بناء الدول يحتاج إلى شخصيات استثنائية، لصعوبة هكذا مهمة، أما العراق فالأمر يكون أكثر صعوبة، بسبب تعدد مكونات الطيف العراقي، واختلاف هواجس هذه مكوناته، فضلا عن موقع العراق وخيرات أرضه، مما يضيف إلى صراعه الداخلي، صراح مصالح خارجية، لذا الشخصيات الاستثنائية التي يمكنها أن تبني دول أخرى، تحتاج إلى مؤهلات إضافية، أذا أريد لها أن تتصدى لبناء دولة في العراق.
هذا ما يبرر جنوح معظم من تصدى لحكم العراق، إلى الانفراد والديكتاتورية، كون هذا الحل الأبسط والأسلم، لضعف وعدم قدرة هؤلاء على بناء دولة ، لذا اختاروا بناء أنفسهم، واستنجدوا بمقربيهم وأشباههم، ليسهل عليهم قيادتهم والتحكم بهم، وحارب هؤلاء الكفاءات والخبرات، وأصحاب الرؤية والإستراتيجية، التي يمكنها أن تخلص البلد من النكسات المتكررة، التي عانى منها على مر تاريخه.
بألا مس كان الشعب العراقي يتداول طرفه، تقول أن سمير الشيخلي الذي ولاه الهدام وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، زار جامعة البصرة فأشتكى لديه الطلبة من قلة الكادر التدريسي باستخدام المصطلح الانكليزي (ستاف) ولعدم معرفة الوزير بهذا المصطلح، التفت إلى رئيس الجامعة قائلا ( ألان تذهب اللوريات إلى موقع الجامعة السابق، وتحمل (ستاف) وتجي) ضحك الحضور مما دفع الوزير إلى إصدار تعميم، بعدم استخدام المصطلحات الأجنبية في مخاطبة الوزير.! وأيضا طرفة الفيل الطائر على أحاديث الهدام.
للأسف الحكومة السابقة، كانت نسخة طبق الأصل من ذاك النظام، بسبب الخلل نفسه، وهو عدم قدرة المتصدين فيها على بناء دولة، حيث تغيب عنهم الرؤية والإستراتيجية، إضافة لفقدانهم للحكمة والحنكة في معالجة المشاكل، لهذا لجأ رأس الحكومة إلى الفاشلين والأميين والانتهازيين، ليتمكن من قيادتهم وعلى قاعدة شبيه الشيء منجذب إليه.
لا غرابة أن يسلم عبعوب على سبيل المثال مسؤولية أمانة بغداد، تلك الدائرة التي يراد منها أن تخدم ما يعادل ثلث سكان العراق، فضلا عن كونها وجه العراق أمام العالم، هذا الشخص الذي يصلح كمهرج في سيرك، وليس مسئول في دولة عانت لعقود من الزمن، ويراد إعادة بنائها، اختيار هكذا شخصية طبيعي، كون من اختاره لا يختلف عنه كثيرا، من انطفاء الكهرباء في قصره وعطل المولدة، إلى
بطولات نجله احمد، حتى القلم الذي احتفظ به أكثر من ربع قرن ليوقع إعدام الهدام.! كذا شخصيات الحكومة السابقة الأخرى، التي اتسم معظمها بالأمية والفساد والتزلف والتظليل والكذب والتزوير.
هذا وغيره يضع الحكومة الجديدة، التي رفعت شعار التغيير والإصلاح، أن تعمل وبسرعة على التخلص من هكذا شخصيات، حتى تتمكن من تنفيذ الوعود التي قطعتها.
أما إبقائها لهكذا نماذج، وترفع شعار التغيير، ومعالجة الملفات التي سببت النكسات على كافة المستويات، فهذا ضرب من الأمنيات، التي لا يمكن تحقيقها بسبب عجز أدواتها، وانعدام قدرتها على التخطيط الاستراتيجي، لانعدام رؤيتها لواجبها وما مطلوب منها تنفيذه.
مقالات اخرى للكاتب