنذاك، مع ضمن حماية المسؤول وهو يطلق يده، مستحصلاً المال، من دون حساب، بأية طريقة يشاء!
فما أشبه اليوم بالبارحة؟
وكما يبدو.. أن هذا هو العراق، منذ مئات السنين، وسيبقى! لم تحدث إستفاقة حضارية في بنيته الاجتماعية، إنما يحتفظ بالفساد على شكل بذرة متكيسة، تتفتح متفاعلة مع الحياة السياسية.. تدمرها، باسطة سطوة التخلف والاهمال وشحة الخدمات والتناحر، بقوة على الشعب، في كل زمان.
قدرنا ان تتعامل الدولة الديمقراطية المعاصرة معنا، بمنطق الدولة العثمانية أوان تخلفها.. الرجل المريض، وتمسك بمقاليد الحكم في العراق، شخصيات هشة في إدارة سياسية الدولة، متينة في إدارة شؤون الفساد ومصالحهم الشخصية والفئوية.
يتهافتون على السلطة بشعارات الدولة، ليمارسوا عملا تجاريا بشعارات الدولة ذاتها، مفرطين بمقدرات البلد، لتنفلت فرصة الارتقاء به الى ارفع المستويات، لكنهم مشغولون عنه بذواتهم، تاركين الوطن يتداعى، حتى نزلوا به للحضيض.
وهذا ما فعله قبلهم الطاغية المقبور صدام حسين، الذي عني بنفسه وأهمل الدولة، لكن بدرجة يقول عنها الشارع العراقي الآن.. كانت خف بكثير، من البلاء الذي نعيشه.
نظير غمامة المحاصصة الحامية للفساد، التي تهيمن على العراق الآن، أجد ان الفرصة ما زالت قائمة، ببزوغ مستبد عادل يقود تغييرا جذريا يوقظ الشخصية العراقية المتحضرة.. يجيء بها من أعماق قال عنها ويل ديورانت في كتابه "فلسفة الحضارة" بأنك اليوم اذا مشيت وسط اطلال بابل لن تصدق ان هذه الخرائب شهدت حضارة عظمى في ما قبل.
لو قاد المستبد العادل تغييرا تلتف قطاعات الشعب حوله، سوف ينتشل العراق من الخراب الذي حل به، من الشارع الى الدائرة الحكومية الى مرافق الحياة الخدمية؛ بسبب تخلي الحكومة عن دورها والانشغال بالفساد وحماية المفسدين، تحت غطاء النزاهة وادعاء النية في الإصلاح، وكأن الإصلاح شجرة معمرة يجب انتظارها 15 سنة كي تنمو ببطء "على راحتها" في وقت يتهاوى البلد سريعا!
ثورة إصلاحية، يتفرد بقيادتها عقل متمكن من أدائها بإجادة نزيهة ومخلصة لهدف سامٍ هو العراق المثالي الذي يتمتع ابناؤه كافة بثرواته، وليست مجموعة تسرق منذ 2003 وللآن، من دون ان ترتوي شهوة المال لديهم.
النهضة المتأملة، تحل الاحزاب وتقيم دولة مؤسسات حقيقية، وفق نظام حكم رئاسي بلا محاصصة.. فالمحاصصة ستر الفساد.
وريثما يولد المستبد العادل، او يجيء منبثقا من طيات الغيب، علينا الا نستسلم لقدرنا الراهن، والا نكتفي بتظاهرات إحتجاجية، ينظمها المفسدون أنفسهم، ضد الفساد؛ يغية ذر الرماد في العيون، إنما نسعى جادين لمؤزرة بطل قومي نخلقه من مجموع الارادات الوطنية المتضافرة في سبيل إنتشال العراق من دركات الفساد الذي أغرقته المحاصصة فيه.
مقالات اخرى للكاتب