عندما أستسلم للقدر، يثملني السكر في الدين، كل نفسٍ برئتي، نبي يصُلب على جدار الكعبة، تعصفني ريح الرجوع لله، فيتمتم جوفي بترانيم وآيات الذكر، فجراً بلون الدماء، يتسارع الندى ليزيل الإحمرار، فيبدأ بالفضاء من حولي، تتساقط أصابع الضوء خجلاً، تجرف معها الطيف المخيف، فيستفز الفجر عنفوان الشمس، لتثأر من الليل، وتذبح الندى على وريقات الحدائق علناً، وتستل منها نسيم الصباح.
ولا زلت أرتمي بأحضان القدر، وريقات على نافذتي، وعصافير تبحث عن فتات الخبز في داخل ذاكرتي، الخريف يزاحم أنفاسي كثيراً، تشيع الأوراق الى المقبرة عن طريق حجرتي، كل شيء يبحث عن قبر في النهاية، حتى الجبال، الجاذبية هي الأخرى تدفن في الأرض، الطير لو نزل، والورقة الصفراء تسقط من أغصان الشجر، حتى الأنبياء تركوا الصليب وأرتحلوا، أجراس ومأذن من حولي، كلها تدعي في خالقها، هو الرب, هو الحي, هو القدوس, هو الأكبر، كلهم أطالو اللحى، يتاجرون بها، لا فرق بينهم، إلا الحياة التي ستيقظ الضمائر في الصباح.
يرحلون حفاة عبر نافذة مخيلتي، ويصعدون الى السماء بهدوء، زخات ندى ستلامس أفنان الجنة، تستعد وريقاتها بسكون، أعمدة بيضاء، ودخان مسافر، ولفائف بألوان الجحيم الصارخة، تستجمعها الملائكة وتتزين النساء والرجال والأطفال لإستقبالهم، على وسادتي أحلام عالقة، وبقايا من أضغاث مخيفة، وصورا لهم وهم يضحكون، يمرون من فوق سريري كل ليلة بلطف، من تحتهم وادٍ مظلم، ومن فوقهم أفق جميل.
حمامة برية، دق جرس العطش في أحشائها، فتجبرها على النزول بلهفة وحياء، تداعب الماء بحذر شديد، وعيناها لم تتوقف من إستكشاف ما حولها، هكذا كانت أرواحهم البريئة، وهي تنزل واد السلام لأول مرة، إعتقدوا أنهم في فندق فاخر، فتفاجئوا بأنهم لم يعتادوا على تلك المساكن الخربة، لكل جيل أقرانه، ولازال الوقت مبكراً على تلك البيوت ليسكونها، قد يكون من حولهم أجدادهم، لكن إلا يحتاجون الى كرة يلعبون؟ أو بنطلون بموضة تلائم أعمارهم؟ أو تسريحة شعر جديدة؟ أو ضحكة لا يخجلون من صوتها؟
رائحة الموت تملأ المكان، وسيمفونية الرحيل تخدش مسامعهم، موسيقى تملأ فناء الألق، يبحثون عن القمر، وشيئاً من غيمة راقصة على وقع الشتاء، وينتظرون الشمس ليصفعوها، أو يقصون خيوط ضوئها الدافئة، ستصهر خلايا أجسادهم الرقيقة البيضاء، لا حاجة للعطور وروائح الماء، سيتركون منازلهم، ويرحلون مع نسيم الفجر الكاذب.
أغلقوا نوافذ القلوب، وإسكبوا دموعكم في اقداح ليل المعصية، ما عاد العمر يكفن جدائل الأيام، ولا النوارس تنعق على رؤسكم حذر الموت، فم دجلة أيضا ألتهم حقوقنا، وأستقرت بجوفه أجسادنا، ولكن ما هي إلا لحظات، وستسرج لنا النجوم تحملنا حيث الله بلا رجعة، وستنبت على معالمنا الذكريات، وينتهي كل شيء مع رحلة الشعور من فوق السحاب.
مقالات اخرى للكاتب