الثراء قد يضع السياسي ورجل الدولة في موضع الشك في ثروته الى أن يثبت العكس ، ومعرفة مصدرها …
ولذلك تعتمد الدول وخاصة الديمقراطية الشفافية في موضع صلة المال بالمنصب وتعمد الى مبدأ تقديم الذمة المالية للمرشح لتسلم منصب ضمن شروط الترشيح الأساسية ، ومتابعة ما يطرأ عليها من تطور بعد تسلم المسؤولية ، وما اذا كانت بطريق مشروع أم لا …
فالعالم وليس امريكا فقط يعرف مثلا ثروة المرشح الجمهوري دونالد ترامب عندما أعلن بنفسه أن ثروته تقدر بنحو عشرة مليارات دولار ، وإن دخله السنوي يزيد على 557 مليون دولار ، ويعرف أيضا موقفه الضريبي ، ويتابع التراجع والتقدم في ثروته …
وليس بالأمر العسير معرفة الثراء غير المشروع عند السياسي أو المسؤول وذلك من أعراضه التي تبدو واضحة للعيان ، ومنها حرق مراحل التطور المتعارف عليها في تكوين الثروة ، أو بمعنى أخر النموغير الطبيعي لماله ، وإهتمامه بمصالحة الشخصية ، وليس بمصالح الجماهير ، ويصبح كل همه هو جمع المال لتغيير حاله ، وليس تغيير حال الشعب نحو الافضل … ولذلك تراه في حالة سباق مع الزمن لجمع أكبر ما يمكن من المال قبل انتهاء ( مهمته ) في المنصب..
إن في مقدمة صفات السياسي الشخصية التضحية وهي نقيض الفساد ، ولا يمكن ان تلتقي الصفتان في شخصية واحدة ..
والسياسة عمل تطوعي ، وليست مهنة ، ينتظر منها السياسي عائدا وراتبا وامتيازات ومكاسب ..
والعمل التطوعي ينمي عند السياسي حب الأخر ونكران الذات والايثار من أجل الوطن والمواطن ، وذلك عندما يرى أن عائدة الاكبر هو تحقيق مبادئه التي كان يبشر بها وترجمتها الى أعمال على ارض الواقع ، وبخلافه يكون مصابا ( بالازدواجية السياسية ) ، ويكون ( نضاله ) شخصيا ، ومن اجل منافع مادية ، والوصول الى السلطة ، إو اعتلاء منصب ، ليس جديرا به ، تحت ( يافطة ) العمل الوطني لتحقيق اغراض شخصية ..
فالسلطة ( لعينة ) ، و( سحرها ) لا يقاوم ، ومن يسقط في إغراءاتها الجامحة ، ويستلطف راحتها ومقعدها الوثير ويأخذه سحرها بعيدا عن هموم شعبه ، وتستهوته القابها وبريق اموالها وكثرة مكاسبها يكون قد تخلى عن إدعاءاته (الوطنية ) السابقة ، والمبادىء التي كان ( يزعم ) أنه ( يناضل ) من أجلها …
فمن يفكر في اغراءات المنصب ومكاسبه لا يعمل بروح مسؤولياته والعكس صحيح ايضا ، لان المنصب ليس للنهب ، بل هو لتحقيق مصلحة وخدمة عامة… وعندما يصبح الفساد ظاهرة وثقافة ، فالحصانة من الوقوع في مرض الثراء الفاحش واغواء الكرسي هو الاصلاح ، وابعاد الفاسد عن تبؤء أي موقع في سلم المسؤولية واعتماد مبدأ الشفافية والذمة المالية كشرط أساسي في الترشيح ..
وأولى خطوات الاصلاح الأن هي في تبديل الوجوه الفاسدة ، وليس ذلك بالامر العسير ما دام من يعمل بالشأن العام ، ويدخل في معترك السياسة معروفا في ماضيه وحاضره لحزبه والسياسيين وعامة الناس في محيطه (الجغرافي ) أو أبعد ، ناهيك عن أعراض هذا المرض ( الخبيث ) التي تكون قد بدت واضحة عليه ولا يمكن اخفائها وهي كافية لوحدها تشخيص إصابته به..
لقد مضى من الوقت ما يكفي لفضح الفاسدين ، ووضع حد لهذه الظاهرة الخطيرة التي اصبحت وباء سياسيا يمكن أن يصاب به من لا يملك ( مناعة وطنية) وتهدر ثروات الشعب ، وتتسبب في تراجعه ، وفقدان فرص مهمة في التطور والنهوض …..
وما دامت المحاصصة هي المبدأ العام الذي تعتمده الدولة الى الأن في اشغال المناصب – رغم فشل هذا المبدأ وتسببه في هذا التراجع والفساد – من خلال التنسيق مع الاحزاب والكتل والترشيح من قبلها .. فعلى الدولة ان تُلزم الكتل والاحزاب بتقديم الذمة المالية للمرشح للمنصب ضمن سيرته الذاتية والمهنية ، وتكون مسؤولة أمامها وأمام الشعب عن أي تغيير في حالته المالية بطرق غير مشروعة ، لكي لا يستقوي الفاسد بكتلته ويمعن في الفساد ، أو يحصل بين الكتل توافق للتغطية على الفاسدين …
فالكتلة او الحزب هو الاعرف باعضائه ، وله القدرة على أن يميز الفاسد من النزيه … واذا لم يستطع الحزب أن يطهر نفسه من الفاسدين فلم يعد هناك مبرر لوجوده .. ..
{{{{{
كلام مفيد :
اذا لم تستطع عمل اشياء عظيمة … إعمل أشياء صغيرة بطريقة عظيمة .( نابليون هيل – كاتب امريكي )
مقالات اخرى للكاتب