أن الساحة العراقية تشكو من الطبقة السياسية، والتي اكثر وجوهها من المخضرمين مر عليهم عقود من الزمن في العمل السياسي، وهذا وان كان يصنع الحنكة والحكمة، ولكن مقابل ذلك يصنع الركود والجمود، ونشير الى أن البعض منهم قد انحرف بعيدا عن بناء دولة المؤسسات، وفضل مصالحه الشخصية و الحزبية على مصلحة الشعب العامة، وفي الوقت ذاته لو تأملت الاحزاب الفاعلة ستجدها غافلة أو متغافلة عن عنصر مهم، وهو ديمومة العمل وتطويره ورفد تنظيماتهم بالدماء الجديدة.
أن تهيئة جيل شبابي لهو المطلب والضرورة التي ينبغي للساسة السعي لها في هذه المرحلة، فلابد من تمكينهم للولوج بالعمل السياسي، وذلك يتطلب عدة أمور، منها الموهبة أو الدافع والبيئة المناسبة، فلكل امكانياته وقابلياته، منها ماهو وراثي ومنها ماهو مكتسب وكلاهما يعمل على صقلها وتشذيبها، وذلك بالتدريب والتطوير المستمر وزجهم في الانشطة والفعاليات التي تتناسب مع تلك المواهب والقابليات.
وبعد هذه المقدمة نود بيان بعض الامور التي نرى من الضروري ذكرها وتبيانها، منها بيان معنى التنظيم (ونقصد به هنا التنظيم السياسي وان كان يصح لعدة موارد)، وهل هو ضروري وما الفائدة منه وماهي شروطه ومبررات عمله، وفي نهاية المطاف سنحاول الاجابة عن اسئلة شائعة للمشككين في العمل التنظيمي السياسي.
فالتنظيم نقصد به: كل جماعة اتحدت على فكرة واضحة مفصلة واقعية الاهداف وذات رؤيا يمكن تطبيقها يراد ايجادها في المجتمع.
وهنا قد يسأل سائل ما الفائدة من العمل التنظيمي وللاجابة نود بيان الاتي :
١_الحياة تنظيم: كما أن الانسان يسعى لتنظيم حياته، فيعمل لجدولة نشاطاته بشكل مخطط، وكذلك الحال بعلاقاته مع محيطه، فهو يشكل الارضية الاساسية للتوجيه نحو الاهداف ولاداء العمل بشكل واقعي متسلسل مدروس منظم، والترتيب الممنهج يعتبر الركيزة في النهوض، فهو مصداق للعمل المنظم.
٢_ التطور الاجتماعي:حتمية الحياة السير نحو التكامل، والمجتمع لابد من تطوره واحدى اوجه ذلك هو التبني العمل المنظم ضمن افراد أومجموعات، لذا فالتنظيم يؤدي هذا الدور ويعتبر من ادواته.
٣_تعزيز الحريات:بما ان العمل التنظيمي يستهدف المجتمع ، فحرية التعبير هي من اساسياته لأيصال افكاره، وبدونها لايمكن مزاولة اي نشاط ، كما في ظل الانظمة الديكتاتورية، فالعمل التنظيمي يتيح ديموتها ويخلق التنافس الخلاق.
وهنا نذكر ضرورة توفر عدة شروط للعمل التنظيمي، فهي تعتبر المبرر الاساس لانطلاقته ومن ثمة استمراره بالعمل وهي :
١_الهدف: لابد من ان يكون هنالك هدفا أو أهداف واضحة يسعى اليها ، مثل استلام الحكم و اصلاح المجتمع مثلا.
٢_الرؤيا: عادة ماتكون الرؤية هو الهدف الذي لايمكن الوصول اليه، فيكون العمل دؤوب لتحقيقها أو الاقتراب منها، فهو الحافز والدافع للعمل المستمر.
٣_ النظام الداخلي : ومن الممكن تسميته بوصلة التنظيم فلابد من أن يكون (للتنظيم) نظاما داخليا يعمل باطاره، فترتيب بيته الداخلي من الاولويات ليحدد له الاهداف والوسائل من ثم ينطلق نحو محيطه، وفي مثل هذه الحالة يحافظ التنظيم على تماسكه وترابطه شريطة التفاف القاعدة حول القادة ويكون ذلك عبر الانتخاب.
٤_القاعدة أو الجماهير : لابد من ان استهداف الافراد بعناية ودقة، وذلك بأنتخاب المميز منهم (وهذا يقرر ضمن طبيعة التنظيم)، حتى يحملوا الرسالة ويكونوا نواة لكسب افرادا جدد، يعوا محيطهم ليكونوا تنظيما قويا ناضجا، بعد أن يتم تحديد الهدف والرؤيا والنظام الداخلي، ومن هو مناسب، لكي تلتف حوله الجماهير وتكوين قاعدة أو ركيزة للانطلاق لتحقيق بقية الاهداف.
٥_ المجلس الاستشاري أو الشورى: من الضروري ان تكون هنالك مجلس استشاري من اصحاب الرأي والرؤيا، يمارس عملية التقييم والتقويم المستمر ويحافظ على المسار والمنهج المرسوم.
ونشير هنا الى حتمية تبنى التنظيم الناجح لنظرية، فلا تنظيم بلا نظرية، ولانظرية بلا عمل، ولاعمل بلا ارتباط بالجماهير، وهذا العمل التنظيمي الناضج الناجح .
هنا نذكر بعض ميزات العمل التنظيمي السياسي:
١_ تساعد على انتخاب الاصلح وتخلق التنافس الايجابي .
٢_ تساعد في تحكيم ارادة الشعب .
٣_ تخلق وعي سياسي في الاوساط الشعبية.
٤_تحمل المسؤولية السياسية وتدفع المجتمع للامام .
٥_ تساهم في ايجاد الانضباط الفكري والعملي للقواعد الشعبية.
اما اذا أسيء استخدامها فينتج عنها سلبيات نذكر منها:
١_ الديكتاتورية .
٢_ افشاء العداء بين افراد الشعب .
٣_ تحريف الحقائق وتزييف الواقع .
٤_ هدر المال العام وتكوين تكتلات الفئوية الضيقة .
وحقيقة الامر قد ابتلى العراق بمثل هذه السلبيات وتاريخه القديم والحديث والمعاصر مليء بالشواهد.
ونحاول هنا الاجابة على ابرز تساؤلات المعترضين والمشككين وبالعمل التنظيمي ومنها:
١_ التنظيم يقلل من حريات الافراد المنتمين اليه؟
الجواب:أن الانسان الذي قرر الانتماء الى تنظيم ما جاء عن محض أرادته وبعد دراية واقتناع، فلابد من بعد ذلك ان يكون سائرا ضمن الارادة والتوجه العام له ، وبما نص عليه النظام الداخلي.
٢_التنظيمات تشق وحدة الشعب بتركيزها على المنضوين تحت لوائها ؟
الجواب: هذا يعتمد على ثقافة التنظيم وطبيعة المنتمين اليه، وأن تنوع وتعدد التنظيمات ليس له ارتباط بمشروعية تكوينها.
٣_ ان التنظيمات تلون المشاكل الاقتصادية والاجتماعية بلون سياسي؟
الجواب : إضافة الى ما ورد في النقطة السابقة تعود ايضا الى رؤيا التنظيم للتحديات، وكيفية حلها بواقعية دون تهويل للامور .
٤_ المنتمي الى تنظيم ما يلون باطار فكري معين؟
الجواب: هذا ليس فقط شان التنظيمات، بل هو شأن جميع الاديان والمذاهب والقوميات والمعتقدات، بل حتى اللغة والوطن فضلا عن التنظيمات فكلا له فلسفته ومعتقداته.
٥_ التنظيم يزيف الحياة الديمقراطية ؟
الجواب : التنظيم الواثق من فكره وبرنامجه وله اهدافه الواقعية ورؤيته الخاصة، ومنبثق من الشعب وله جماهير ومريدون، ليس له الحاجة الى مثل هكذا اساليب .
اخيرا نقول عسى أن يبدي المتصدين للسياسة اهتماما اكبر بالشباب فهم بناة الوطن وقادة المستبقل، وذلك يكون بتعزيز حضور هذه الفئة فهم الطبقة الوسطية، ولردم الفجوة التي تحصل بين تعاقب الاجيال (نذكر هنا أن المخضرمين من السياسين عاجلا أم أجلا سيطالهم التغيير بحكم العمر ودورة الحياة) ، الا القلة منهم قد عرف وتدارك الموقف وهذا يحسب لهم بما امتلكوه من نظرة مستقبلية ونضج سياسي، وسنرى نتائج طيبة جراء ذلك.
مقالات اخرى للكاتب