علم الجميع كيف تحرك الادعاء العام الفرنسي في ضوء المعلومات التي نشرتها الصحف الفرنسية بشان قيام مرشح اليمين لسباق الرئاسة الفرنسية ،بعد فوزه في الترشيحات النهائية ، بتعيين زوجته وابنائة كمستشارين له وهم لا زالو طلبة علم ، ومنحهم رواتب او مخصصات وبشكل يعد مخالفا للقانون واللوائح المالية ، وقد قام المدعي العام الفرنسي بتحريك الدعوى ضد المرشح اليميني بمجرد قيام الصحف بنشر تفاصيل هذه الفضيحة والعمل على استدعاء الزوجة والاولاد للتحقيق معهم واعتبار ما جاء بالصحف المحلية بمثابة اخبار لان الموضوع يهم الصالح العام ، وان الصحف لم تك خصما في الدعوى وانما هي سلطة رابعة تنطق باسم الشعب من حقها وبموجب القانون الفرنسي ان تنشر كل ما يقع تحت يدها من معلومات تهم المال العام وكيفية التصرف به،وقد دافع فرانسوا فيون عن نفسه من ان ما اثير تجاهه من تهم انما اريد بها التسقيط السياسي ، وان هذه الحملة هي لصالح خصومه ، ولو اتجهنا صوب قانون اصول المحاكمات الفرنسي ، لوجدنا ان للراي العام سطوة توقع حتى بالرؤساء ، ولا ادل من تدني شعبية الرئيس الحالي فرانسوا اولاند والتي دفعته لعدم الترشيح للدورة الثانية ، ولو اتجنها ايضا لقانون اصول المحكمات العراقي لوجدنا ان ليس ثمة فرق بين القوانين العراقية والفرنسية انما الفرق في الاشخاص والضمائر او ان الفرق في النظرة الى الوطن والمواطنة والفرق بين سياسي العراق وسياسيي فرنسا ، وبالمجمل هو الفرق بين احزاب فرنسا العريقة وبين بعض احزاب العراق الدخيلة على السياسة ، او هو الفرق بين المدعي العام الفرنسي المفعم بالوطنية وبين المدعي العام العراقي المثقل بالخوف من الكتل السياسية لان القانون الذي يحقق بموجبه المدعي العام في العراق هو العوبة بيد من امتهن السياسة ما بعد السقوط ، فاذا كان صدام قد خرق القوانين لوحده فان الجميع اليوم هم من يخرق القوانين ،والا لانتفض المدعي العام امام اقوال كل من يخرج على الفضائيات ويتهم نفسه والاخرين بالرشى والفساد المالي او حتى ان يشعر المدعي العام والقضاء من بعده بالتردي الذي اصاب البلد وبحجم الاموال المسروقة .
ان البلدان تتقدم بتفعيل القوانين حتى ولو كانت السرقة فلسا واحدا ، يقال ان احد امناء الصندوق في المديرية العامة للسكك الحديدية وهو يقوم بعمله مر به بائع الشاي فاشترى منه (استكان شاي وصميطة) فسحب 6فلوس من الصندوق عجزا من مد يديه بجيبه على امل ان يعيدها حالا ولعدم التسبب في تعطيل البائع ، وصادف ان مرت به لجنة الجرد الدائمة لتقوم بعملها الاعتيادي الا وهو الجرد الدوري المفاجئ ، ولم يستطع امامها اعادة المبلغ ، وعند الانتهاء من عملية الجرد ، تم احتساب مبالغ الوصولات المصروفة اصوليا والمبالغ النقدية فوجدت اللجنة ان هناك نقص مقداره ستة فلوس ، فقامت بتثبيت النقص دون الاستماع الى اقوال امين الصندوق في محضر الجرد ورفعته الى السييد مدير الحسابات ، واللذي هو بدوره استدعى امين الصندوق واستمع الى اقواله وهو مقتنع بنزاهته فرفع توصية الى المدير العام باحالة الموما اليه الى اللجنة التحقيقية الدائمة وظل المسكين يعاني من الام القضية حتى يوم التحقيق وبعد التحقيق ثبت لاعضاء اللجنة ان الموما اليه لم تك له سوابق وانه سحب المبلغ بحسن النية على امل ان يعيده حالا لولا مرور اللجنة عليه ، كما وانه مشهود له بالنزاهة ولصغر المبلغ اقترحت اللجنة اعادة المبلغ وتوجيه عقوبة مناسبة لعدم التكرار ، هذه قوانين الخمسينيات والستينيات ، وهي ذات القوانين العراقية السارية اليوم ، هي ذات القوانين الفرنسية ولكن العبرة كل العبرة في التطبيق والعبرة ايضا فيمن يسهر على التطيق........
مقالات اخرى للكاتب